الناظر إلى الواقع اللبناني بكل تشعباته وتفاصيل ما فيه من أزمات متتالية ملقاة دفعة واحدة على عاتق حكومة ستبصر النور قريبًا، لا يسعه سوى توسيع الآفاق وربط ما يجري على الساحة اللبنانية بما يجري في المنطقة من تطورات، ولا يمكن بالتالي التغاضي عمّا يدور في أروقة عواصم القرار بعد التطورات الأخيرة التي شهدها العراق، بعد توجيه واشنطن ضربة موجعة لـ”الحشد الشعبي” على الحدود العراقية – السورية، وما يمكن أن تكون عليه ردّة فعل إيران، عدا ما يحصل حول السفارة الأميركية في بغداد.
وبناء على جدلية قائمة على نظريتين تقول إحداها أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال اللأعب الأبرز على مستوى الساحة الإقليمية، وأخرى ترى أن النجم الأميركي آيل إلى الضمور والتراجع، فإن لبنان المتأثر بكل ما يجري من حوله من تجاذبات يدخل مرحلة جديدة، خصوصًا بعد أن تبصر حكومة حسّان دياب النور، والتي يحلو للبعض تسميتها بـ”حكومة حزب الله”، وهو يسعى إلى شقّ طريقه بصعوبة بعدما بلغت أزماته المالية والإقتصادية مرحلة الإفلاس، والتي يصعب الخروج منها من دون مساعدات من الخارج، وبضوء أخضر من واشنطن، التي لها تأثير مباشر على الدول العربية والأوروبية التي يمكن أن تمدّ يد المساعدة للبنان لإخراجه من الهوّة التي وجد نفسه فيها نتيجة سياسات خاطئة وخيارات لا تتوافق مع النظرة الأميركية الشاملة.
وهنا لا بدّ من طرح السؤال التالي: ماذا يريد لبنان من أميركا، وبالتالي ماذا تريد أميركا من لبنان؟
للإجابة عن هذين السؤالين ترى أوساط دبلوماسية أن لبنان الرسمي يريد من أميركا أن تفصل بين العقوبات المالية التي تطاول “حزب الله” وبين ما يصيب جميع اللبنانيين من كوارث إقتصادية ومالية نتيجة السياسة الأميركية، وذلك من خلال رفع الضغط بالدولار التي تُمارس على المصارف اللبنانية، ورفع الحظر عن المساعدات الممكنة، بعدما أبدت بعض الدول العربية والأوروبية إستعدادها لمدّ لبنان بمساعدات مشروطة في ضوء من يمكن تحقيقه من إصلاحات مطلوبة، وعلى وجه السرعة، من الحكومة اللبنانية الجديدة، إذ يكفي أن تضع السعودية مثلًا وديعة بملياري دولار بفوائد متدنية، لكي تستعيد الحركة المالية حيويتها، وهذا ما يؤمل منه في المرحلة المقبلة، بعد أن تثبت الحكومة مدى جديتها في المعالجة.
أما في ما يتعلق بالشقّ الثاني من السؤال، فإن ما تريده أميركا من لبنان، وفق الأوساط الدبلوماسية ذاتها، معروف ولا يحتاج إلى الكثير من الإجتهاد، ومختصره، أن واشنطن تضغط بكل قوة لكي تحول دون تمكّن “حزب الله” من وضع يده بالكامل على السلطة في لبنان، وذلك من خلال التحالف الإستراتيجي بينه وبين العهد و”التيار الوطني الحر”، ومن غير المستبعد أن تلجأ إلى فرض عقوبات مالية على بعض حلفاء الحزب، وبالأخص المسيحيين منهم، الأمر الذي سيجعل علاقة لبنان بأميركا متوترة، وقد يجد لبنان نفسه منساقًا تلقائيًا نحو دول أخرى لطلب المساعدة منها.
وإستنادًا إلى هذا السيناريو لا تتوقع تلك الأوساط أن تشهد الساحة اللبنانية بعضًا من الإنفراج على الصعيدين المالي والإقتصادي، اقله في النصف الأول من العام 2020.
المصدر لبنان24