“يصف تقرير (الأمين العام للأمم المتحدة) بإسهاب الحوادث الأمنية، بدءاً من الهجوم على بيروت بمسيّرات في 25 آب/أغسطس، المنسوب، بحسب تقارير، إلى إسرائيل، والموجّه ضد مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله؛ مروراً بالهجوم المضاد الذي شنه حزب الله بإطلاق ثلاثة صواريخ مضادة للدبابات على آلية للجيش الإسرائيلي في 1 أيلول/سبتمبر وقصف الجيش الإسرائيلي رداً عليه؛ وحوادث الاحتجاج في الشوارع اللبنانية منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر، والأزمة السياسية التي أشعلتها ووصلت إلى أوجها.
على خلفية خطورة الأحداث غير المسبوقة، وعلى حافة تصعيد عسكري وأزمة اقتصادية – سياسية تاريخية في لبنان، يبرز اختيار واضعي التقرير الاستثنائي، ليس فقط التشديد على خروقات القرار 1701، بل أيضاً على دور الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني في عرقلة قيام قوات الطوارىء (اليونيفيل) بمهماتها، وفي الخروقات، وفي تغطيتها والامتناع عن تطبيق القانون على الذين يضايقون جنود الأمم المتحدة في لبنان.
يخصص التقرير للمرة الأولى ملحقاً للسلاح الممنوع، ويفصّل 14 حادثة محددة حدث فيها تقييد لحرية حركة اليونيفيل، جرى خلالها توقيف قوات اليونيفيل من جانب عناصر “محلية”، وأحياناً بالقوة، انطلاقاً من السمات المعروفة للمعركة المستمرة التي يخوضها حزب الله ضد اليونيفيل.
وذكرت مصادر في الأمم المتحدة أن الارتفاع في عدد الحوادث التي يذكرها التقرير يكشف زيادة العدائية ضد اليونيفيل في المنطقة، بالإضافة إلى التشدد في تقارير الأمم المتحدة، وشدد آخرون على الجهد الذي وُظف لتحسين نوعية التقرير ومستوى تفصيلاته. جغرافياً، تركزَ معظم الحوادث في المنطقة الوسطى، وتشكل بلدة بليدا مركزاً بارزاً للمضايقات التي تتعرض لها اليونيفيل، مع وقوع أربع حوادث في الشهرين الأخيرين، وفي الإجمال نحو 14 حادثة وثقتها الأمم المتحدة منذ 2006.
ويلحظ التقرير المنظمة البيئية المزعومة “أخضر من دون حدود”: جرى إطلاق الصواريخ المضادة للمدرعات بالقرب من مواقعها في مارون الراس، وتوصف هذه المواقع بوضوح كمواقع يُقيّد وصول الأمم المتحدة إليها، ويقوم ناشطوها بصورة فاعلة ودائمة ومتزايدة بإغلاق الطريق أمام جنود اليونيفيل ودورياتها.
يشير التقرير بوضوح إلى “أن الجيش اللبناني يعارض تسيير دوريات اقترحتها اليونيفيل من أجل توسيع وجودها إلى ما وراء محاور أساسية ومراكز بلدية؛ لأن المقصود طرقات خاصة أو تقع في مناطق ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الجيش اللبناني”
بالإضافة إلى المضايقات على الأرض، شدد التقرير مرة أُخرى على دور الرئيس اللبناني (ميشال عون) وكبار قادة الجيش اللبناني في منع دخول اليونفيل إلى مواقع الخروقات. بالإضافة إلى الصيغة المعهودة “دوريات اليونفيل لها بصمة تشغيلية Operational Footprint في كل بلدات وقرى منطقة عملياته”، وهذا ما يخلق انطباعاً خادعاً بوجود فعلي في كل المنطقة، ويشير التقرير بوضوح إلى “أن الجيش اللبناني يعارض تسيير دوريات اقترحتها اليونيفيل من أجل توسيع وجودها إلى ما وراء محاور أساسية ومراكز بلدية؛ لأن المقصود طرقات خاصة أو تقع في مناطق ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الجيش اللبناني”. كما تواصل الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، بحزم، منع دخول اليونيفيل إلى كل موقع وأرض وقطعة طريق تُعتبر “أملاكاً خاصة”، ويشمل ذلك مواقع منظمة “أخضر بلا حدود”، مواقع إطلاق الصواريخ الأخيرة، ومواقع فتحات الأنفاق الهجومية لحزب الله التي اكتُشفت خلال عملية “درع شمالي” قبل عام، بما في ذلك مناطق حيث كانت اليونيفيل تقوم بدوريات من دون إزعاج.
على مستوى الأرض، يجري الكلام عن قيام اليونيفيل بدوريات بطائرات الهليكوبتر “فوق مناطق ممنوع الدخول إليها براً، مثل الأراضي الخاصة…”. مسؤولون كبار في قيادة الأمم المتحدة يعرفون أن الاستخدام الواضح والمتزايد لحجة “أملاك خاصة” من مختلف الأطراف اللبنانية في لبنان، هو لإخفاء القدرات العسكرية لحزب الله ومنع دخول اليونيفيل إليها، لكنهم يترددون في كيفية مواجهة هذه الصعوبة المتمثلة باختباء لبنان وراء قوانينه وسيادته، لمواصلة التهرب من واجباته الدولية.
وأظهر التقرير مجدداً المماطلة وعدم موثوقية لبنان بتطبيق القانون على الذين هاجموا دوريات الأمم المتحدة في مجدل زون في آب/أغسطس 2018، وأيضاً في حوادث كثيرة أُخرى جرى فيها الهجوم على قوات الأمم المتحدة في لبنان، والبطء في تطبيق الخطوات القانونية.
ومن أجل التوازن المعروف، يتحدث التقرير بإسهاب عن خروقات إسرائيل، في الأساس، الخروقات الجوية، وإطلاق النار، واحتلال شمال قرية الغجر، وبعض الخروقات شمال الخط الأزرق، بينها خرق عبر نفق قطار يعود إلى زمن الانتداب في رأس الناقورة.
اعتبر الذين وضعوا القرار 1701 أن وجود سلاح حزب الله بالقرب من الحدود الإسرائيلية من دون موافقة لبنان هو العامل الأساسي لنشوب حرب 2006، وسعوا لمنع نشوب حرب إضافية من خلال ظروف نشوبها. وكانت وجهة نظرهم أن الجيش اللبناني المستقل، بمساعدة قوات اليونيفيل، هو الرد على تهديد سلاح غير تابع للدولة. حملة المضايقات على قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني، وحادثتا إطلاق صواريخ مضادة للدبابات، وحفر أنفاق هجومية إلى أرض إسرائيل منذ قبل عقد، وعشرات حوادث إطلاق الصواريخ، وانفجار أربعة مخازن للعتاد، وقرابة عشر هجمات بالعبوات الناسفة ضد قوات اليونيفيل والجيش الإسرائيلي، كل ذلك يؤكد الوجود العسكري المتنوع لحزب الله في الجنوب اللبناني الذي يستخدمه كما يريد.
من الواضح للجميع أن الجيش اللبناني لا يفعل شيئاً ضد الانتشار العسكري لحزب الله في الجنوب اللبناني، وبالتالي، فإن اليونيفيل غير قادرة على مساعدته
وبخلاف ما جاء في التقرير (الأممي): “اليونيفيل يواصل مساعدة الجيش اللبناني على إقامة منطقة منزوعة من السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، ويمنع دخول مسلحين غير مرخص لهم، باستثناء التابعين للحكومة اللبنانية واليونيفيل”، من الواضح للجميع أن الجيش اللبناني لا يفعل شيئاً ضد الانتشار العسكري لحزب الله في الجنوب اللبناني، وبالتالي، فإن اليونيفيل غير قادرة على مساعدته.
بالإضافة إلى الثناء على الهدوء الأمني، من المهم الإشارة إلى أربعة إخفاقات مركزية لسياسة إسرائيل وأصدقائها الغربيين إزاء لبنان حتى الآن:
أولا، تعاظُم قوة حزب الله في لبنان وفي جنوبه؛
ثانيا، سيطرة حزب الله على المنظومة السياسية في لبنان، وتحييد عناصر القوة الأُخرى فيه؛
ثالثا، تعاون متحمس من أجزاء من الجيش اللبناني مع حزب الله؛
رابعا، وفوق كل شيء، كما يظهر من كلام السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان هذا الشهر، استمرار سلوك المجتمع الدولي بما ينسجم مع السياسة التي تبلورت في 2005-2006، على الرغم من التغييرات العميقة التي حدثت وانهيار الفرضيات التي كانت في أساسها.
يُظهر دبلوماسيون في الغرب تفهمهم قلق إسرائيل حيال تعاظم القوة العسكرية لحزب الله ومشروع الصواريخ الدقيقة، لكن في رأس اهتماماتهم يوجد استقرار لبنان، والسياسة التي يتمسكون بها تقوم على تعزيز مؤسسات الحكم، وفي طليعتها الجيش اللبناني، ومنح هامش للحكومة اللبنانية، على الرغم من خضوعها لسيطرة حزب الله، وإبعاد الخطر الأمني، وتنمية الآمال بمستقبل أفضل.
رسائل إسرائيل التحذيرية ضد الدولة اللبنانية وبناها التحتية تزيد ربما من اعتبارات ضبط النفس الذاتي لدى حزب الله
من جهتها، تجد إسرائيل تجد صعوبة في تقديم سياسة ناجعة مقبولة من شركائها في الغرب، وفي طليعتهم فرنسا، وتحذيرات إسرائيل من حدوث تصعيد تُعتبر دعوة إلى الحرب من جانبها، وضغطها لوقف المساعدة الأميركية للجيش اللبناني حتى يتحرك ضد معامل الصواريخ الدقيقة لحزب الله نال تأييد البيت الأبيض، لكن رفضته المنظومة السياسية في الولايات المتحدة، من البنتاغون، مروراً بوزارة الخارجية، وصولاً إلى قبة الكابيتول. رسائل إسرائيل التحذيرية ضد الدولة اللبنانية وبناها التحتية تزيد ربما من اعتبارات ضبط النفس الذاتي لدى حزب الله، لكن لا يمكن الافتراض أنها ستفرض عليه كوابح مهمة أُخرى من جانب أطراف أُخرى لبنانية خاضعة لإرادته، ومن دون شك، لا يتقبّلها المجتمع الدولي بصورة جيدة.
إسرائيل تعمل منذ وقت من أجل التوصل إلى تسوية محدودة مع أكثر أعدائها حدّة، “حماس” في غزة. من الصواب أن تستغل هذه المرونة في النظرة إزاء حزب الله الذي تُعتبر أثمان الحرب معه عالية جداً
في الإطار المحدد لقوات اليونيفيل والقرار 1701، يتعين على إسرائيل إيجاد الإمكانات الإيجابية فيهما بطريقة واعية وتدريجية ومنهجية. يجب توجيه الجهود المتواصلة بصورة صحيحة نحو موعد تجديد التفويض السنوي في نهاية آب/أغسطس (2020)، وحتى ذلك الحين يجب العمل بالتوازي على عدد من المستويات، سواء على الأرض، أو على صعيد الهيئة العامة في الأمم المتحدة، أو لدى الدول الصديقة، من أجل الآتي:
- تعزيز آليات الاتصال والتنسيق، وفي طليعتها الاجتماعات الثلاثية بين اليونيفيل والجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني لمنع التصعيد؛
- تحسين مراقبة الواقع وتقارير الأمم المتحدة عن الواقع على الأرض بواسطة تحسين التوثيق البصري والجغرافي لأنشطتها؛
- تزويد الدوريات بكاميرات، لتوثيق الحوادث مع عناصر حزب الله وتقارير شاملة عنها، بما فيها التعرف على الوجوه ولوحات تسجيل كل السيارات التي تعبر؛
- التشديد على دور الحكومة اللبنانية في خروقات القرار 1701 وتفويض اليونيفيل؛
- مطالبة الحكومة اللبنانية بوقف إزعاجاتها لليونيفيل والتغطية على خروقات حزب الله؛
- المطالبة بالسماح لقوات اليونيفيل بالدخول إلى كل مواقع الأنفاق وإلى أي موقع مهم آخر…
- يجدر بإسرائيل التمييز بين أجزاء الجيش اللبناني التي تتعاون مع حزب الله ويمكن اعتبارها مساعِدة للإرهاب، وبين أجزاء تشكل مكوناً مهماً في استقرار لبنان.
- من الصواب السعي لتصنيف منظمة “أخضر بلا حدود” كمنظمة إرهابية، وفرض عقوبات دولية عليها.
في نظرة أوسع، الواقع الحالي يشمل تهديدات وفرص بالنسبة إلى إسرائيل. في ضوء القابلية لحدوث انفجار، من الصواب التشديد بصورة أساسية على منع تصعيد يؤدي إلى حرب. في ضوء تهديد الصواريخ الدقيقة، يتعين على إسرائيل الاستمرار في إحباطه في كل أنحاء المنطقة، بما فيها لبنان، ضمن إطار المعركة بين الحروب، وبذل جهد كبير للمحافظة على بقائها تحت عتبة التصعيد. يجب على إسرائيل العمل على تحريك تحديث السياسة إزاء لبنان لدى شركائها في الغرب بما ينسجم مع التطورات في العقد الماضي.
الأزمة الاقتصادية – السياسية في لبنان تزيد ارتباطه بمساعدة من الخارج، يمكن اشتراطها بحدوث تقدم فعلي، ليس فقط في مجالات طُرحت على جدول الأعمال الدولي (إصلاحات، فساد، حكم، واستقرار سياسي – اقتصادي)، بل أيضاً في مجال الأمن الحيوي بالنسبة إلى إسرائيل. الأزمة الحالية تزيد أيضاً استعداد لبنان للتوصل إلى اتفاق محتمل في مجال الغاز في البحر المتوسط، والذي يمكن أن يُستخدم كخطوة أولى نحو تسوية اقتصادية – سياسية متدرجة.
إسرائيل تعمل منذ وقت من أجل التوصل إلى تسوية محدودة مع أكثر أعدائها حدّة، “حماس” في غزة. من الصواب أن تستغل هذه المرونة في النظرة إزاء حزب الله الذي تُعتبر أثمان الحرب معه عالية جداً”.
نقلاً عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”: https://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view