لا يحب الحكيم كثرة الكلام وفق تعبيره، بل يفضّل قراءة ومراقبة تطورات الأحداث، مواكباً تفاعل الحراك، ومؤكدًا أنّ «القوات» ما زالت في صلبه ولو انّها لا تهلّل بالامر، وأنّ «القوات» ما زالت الاشرس في فريق المواجهة ولو خبا وهج 14 آذار . إلاّ أنّ جعجع مرّر الى حلفائه في الجبهة المنتظرة أكثر من رسالة، منها انّ «القوات» ستكون في صلب المواجهة حين يتخذون قراراً ثابتاً في المواجهة الشرسة وليس المتردّدة. وللمتردّدين الخائفين الذين يتذرعون من انّ المعارضة لم تعد تمتلك عناصر قوة للمواجهة، سأل جعجع: «ماذا لو استقال «القوات» و«الاشتراكي» و«تيار المستقبل» من المجلس النيابي»؟ مطمئناً الجميع من انه لم يعد هناك نفوذ سوري في لبنان بل هناك بقايا «فاتحين على حسابن»، لأنّه حتى في سوريا لم يعد اللاعب سورياً. لافتاً الى أنّ «حزب الله» هو من أكثر المعارضين لوجودها في لبنان. جعجع أقرّ بأن الحكومة ملغومة بمستشارين لكنها برأيه تبقى حكومة اختصاصيين، فيما تنتظر «القوات» وتترقّب لمن ستكون الغلبة في النهاية للاختصاصيين ام للمستشارين …لتتحرّك.
لم يستضف الحكيم المجموعة الإعلامية لإبلاغها عن جبهة سياسية تتحضر للمواجهة بالطبع، بل بدا متماسكاً متوازناً وفي غاية الهدوء. لم يبد عليه التشاؤم والقلق من المستقبل كما كان في الجلسة الماضية، اي قبل الثورة بأسابيع. كما لم يفتح النار على الخصوم، بل فاوض وناور وطرح الحلول، ولم يرفع النبرة، بل مرّر الرسائل الى الحلفاء والخصوم، معتبرًا انّ مقدرات البلد ما زالت موجودة كذلك طاقاته البشرية، وهي نقاط قوته، فلا داعي للهلع. كما انّ اصول الدولة الاساسية ما زالت موجودة والمصادر الحيوية للبلاد لا تزال قائمة، كما قطاعاتها المنتجة، وهي بحاجة الى تفعيل من شركات دولية لإدارتها مثل الاتصالات، المرفأ، كازينو لبنان والميدل ايست، فيزيد إنتاجها. ولكن يبقى الأهم «قرار سياسي شجاع» وفق تعبير الحكيم.
لم يبدأ الحكيم بالسياسة بل بالأزمة المالية، عارضاً على الحكومة 5 خطوات إنقاذية، ومنتقداً بيانها الوزاري المطوّل، متمنياً لو استبدلته بثلاثة اسطر، كما انتقد إجراءاتها المؤلمة قبل صدورها بالقول: «قبل ما تاخدوا إجراءات مؤلمة على المواطنين اعملوا هذه الاجراءات عليكن».
استهزأ جعجع بنظرية الـ haircut معتبراً انّه امر غير مقبول، مذكّرًا بقول حاكم مصرف لبنان «لا تخافوا نحن نملك 50 مليار دولار مين قدنا ما حدنا بيهدنا».
خطة جعجع الحكومية
جعجع بدا منتظراً قرارات الحكومة، ولم يوجّه انتقاداً الى رئيسها، مستبعدًا ان يكون جميل السيد هو من اتى بدياب الى الرئاسة، «فنيص شو بدكن فيه، التركيبة صارت بقصر بعبدا». هكذا اختصر الحكيم القصة الحكومية، وان دياب سُمّي من رئيس الجامعة الاميركية مع بعض الإسماء، ولو نفت الجامعة الاميركية ذلك.
عرض جعجع على الحكومة الجديدة 5 خطوات إنقاذية، لا تحتاج وفق تعبيره الى مؤتمر دولي ولا الى استثمارات، بل الى جلسة حكومية جدّية، لأنّها في حال لم تبرهن عن هذه الجدّية في مقاربة المسائل المالية والاستراتيجية وباشرت الخطوات العملية، فإنّها لن تجد من يقبضها على محمل الجدّ او يساعدها في الداخل او الخارج. فطرح الآتي:
1 – إستبعاد موظفي الدولة «اللي ما عندن شغل»، وهم معروفون بالأسم، ولجنة المال ورئيسها شاهدان على الارقام والأسماء. مؤكّدًا انّ ايقاف 5800 موظف امر لا يستهان به وبمفاعيله المستقبلية على ميزانية الدولة، ومشدداً على انّه لا يتكلم عن إعادة انتشار في اداراتها بل عن الوضع في عين الشمس.
2 – إيقاف المعابر غير الشرعية.
3 – إيقاف الهدر والفساد في الجمارك الذي يكلّف ما يفوق الـ 500 مليون او المليار دولار سنوياً، متسائلاً: لماذا لا تبدّل الدولة ادارة الجمارك، وهي تعلم حجم الهدر والفساد فيها ؟
4 – تشكيل هيئة ناظمة لقطاع الاتصالات.
5 – تشكيل هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء.
يعتبر جعجع انّ الوقاحة في عرقلة تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء بلغت ذروتها، وانّ الامر لم يعد مقبولًا، بل انّ الافظع هو مسايرة هذه الوقاحة.
وأعلن أنّه سيراقب عمل الحكومة واداءها، ولن ينتظر طويلاً للانتقال الى المواجهة القوية الشرسة، اذا ما اتبّعت الخطوات التي طرحها والتي ستبرهن ما اذا كانت الحكومة تتحلّى بالجدية أم لا تمتلك ارادة سياسية شجاعة، فعبثاً يتعب البنّاؤون.
الملفت انّ جعجع لم ينتقد دور الاجهزة الامنية في ضبط المعابر او الجمارك، بل قال إنها ما زال أداؤها اكثر انضباطًا ولكن يلزمها ارادة سياسية.
«حزب الله» يتهرّب من المسؤولية
وفي ردّه على نصرالله قال جعجع: «لسنا نحن من يجب علينا مساعدة الحكومة بل عليها هي مساعدتنا ومساعدة شعبها، ولهذا السبب تشكلّت»، فيما قرأ جعجع خطاب نصرالله بأنّه بداية تهرّب من المسؤولية، وأنّ الحزب هو اكثر طرف قادراً اليوم على مساعدة الحكومة في عملية الإنقاذ.
وطالب جعجع «حزب الله» بتجميد حلفائه. كما طالبه بالانسحاب من كل مشاكل المنطقة، وبالمقابل بخطوة من قِبل الدولة لاستعادة مصداقيتها وقرارها الاستراتيجي الذي لا تملكه. ومتوجّهاً الى الحزب بالقول: «هكذا تساعد لبنان اذا أردت فعلاً الخروج من الأزمات وليس مطالبة المعارضة الإجتماع مع الموالاة وتأليف لجان لمساعدة الحكومة والتصفيق لها».
الانتفاضة
الإنتفاضة اصبحت برأي جعجع واقعاً، وهي الشعلة المضيئة الأهم برأيه، والأكثر أهمية تداعياتها الباقية في المستقبل. مؤكّداً، انّ التدهور المالي لم تسببه الانتفاضة بل سرّعت به. وهذه الانتفاضة قد تشكّل حزباً جديداً في المستقبل، انما من المؤكّد لن يكون هذا الحزب الجديد على حساب «القوات اللبنانية» او شبابها. فيما سيكون افضل من الأحزاب الحالية.
أين «القوات» وجبهة المعارضة ؟
هل اصبحت هذه الجبهة من الماضي؟ يجيب جعجع، أنّ «المستقبل» هو اليوم في المعارضة، فيما «يعتقد» انّ «الاشتراكي» ايضًا في المعارضة، وانّ «القوات» عازمة على التنسيق معهما، لأنّ التصور الاستراتيجي العام الذي يجمعه معهما لا يكفي، بل العبرة في التفاصيل، اي في العمل الحكومي وآدائه. وهذا كان خلافنا مع «المستقبل» في الحكومة السابقة. متوجّهًا الى الذين يقولون من انّ خلاف التيارين الأزرق والبرتقالي سيقرّب الحريري من جعجع بالردّ «لن يقرّبنا خلاف الحريري مع التيار الوطني بل سيقرّبنا من الحريري اتفاقنا على طريقة ادارة الدولة».
الانتخابات
يؤكّد جعجع انّه لن يُمهل الحكومة وقتاً طويلاً، وإلّا سوف يدعو الى انتخابات نيابية مبكرة اذا لم تتظهر خطواتها العملية ويتظهر عمل الاختصاصيين فيها وليس عمل المستشارين. والقوات تترقب لمن ستكون الغلبة والكلمة الفصل في هذه الحكومة، لتحدّد خطواتها المقبلة، والتي يؤكّد جعجع، انّ معارضة القوات كالعادة ستكون شرسة.
الحريري يعلم…
وبارك جعجع لسعد الحريري بوليد جنبلاط، بعدما خصّه بالتحية في مناسبة 14 شباط، قائلاً للاثنين معاً: «نحن اصدقاء بشكل دائم». إلّا انّه خصّ الحريري، الذي لم يتصل به يوم 14 شباط وفق ما كشف، كما لم يلاقه الى بيت الوسط «لأسباب اخرى» وفق تعبيره، بالقول: «الحريري يعلم انّ القوات هي الوحيدة التي يستطيع ان يلقي كتفه على كتفها».
اعجوبة!
لم ينسَ جعجع التذكير في نهاية اللقاء، انّ لبنان بلد العجائب، لافتاً الى انسحاب القوات السورية منه. فيما ذكّره بعض الحاضرين بعجائب اخرى: قدوم الجنرال الى معراب والمصالحة بينه وبين التيار وبين القوات والمردة. فيما لم يجب جعجع عن حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما «انخفضت حظوظ البعض»، وفق تعليق الحاضرين.
وفي تعليق اخير له على طلب إسقاط رئيس الجمهورية من قِبل البعض في الحراك، اجاب: «اذا استطعتم الكشف عمّا سيكون هناك ما بعد هذا العهد سأقول لكم موقفي من هذا المطلب».
الخط الاحمر
يعتبر جعجع، انّ الخط الاحمر في البلد هو القوى الامنية والجيش اللبناني، ولولاهما لما بقي بلد. اما عن الانتخابات، فاعتبر انّ من يطالب بتغيير القانون الحالي للانتخابات هو اكثر طرف لا يريد لهذه الانتخابات ان تحصل، لأنّه يعلم انّ طرح قانون انتخابي جديد امر مستحيل في هذه الظروف وليس اولوية، وسينتج خلاف كبير بين كل الأطرف، لأنّ لا إجماع على قانون واحد، وقال: «ليتذكّر من يطالب بتغيير القانون الحالي كيف امضينا آلاف الساعات ولم نفلح بالإجماع على قانون إلّا بأعجوبة»، كاشفاً عن انّ القوات متجّهة الى انتخابات نيابية مبكرة، ضامنة تزايد حصّتها، وانّ التيار الوطني الحر لن يكون في افضل حال لو حصلت تلك الانتخابات، فيما الحريري سيستعيد جمهوره في الانتخابات المقبلة، اذا ما أكمل كما بدأ في 14 شباط الحالي.
القوات والتيار
وعن العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر، كشف جعجع ان لا علاقات على المستوى السياسي بين الطرفين. فيما على مستوى القاعدة فهي جيدة. وعلّق مبتسماً: «من أراد أن يقرّب القوات من التيار فليفتح موضوع قانون انتخاب جديد».