لم تمض 24 ساعة على نيل الحكومة الجديدة ثقة 63 نائباً يشكّلون أقل من نصف عدد أعضاء المجلس النيابي حتى حطّ رئيس الحكومة حسّان دياب في دار الفتوى التي امتنعت عن استقباله طيلة الفترة الماضية بعد تكليفه بتأليف الحكومة، وجاءت زيارة دياب الذي التقى مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان بعد أيام على زيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي تردّد أنه نصح المفتي باستقبال رئيس الحكومة. وبعد اللقاء لفت دياب إلى «ضرورة تضافر الجهود من اجل إنقاذ لبنان، في وقت اعتبر دريان «أن الرئيس دياب هو رئيس وزراء كل لبنان ونتمنى له التوفيق».
وإذا كانت جلسة الثقة في البرلمان تمحورت في قسم منها حول ما ستفعله الحكومة في استحقاق ملف اليوروبوندز في آذار المقبل لجهة تسديد سندات دين بقيمة مليار و200 مليون دولار أو عدم التسديد في ظل أزمة السيولة القاسية التي يعاني منها السوق النقدي، فإن البارز هو ما نقلته وكالة «رويترز» عن مصدر حكومي «أن لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتحقيق الاستقرار في ما يتعلق بأزمته المالية والاقتصادية، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام»، موضحاً «أن الطلب الرسمي للمساعدة الفنية سيُرسَل إلى صندوق النقد الدولي قريبًا». وقال المصدر «هناك تواصل مع صندوق النقد الدولي لكن لبنان سيرسل طلبًا رسميًا خلال الساعات المقبلة ليكون لديه فريق مخصص للتعامل مع المساعدة الفنية».
وكانت تباينت الآراء لدى السلطات السياسية والمالية والنقدية حيال تسديد الدين او عدم التسديد او التفاوض، حيث لكلِّ خيار ٍ تكلفته. ولوحظ أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يميل إلى وفاء لبنان بالتزاماته المالية، ويقترح القيام بعملية «سواب» لاستبدال سندات آذار بسندات يوروبوندز تستحق على المدى الطويل الامر الذي يتيح شراء مساحة وافرة من الوقت بكلفة غير كبيرة نسبياً.
زار دار الفتوى بعد ساعات على نيله الثقة وسيطلب من «النقد الدولي» مساعدة فنية
وأفيد أن الرئيس دياب اقتنع بوجهة نظر سلامة خصوصاً أن الاستبدال لن يؤثّر على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية المخصصة لتمويل السلع الأساسية، وبالتالي لن تكون هناك ردّة فعل شعبية تجاه تسديد الأموال للخارج».
وفي موقف داعم لوجهة نظر سلامة، دعت جمعية المصارف إلى «وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله»، ولفتت في بيان إلى «أن لبنان يواجه في الأسابيع المقبلة استحقاقات مالية داهمة، أهمها اتخاذ قرار بموضوع سندات اليوروبوندز التي تستحق في شهر آذار والتي تُثير جدلاً واسعاً حول وجوب أو عدم وجوب تسديدها من فرقاء عديدين على خلاف ما كان مُعلناً من الدولة في السابق أن الوفاء بالتزامات لبنان المالية هو سياسة دائمة وثابتة».
ورأت «أن التخلف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكِّل حدثاً جللاً تتوجّب مقاربته بكثيرٍ من الدقة والتحسّب، وأن المطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. ويتطلب إنجاز هذا الأمر وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية.
ومن الطبيعي أن الفترة المتبقّية حتى استحقاق الدين في آذار هي فترة قصيرة جداً لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءَة مع هذه القضية الوطنية الهامة .لذلك، فإن جمعية مصارف لبنان – حمايةً لمصالح المودعين ومحافظةً على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة وجُلها من الدائنين الخارجيّين – ترى وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءَات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله»، وختمت «أن التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة يشكِّل مؤشراً هاماً إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلاً».
في غضون ذلك، مازال حاكم مصرف لبنان عرضة لهجمة سياسية – إعلامية من قبل حلفاء حزب الله تهدف في ما تهدف إلى تغيير قناعة الرئيس دياب بوجهة نظر سلامة ودفعه إلى التراجع عن سداد الدين المستحق في آذار وهو ما ألمح اليه في ختام جلسة الثقة.
وحذّرت مصادر مصرفية في حديث إلى «القدس العربي» من تداعيات مثل هذا التوجّه، ومن ردة فعل حزب الله المستاء من سلامة بسبب احترامه العقوبات الدولية على الحزب وتطبيق الاصول القانونية بحذافيرها. وأكدت المصادر «أن سلامة هو من المسؤولين القلائل الذين يثق فيهم المجتمع الدولي بدليل ما قاله المنسّق الخاص للامم المتحدة في بيروت يان كوبيتش واعتباره أن سلامة هو الوحيد الذي يعمل في وقت تعاني فيه البلاد من انهيار اقتصادي». وسألت المصادر «هل يجوز أن تكون أولى خطوات الحكومة الجديدة عدم الوفاء بالتزامات مالية؟ وفي حال مشى رئيس الحكومة بالرأي المخالف لرأي سلامة، كيف لحكومته المدعومة من حزب الله واللواء جميل السيّد أن تقنع المجتمع الدولي والدول الخليجية بتوفير الدعم المالي للاقتصاد اللبناني؟ وهل يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتحرّك من دون أخذ موافقة الولايات المتحدة؟».
تزامناً، دعت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان حكومة الرئيس دياب «لاتّخاذ مجموعة من التدابير والإصلاحات الملموسة وذات المصداقية والشاملة بسرعة وبشكل حازم لوقف ومعاكسة الأزمات المتفاقمة، ولتلبية احتياجات ومطالب الشعب اللبناني». وأكدت «أهمية العمل من أجل استعادة ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي وتفعيل المساعدات الدولية المستقبلية للبنان». وجدّدت «تأكيد استعدادها لدعم لبنان في الوقت الذي يبذل فيه الجهود لاستعادة الاستقرار الاقتصادي ومصداقية القطاع المالي، ومراجعة ميزانية 2020 بشكل نقدي يضمن الاستدامة، وتنفيذ الإصلاحات القطاعية الرئيسية مثل قطاع الطاقة، وإصلاح المؤسسات التابعة للدولة لضمان الكفاءة «.
وشددت المجموعة على «أهمية تطبيق لبنان لقرارات مجلس الأمن الدولي 1701 (2006)، 1559 (2004)، والقرارات الأخرى ذات الصلة، كذلك اتفاق الطائف وإعلان بعبدا والتزاماته التي قطعها في مؤتمرات بروكسل، باريس وروما، مؤكدة دعمها القوي المستمر للبنان وشعبه، لاستقراره وأمنه وسلامة اراضيه وسيادته واستقلاله السياسي».