أخبار محلية

دريد لحام لموقع خمس نجوم: لستُ ضد الدولة وانما ضد الفساد وظلم الأرياف اعيد النظر بالعروبة، واصالة لم تعد ابنتي

دمشق-يارا سلامة.
لا شك بأن الفنان السوري الكبير دريد لحّام ضحك كثيرا، حين سمع خبر وفاته قبل أشهر قليلة. ولا شك بأن مئات الآلاف من محبيه عبر الوطن العربي أصيبوا بحزن كبير حين انتشر الخبر كالنار في الهشيم. لحسن حظ الفن الجميل، أن ” غوّار الطوشي” لا يزال على قيد الابداع، وفي أوج العطاء، حتى لتخاله يزداد شبابا عاما بعد آخر. لم يقهره غير تلك الحرب اللعينة التي فتكت بالجسد السوري حتى كادت تقضي عليه، لكن سوريا وعلى دأبها عبر التاريخ تقوم من تحت الرماد لتُذكّر العالم بأن أرض الحضارات وأقدم مدن التاريخ، ليست من النوع الذي يموت أو يختفي.
في هذا الحوار، بوحٌ من القلب في السياسة والمجتمع والحياة والموت والفن والسلطة والمعارضة ونقدٌ واضح للفساد والمتسترين عليه. وهو حديث أجريناه في قلب دمشق التي ولد دريد لحام في أحد احيائها في العام ١٩٤٣، وبقي فيها رغم الحرب، وذلك فيما اختار فنانون آخرون الابتعاد عنها والانضمام الى المعارضة في الخارج.
هنا نص الحوار:
لماذا تحوّلت بعض المناطق السورية الى حاضنة للإرهاب؟
بسبب الظلم الذي تعرضت له الأرياف بشكل عام من ناحية الخدمات فمعظم الحكومات تركز جل اهتمامها على العاصمة وتنسى الارياف وبذلك تصبح السياحة للمدينة، والكهرباء للمدينة وكذلك المسارح والفنون والسينما ،بالتالي شعر هؤلاء السكان بالظلم الذي يحل بهم وظنوا بأنهم وجدوا من يقوم بالتغيير الإيجابي لصالحهم واذا به انعكس سلباً ..لو كان هناك خدمات وأسباب تجعلهم يتشبثون بأرضهم لما كانوا اختاروا الهجرة إلى المدينة والعيش فيها كالغرباء ،نتمنى من الحكومة أن تنقل جزءا من حضارة المدن إلى تلك الأرياف .
ما هي علاقتك بالإيمان؟
انا مؤمن أكثر مما تتصوري، سألوا أحد الفلاسفة أين يوجد الله ؟ فقال: حيث يسمح له بالدخول ،أي عندما يدخل إلى القلب …لهذا السبب يجب على الإنسان أن يبحث عن الخالق في داخله من دون البحث عن أدلة خارجية لذلك فليس من الممكن أن نجد دليلا ماديا او محسوسا …اذا لم نجد الله في داخلنا لن نجده ابداً.
هل تخشى الموت؟
لا ابداً، بالتأكيد لا أحبه ولكن لا أخاف منه وربما هو الحق الوحيد في هذه الحياة.
هل تشعر بأن رسالتك الفتية والمسرحية نجحت أو فشلت في مجتمعك السوري؟
الفن يزرع فكرة وهذه الفكرة قد تثمر بعد جيل أو جيلين…في نهاية الثمانينات انطلقت ثورة أطفال الحجارة في فلسطين ،وقاوم الأطفال الاحتلال الصهيوني بالحجارة ..هؤلاء ليسوا جيل النكبة فالنكبة حصلت عام 1948 يعني هناك أربعة أو خمسة أجيال مرت إلى أن انتجت هذه الثورة ،،هذا سببه تراكمات سواء في المسرح والأغنيات والقصائد مثل “الغضب الساطع آت” هذه زرعت أفكاراً وقد أثمرت هذه الأفكار بعد أجيال.
ماذا تعني لك العروبة؟
العروبة تعني لي الانتماء لكن بعض العرب هم المشكلة وخاصة الذين كنا نظنهم أشقاء لنا في العروبة، فهؤلاء دفعوا المليارات لتخريب سورية، الأمر الذي يجعلني أعيد النظر بمسألة :هل نحن فعلاً أمة عربية واحدة أم نحن مجموعة من الأمم؟ اليوم كل ما يحصل في اليمن سببه الرغبة في تسليم رئاسة هذا البلد إلى ذلك الشخص الذي يتبع بالولاء إلى تلك الدول، شاهدي ماذا أصاب أطفال اليمن ومن المؤكد بأن من قام بذلك ليست قوات أمريكية أو بريطانية ..للأسف قوات عربية هي من ترتكب هذه الأفعال.
هل فلسطين لا تزال قضيتك خصوصاً أن الجيل الجديد لم يعد مؤمناً بها؟
بكل تأكيد ما زالت قضيتي وستبقى كذلك وسأورث أولادي وأحفادي حب فلسطين، لكن ظروف الحياة ومتطلباتها خطفت التفكير بتلك القضية لكنها لم تستطع أن تنتزعها …كيف لإنسان يتقاضى ٥٠ دولارا أن يفكر بقضايا وطنية وقومية وهمه الوحيد تأمين متطلبات أسرته وبالتالي هذا الإنسان من السهل شرائه.
ماذا يعني لك الفقر؟
كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه ” لو كان الفقر رجلاً لقتلته”
لم أشعر بالفقر في طفولتي فحنان العائلة كان كفيلاً بتعويض كل شيء بالإضافة إلى عدم معرفتنا بالعالم الخارجي إلا ان جاء التلفاز وعرفنا على حياة وحضارات الشعوب وهنا حصل الشرخ ..يوجد لدينا شرخ إجتماعي لم ينتبه إليه أحد يكمن في غياب العدالة الاجتماعية ففي عام ٢٠١١ دعينا إلى حوار حول الأزمة السورية وعندما اتى دوري بالكلام قلت لهم :في أي مدينة بسورية يمكنك أن ترى محل للألبسة النسائية وسعر الفستان فيه ألفا دولار وعلى الطرف الآخر من الشارع ذاته يمكنك أن ترى شابا يبحث في القمامة ليجد شيئا يبيعه من أجل أن يأكل ..هذا الفرق كفر ويوجعني.
لكن هذا موجود في كل المجتمعات، الطبقات الاجتماعية موجودة ؟
لكن ليست بهذه الحدية الموجودة في سورية…هناك مدينة بنيويورك تجدين بعض الأشخاص العاطلين عن العمل يمارسون العزف او الرسم بغية تحصيل بعض المال وهنا الدولة تدفع لهم راتبا من أجل العيش..
هل هذه رسالة غير مباشرة للمطالبة برواتب للعاطلين عن العمل في سورية وهل تعتقد بأن دولة خرجت من أزمتها وحربها بعد ثماني سنوات قادرة على ذلك؟
اذا لديهم إمكانية ” ياريت” ولكن من الأفضل قبل أن يدفعوا راتبا للعاطل عن العمل أن يدفعوا رواتب تكفي حياة المواطن فالحد الأدنى اليوم للمعيشة ٣٠٠ الف ليرة سورية أي تقريباً ٦٠٠دولار فما رأيك بال ٥٠ دولارا راتبا للموظف اليوم…وكما قلت علينا أن نتجلى بالصبر ونتخلى قليلاً عن مباهج الحياة فبلدنا يمر بأزمة داخلية وايضاً يتعرض لعدوان خارجي بعضه بأدوات داخلية ومنها الفساد…في خلال الحرب العالمية الثانية كان رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل -وهو من قاد بريطانيا للنصر على النازيين- قد خصص بيضة في الأسبوع لكل شخص بينما الطائرات الألمانية تقصف لندن، وكان ينزل مع الناس ويقف في الصف كغيره من المواطنين للحصول على بيضة. أنا أرغب بمشاهدة مسؤولا يقف بين الناس للحصول على اسطوانة غاز ليشعر فقط بوجعهم ومعاناتهم علّه يجد طريقة اخرى لهذا الموضوع …والنقطة الأخرى التي أريد إيصالها بالعودة إلى قصة تشرشل هي التالية …كان هناك امرأة أمامه فلما شاهدته قالت له خذ دوري إن كان ذلك يسرّع بانتصارنا فقال لها الانتصار ما يزال بعيداً قفي في مكانك …هنا نلاحظ صدقا بين المسؤول والمواطن فهو لم يقل لها سننتصر الآن وسندمر ألمانيا..
هل تقصد عدم وجود صدق بالنسبة للمسؤولين في بلدنا؟
بيكذبوا كتير…
هل تحلم بسورية علمانية مدنية بعيدة عن قبضة الدين؟
الدين لله والوطن للجميع …عندما نقول دولة علمانية البعض يعتقد بأنها دولة كافرة …لا ليست كذلك المسألة …انا مع الدولة العلمانية وأحلم بها طبعاً.. حتى أوروبا لم تستطع أن تتقدم الا عندما تم فصل الدين عن الدولة هنا بدأت نهضتهم ..
هل بدأت النهضة في سورية ؟
بكير يا قلبي
كيف ترى سورية بعد ١٠ سنوات؟
يجب أن نحلم ونتمنى الأجمل دوماً وهذا الحلم لا يمكننا التخلي عنه…ذات مرة قال لي الإمام موسى الصدر ” من أجل أن يكون الوطن قوي يجب أن يكون شركة إنسانية وليس شركة مساهمة” وفعلاً أثبت الشباب السوري بأن الوطن شركة إنسانية من خلال ما نشاهده من كم الأعمال الإنسانية لدرجة أصبح عدد المتطوعين فيها أكثر مما نتخيل.
يبدو ان الإنتاج الفني الشبابي عبر التواصل الإجتماعي يحصد جوائز عديدة هل انتهى عصركم؟
لا أريد الدخول بمسألة صراع الأجيال بل في تكامل الأجيال ..اعتبر أن هذا الجيل هو امتداد لجيلنا ومكمل لمسيرتنا.
معظم مسرحياتك وأعمالك السابقة كانت تنتقد الحكومات لماذا لم تصبح معارضاً وبقيت إلى جانب الدولة؟
كون الإنسان ينتقد شيء، اما ان يصبح معارضا فهذا شيء آخر. فان انتقد لا يعني اني معارض. لم أكن ضد الدولة ولكن انا ضد الغلط والفساد في اداء المسؤولين وما أزال ضده إلى اليوم بمعنى آخر انا لست ضد الوطن ولو كنت كذلك لكنت الآن في السجن. انا ضد الفساد فقط.. اما عن سؤالك لماذا لم اصبح معارضاً …فلماذا اريد أن أكون كذلك…لن أكون معارضا سياسيا ضد وطني ..
برأيك لماذا حصلت بعض الالتباسات ولم يميز الناس في بداية الأزمة بين نقدك ومسرحياتك وبين واقعك اي لماذا وجه اليك البعض أصابع الاتهام ووضعك ضمن قائمة المعارضين؟
حصلت عدة مواضيع من أشخاص كنت أظنهم أصدقاء، وحين اختاروا الجانب الآخر ضد وطنهم أرادوا الدفع بي بأقوالهم للانتقال إلى ضفتهم وبالتأكيد لن أفعل هذا الأمر فضفتي الوحيدة هي سورية وليس لي أي ضفة آخري حتى لو فيها دولارات.
كم عرضا تلقيت في سبيل التخلي؟
كثير ولا أريد التكلم بها ولكن قالوا لي اترك هذه الضفة وانتقل إلى الأخرى أي ضد البلد ولك ما تريد ولكن لم ولن أقبل.
رفضت إقامة حفل فني لأصالة نصري في دمشق على الرغم من تصريحاتك السابقة بأنك تعتبرها ابنتك وكما قلت بأن المحبة بينكما لم تنته؟
قبل أن تنشق أصالة عن وطنها كانت مثل ابنتي وقبل أن تدلي بمئات التصريحات ضد بلدها وضدي انا ايضاً وقد كانت من ضمن الأشخاص الذين قالوا لي ” مسرحياتك وطنية لماذا ما زلت مع النظام؟” بالطبع لن احضر إن قدمت حفلة في سورية .
لكنك صرحت بأن اي شخص معارض يرغب بالعودة ستقوم بإستقباله شخصياً ….ما الذي تغير اليوم ؟
المعارضون قسمان: قسم وقف ضد سياسة بلده والآخر وقف ضد بلده وطالب أمريكا بقصف سورية، هؤلاء لا يمكن أن اضع يدي بيدهم …اما عن استقبالي لهم فالبعض منهم اتهمني بأنني اسعى إلى توريطهم وحين دخولهم ارغب بتسليمهم إلى المخابرات السورية…

تقول:”انا اول معارض لأخطاء السلطة وما زلت” ، فما هو اليوم أكبر خطأ ارتكبته السلطة برأيك؟
السكوت عن الفساد وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. لماذا المعامل الخاصة كانت تربح ومعامل الدولة اليوم خاسرة هذا يدل على وجود الفساد.
متى سينتهي الفساد برأيك؟
لن ينتهي إن لم يكن هناك قرار صارم من الدولة بمحاربة هذا الموضوع.
لكن هناك مشروع لمحاربة الفساد وقد بدأ؟
في بعض الاوقات نسأل أنفسنا ” مين بدو يحاسب مين”؟

————————————————————
دريد لحّام : من مواليد دمشق عام 1934 من أب سوري وأم لبنانية ( قرية مشغرة في البقاع الغربي ) _ ترتيبه السابع في سلسلة مؤلفة من عشرة أطفال ونظراً لظروفه المادية الصعبة اضطر للعمل بعدة مهن( حداد،خياط،مكوجي،بائع جوال) _ يحمل ليسانس في العلوم الكيمائية ودبلوم في التربية. _ بدأ العمل الفني عام 1960 _ أول عمل تلفزيوني له هو الإجازة السعيدة _ أول عمل مسرحي هو مسرحية الشوك _ أول عمل سينمائي هو عقد اللؤلؤ _ آخر أعماله: الخربة 2012 سنعود بعد قليل 2013 بواب الريح 2014 ضبوا الشناتي 2016 ضيف شرف بطولة فيلم دمشق حلب 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى