في اليومين الماضيين – تحديداً بعدَ خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله الأخير – وصل إلى مكوّنات 8 آذار موقف مُستجدّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل مفاده بأنهما “يُفضّلان – نتيجة ما حصل من تطورات خطيرة – الذهاب إلى تشكيل حكومة سياسية بامتياز قادرة على التصدّي للتداعيات التي لن يكون لبنان بمنأى عنها”. قوى 8 آذار رأت في الاقتراح “موقفاً ممتازاً”. رئيس الجمهورية “مستاء جداً من سقوف الرئيس المكلف حسان دياب، وقطع الأمل نهائياً من إمكانيه تأليفه للحكومة بسبب الشروط التي يضعها”. على وجه السرعة، عملت القوى الأساسية للتأكد من جدّية هذا الطرح، ودخل أحد الوسطاء على الخط، حيث أجرى اجتماعات بعيدة عن الإعلام بعون وباسيل اللذين طلبا منه التواصل مع حزب الله وحركة أمل للحصول على جواب نهائي بشأن هذا الموقف، وجرى الاتفاق مع الوسيط نفسه على أن “يلتقي مع الرئيس المُكلف في حال كان رد الثنائي إيجابياً”. بناءً عليه تواصل الوسيط مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كما قيادة الحزب فكان موقفهما مؤيداً بشدة لاقتراح رئيس الجمهورية. لكن الغريب أن عون وباسيل ما لبثا أن تراجعا عن الموقِف طالبين إلى الوسيط التريث وعدم مفاتحة الرئيس دياب بالموضوع، ما شكّل “صدمة” لدى حزب الله وحركة أمل، خاصة في ظل ورود معلومات تتحدث عن أن الاتصالات بين باسيل ودياب من جهة أخرى كانت في جانب أساسي منها لا تزال تركّز على حصة التيار الوطني الحرّ!
وفق “الاخبار” لا جواب واضحاً عند فريق 8 آذار حول الخلفية التي دفعت عون وباسيل إلى مثل هذه الخطوة، وهما يُدركان تماماً حساسية الظرف وحراجته بالنسبة إلى حزب الله تحديداً. لكنّ تفسيراً منطقياً يقول بأن “باسيل رُبما كانَ يسعى إلى إشاعة هذا الجو كي يُعطي إشارة إلى دياب بوجود مظلّة وتوافق سياسي حول الطرح، تدفعه إلى التراجع عن سقوفه”، ظناً بأن “الرئيس المُكلف سيخاف من تكتّل قوى 8 آذار خلف هذا الطرح للضغط عليه فيقطف باسيل ما يريده من أسماء وحقائب”. هذا الأمر لم تنفه مصادر في التيار الوطني الحرّ لكنها أوضحت بأن “الرئيس عون لا يزال على اقتراحه بتأليف حكومة سياسية، وأنه جاء نتيجة أجواء نقلت عن الرئيس بري استياءه من مقاربة دياب، وأنه – أي بري – في حال استمرت الأمور على هذا المنوال فلن يشارِك في الحكومة ولن يُعطيها الثقة”.
وفيما تتجه الأنظار إلى تبدّل في شروط حزب الله وحركة أمل بشأن الحكومة، أكدت مصادر مطلعة أن “لا شكّ في أنهما يُفضلان طبعاً حكومة بحضور سياسي بارز، كون المواجهة فُتحت على مستوى المنطقة ككل”. فـ”القصة مش مزحة، وهذه المنطقة يُعاد رسمها من جديد، ما يفرِض على الداخل اللبنانية مقاربة ملف الحكومة من زاوية جديدة”. مع ذلك، لا يريد أحد في 8 آذار “فتح مواجهة مع الرئيس عون حالياً في حال تراجع، وبمعنى آخر لن تٌفتح حرب لتشكيل حكومة سياسية في ما لم يكُن هناك توافق حولها”، علماً أن “تشكيل حكومة ببروفايل لا يستسيغه الأميركيون سيكون نوعاً من الرد السياسي، شبيه بدعوة الحكومة العراقية لخروج القوات الأجنبية من البلاد”. وكان بارزاً أمس تأكيد الرئيس برّي في لقاء الأربعاء، كما نُقل عنه، أن “المرحلة تستدعي حكومة لمّ شمل وطني جامعة وفق رؤية تتصدى للهواجس انطلاقاً من تقديم مصلحة لبنان”، وكأنها إشارة إلى تغيير سيطاول الملف الحكومي في الأيام المُقبلة!
هل يعتذر؟ في هذا الوقت، بقيت الاتصالات في شأن تشكيل الحكومة تراوح مكانها للبحث في سبل تطبيق المعايير التي يديرها ويصر عليها الرئيس المكلف دياب بأن تضم وزراء اختصاصيين مستقلين، قبل ان تدخل مفاوضات التأليف مرحلة إعادة “خلط الاوراق” ويعود البحث إلى حكومة من 24 وزيراً، وتكنو-سياسية، في ضوء إعلان الرئيس برّي ان “المرحلة تستدعي حكومة لم شمل جامعة”، وهو الموقف الذي أحدث ضجة في الاوساط السياسية، التي سارعت إلى التساؤل عمّا إذا كان ما أعلنه رئيس المجلس النيابي بمثابة نعي لتكليف الرئيس المكلف، وبالتالي هل ان إصرار الرئيس برّي على ما سبق ان أبلغه للرئيس دياب خلال مشاورات التأليف بضرورة التواصل مع الجميع بمن فيهم القوى السياسية التي لم تسمه، سيدفع بالرئيس المكلف إلى الاعتذار في نهاية المطاف، بعد ان يتأكد ان حكومة الاختصاصيين المستقلين لم تعد “عملة رائجة” في خضم الرياح التي تعصف في المنطقة، ما يستدعي “حكومة لم شمل جامعة” بحسب الرئيس برّي؟
ودعت هذه الاوساط عبر “اللواء” إلى استطلاع موقف ثنائي “أمل” و”حزب الله”، عمّا إذا كانا قررا العودة إلى حكومة مطعمة بوزراء سياسيين، وحكومة وحدة وطنية تضم كل الاطراف لمواجهة مرحلة الصراع الاميركي – الإيراني، وانعكاساته على المنطقة، ومنها لبنان.
وإذا كانت مصادر رجحت ان يتبلور موقف الرئيس المكلف غداً الجمعة، وفق المعلومات التي كانت سربت اعتزامه الاعتذار أو الاعتكاف، رغم النفي المتكرر منه، فإن مصادر سياسية مطلعة لم تستبعد ان تشكّل الإطلالة الثانية للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، عند الثانية والنصف من بعد ظهر يوم الاحد المقبل لمناسبة ذكرى أسبوع الجنرال قاسم سليماني، مناسبة للدخول في الشأن الحكومي اللبناني، خصوصاً بعد ان كثرت الاجتهادات والتحليلات حول أسباب عدم تطرقه إليه في احتفال التأبين الذي أقيم في الضاحية، وعما إذا كان هناك ربط للوضع اللبناني بتداعيات المواجهة الاميركية – الإيرانية في المنطقة.
وذكرت المصادر الرسمية ان المرحلة تتطلب التريث قليلا في تشكيل الحكومة لحين اتّضاح صورة الوضع الاقليمي، فيما قالت مصادراخرى، “ان الرئيس ميشال عون ينتظر الرئيس المكلف لإبلاغه تشكيلته الحكومية بعد الاخذ بملاحظاته التي ابلغه اياها في لقائهما امس الاول، لأن تشكيل الحكومة يتم دستوريا بالاتفاق بين الرئيسين”.
ويبدو من خلال ما يُقال عن معايير موحدة لتشكيل الحكومة، وما يجري في المنطقة من توتر، ستجري اعادة نظر بالوضع الحكومي، وثمة من يقترح “العودة الى تشكيل حكومة تكنو- سياسية لمجاراة المرحلة المتوترة اقليميا، لأن حكومة تكنوقراط لن تقلع في هذه الظروف”.
وعُلم في هذا السياق ان هناك اتصالات بعيدة عن الاضواء من اجل اعادة البحث في التركيبة الحكومية. ويبقى القرار عند الرئيس المكلف، الذي مازال مصرّاً على حكومة من 18 وزيراً من الاختصاصيين.