نال السوريون حصة من أزمة الإيداعات في المصارف اللبنانية التي تفرض سقوفاً يومية وأسبوعية على السحوبات النقدية والإلكترونية.
ولجأ أثرياء سوريون منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد في 2011 — والتي تطورت إلى حرب شاملة — إلى تحويل أموالهم إلى لبنان والاعتماد على اقتصاده بسبب العقوبات الغربية.
كما يلجأ العديد من السوريين خارج الشرق الأوسط إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال أموال إلى أقاربهم، إن كان عبر البنوك أو عبر شركات التحويل غير المصرفية.
وتنقسم الإيداعات السورية في البنوك اللبنانية – التي تتجاوز الـ 30 مليار دولار وفق مصادر بي بي سي عربي في سوريا – إلى فئتين: أصحاب رؤوس أموال وحسابات الرواتب، فيما تجمع المعاناة في فتح الحساب الفئتين.
وتواصلت بي بي سي عربي مع عدد من المودعين السوريين في مصارف لبنان – فضلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم – لسؤالهم عن مصير أموالهم.
ويقول تاجر سوري إنه لا يستطيع سحب 500 ألف دولار أودعها في البنك مما يعطل حركة تجارته.
ويضيف أن أصدقاءه الذين أودعوا مبالغ كبيرة في المصارف لقاء الحصول على إقامة في لبنان، لا يستطيعون سحبها الآن، مشيراً إلى أن فتح الحساب بالأصل إما يكون بالدولار أو بالليرة اللبنانية.
وبما أن المصارف لا تسمح حاليا إلا بالسحب بالليرة اللبنانية منذ بدء التظاهرات الأخيرة في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، فإن ودائع السوريين تخسر جزءاً لا يستهان به من قيمتها.
وتعد الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان في الوقت الراهن الأسوأ منذ حربه الأهلية التي استمرت بين عامي 1975 و 1990.
وخسرت الليرة ثلث قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وتدهورت إلى مستويات قياسية، إذ وصلت إلى حوالى الألفين مقابل الدولار في السوق السوداء بعد شهرين من انطلاق الاحتجاجات.
وعندما عادت البنوك إلى العمل، بعد توقف مؤقت لأسباب أمنية، اندفع المودعون للحصول على أموالهم، فقامت البنوك بوضع سقوف للسحوبات والتحويلات الخارجية، ولم تعد تمنح المودعين أموالهم إلا بالليرة بحد أقصى أسبوعيا يصل إلى ما يعادل 300 دولار.
لكن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل ظلت تختمر لفترة طويلة لتفاقم الدين العام اللبناني الذي يقدر بـقرابة 85 مليار دولار، أي ما يتجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل لبنان في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث نسبة المديونية العامة إلى الناتج الإجمالي.
انخفاض قيمة الرواتب
ويروي شاب سوري مقيم في لبنان خسارة أحد أصدقائه لجزء من قيمة عوائده المودعة في لبنان.
ويقول إن “صديقي لديه شركة في سوريا متعاقدة مع شركات لبنانية لقاء خدمات ترجمة، يحصل على التحويلات المالية لقاء أتعابه عبر أحد البنوك اللبنانية”.
ويضيف أنه بسبب عدم تمكنه من السحب بالدولار بل بالليرة اللبنانية، تأثر عمله وانخفضت قيمة رواتب موظفيه.
ويشير الشاب إلى أن جزءاً من المشكلة هو صعوبة فتح حساب للسوريين في لبنان، فهو لا يمتلك حساب بعد تقدمه بطلب منذ أشهر، مع أنه يعمل في شركة لبنانية، فيما اضطر صديقه الذي يعمل في مؤسسة دولية إلى الانتظار شهرين لفتح الحساب.
وتبدو الموانع غير واضحة مع الإشارة إلى أن البنوك كانت متساهلة سابقاً في هذا الشأن، لكن قبل سنوات قرر بعضها عدم فتح حسابات للسوريين إلا بالليرة اللبنانية لكنها تساهلت مع الإيداعات الكبيرة، وفق صحفي سوري مقيم في لبنان.
علماً أنه قانوناً لا نص يمنع السوريين من تأسيس شركات في لبنان، أما على مستوى الحسابات البنكية فقد أصدرت بنوك تعاميم داخلية – لا علاقة لها بالقانون – منذ بدأ الحرب السورية، لتجنب فتح حسابات للسوريين خوفاً من قضايا تبييض الأموال أو ارتباطات مودعين بجماعات مسلحة.
لكن رغم ذلك، فتحت البنوك حسابات لرجال أعمال سيرتهم الذاتية موثوقة، وحجم ايداعاتهم كبير.
وينتظر شاب آخر عدة أيام ليحصل على مبلغ من شيك باليورو تحوله إليه منظمة متعاقدة معه، وهو كان قد وقع بين خيارين: إما سحب الشيك بالليرة اللبنانية، أو فتح حساب يوضع فيه الشيك ليحصل عليه بالعملة الصعبة، وبعد وضع الشيك في حسابه، يلتزم إسوة بغيره من المودعين اللبنانيين والسوريين بسقوف السحب.
المصدر موقع BBC