تحليل السياسات

توتّر عسكري وأمني سيقلب معادلة لبنان؟

منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ولغاية إقدام إيران على قصف قاعدتين أميركيتين في العراق، تراجعت الأحداث المحلية في لبنان – حتى تلك المتعلّقة بالتأليف الحكومي – لمصلحة المشهد الإقليمي، وبدت تفاصيل ثانوية في المشهد العام. صحيح أن خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عقب اغتيال سليماني نحا إلى تحييد لبنان من المواجهة، عندما تجنب ذكر لبنان في استعراضه الجبهات المفتوحة في المنطقة مع أميركا وحلفائها الإقليميين، غير أن الردود المتبادلة على جبهتي النزاع الأميركي – الإيراني والخشية من توسعها إلى مواجهة شاملة شكلا عاملاً إضافياً لحالة الهلع التي يعيشها اللبنانيون منذ أشهر بسبب جملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، وحالة العجز والإفلاس التي تغرق فيها السلطة، وتعثر ولادة الحكومة. الساعات الأخيرة شهدت تحركاً على مسار الاستحقاق الحكومي الذي كانت كل مؤشراته تشير إلى «الخاتمة السعيدة» قبيل اغتيال سليماني. وفيما تجزم بعض القراءات بأن ترددات ما يحصل في الإقليم لا يمكن إلا أن تكون بالغة الأثر على الداخل اللبناني إلى حد القول إن الرد العسكري الإيراني حصل أمس. أما الرد السياسي في لبنان، فتتحدث آخر المعلومات عن إعادة طرح حكومة «لم الشمل» بمشاركة جميع القوى السياسية. أما ترجمة هذه التحليلات على أرض الواقع، فيمكن تلمسها من خلال الأخبار التي يتم ترويجها عن إعادة تعويم لصيغة الحكومة السياسية وترجيحها على التكنوسياسية التي كان يُعمل عليها. ولفت في هذا السياق إلى أن مجموعة من السياسيين والإعلاميين الدائرين في فلك حزب الله هم أبرز الداعين إلى هذه الصيغة، بذريعة أن المعطيات الجديدة تتطلب حكومة سياسية تكون على مستوى أحداث المنطقة والتي تتطلب إدارة سياسية. علماً بأن مقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري نقلوا عنه أنه «نصح بالتريث في عملية التشكيل بعد مقتل سليماني، لأن المرحلة تتطلب أشخاصاً سياسيين». وعلى ضوء الاحداث الإقليمية الملتهبة أي خيارات سياسية يمكن ان يلجأ اليها حزب الله؟ وبالتالي ما هي خياراته في الاستحقاق الحكومي، وهو صاحب الكلمة الفصل مع حلفائه في الحل والربط حكوميا؟ هل ينزع الى تشكيل حكومة مواجهة او بخلاف ذلك، يلجأ الى حكومة وحدة وطنية تشكل غطاء سياسيا له في هذه المرحلة؟

الكاتب السياسي منير الربيع يؤكد في حديث لـ القبس ان حزب الله، سياسيا، حريص على بقاء التركيبة اللبنانية على حالها لأنه يدرك ان أي توتر عسكري أو أمني وحتى سياسي سيؤدي إلى تغيير هذه المعادلة. ويعتبر الربيع ان حزب الله هو رأس السلطة وهو حريص عليها كما هي لذلك لن يلجأ الى أي تصعيد يؤدي الى حرب أو معركة. ويلفت الى ان من الأسباب الرئيسية لحرص حزب الله على الاستقرار هو أنه يستطيع الاستمرار بهذا الستاتيكو القائم من 2016 لغاية اليوم. وبالتالي فإن لبنان سيكون محيدا عن هذه الصراعات. اما حكوميا، فيجزم الربيع ان حزب الله لا يريد حكومة مواجهة، معللا ذلك بأن هذا النوع من الحكومات يصبح هدفا سهلا للمهاجمة وللانتقاد. في المقابل فإن أي حكومة تتشكل، حتى لو ضمت كل القوى التي تناهضه، يمكن لحزب الله الإمساك بمفاصلها والتحكم بها. ومن هنا حرص الحزب وحلفاؤه على تشكيل حكومة تضم كل القوى السياسية. اما في ما يتعلق بحكومة حسان دياب فالأرجح انه، في حال انتهت المواجهة الإيرانية الأميركية عند هذا الحد، سيمضي في تشكيل حكومة ويقدمها بصيغة اختصاصيين او تقنيين ولكنها فعليا ستكون حكومة سياسيين تخضع لسيطرة حزب الله. وحول ما اذا كانت التطمينات الرسمية بأن لبنان لن يكون ساحة مواجهة لا تزال سارية المفعول، قال الربيع ان كل الإشارات تقول ان لبنان لن يكون ساحة للمواجهة، مذكرا بأن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش التقى بالأمس رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل ناقلا اليهما رسالة من الإسرائيليين تقول انهم لا يريدون أي تصعيد في المنطقة ولا علاقة لهم باغتيال سليماني. وهذا الموقف يتطابق مع الموقفين الأوروبي والأميركي، بحسب الربيع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى