أخبار محلية

صندوق النقد: تجاوز المأزق يتطلب إجراءات غير عادية وغير شعبية

صندوق النقد: تجاوز المأزق يتطلب إجراءات غير عادية وغير شعبية

نقل وفد صندوق النقد الدولي إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، أمس، في إطار المشورة التي طلبها لبنان، للخروج من أزمته المالية الخانقة، جملة تحذيرات، مشدداً على أن لبنان بات في وضع لا يحسده عليه أحد، ولا بد من التحرك العاجل لإنقاذ الوضع قبل الانهيار التام، بعدما أصبحت الخيارات أمام المسؤولين ضيقة للغاية.

وأشارت المعلومات لصحيفة “السياسة” الكويتية، إلى أن وفد صندوق النقد الدولي أجاب عن العديد من الأسئلة التي طرحت عليه من قبل المسؤولين اللبنانيين، عن كيفية معالجة أزمة البلد الحالية، وكان واضحاً في أن تجاوز المأزق يتطلب إجراءات غير عادية وغير شعبية، وهي التي كان يفترض أن تحصل قبل سنوات، باعتبار أن المعالجات المطلوبة، أشبه بعملية جراحية معقدة وصعبة في آن، تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين.

وتستمر زيارة الوفد حتى بعد غد الأحد، وفق ما أعلن المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس.

ويبلغ الدين العام في لبنان نحو 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

ويتزامن الانهيار الاقتصادي مع اقتراب استحقاق سندات اليوروبوندز بقيمة 1,2 مليار دولار، ما يثير جدلاً وسط انقسام حول ضرورة تسديده في موعده في التاسع من آذار المقبل أو التخلّف عنه.

 وكانت جمعية المصارف دعت بدورها إلى ضرورة تسديد السندات في موعدها حفاظاً على ثقة المستثمرين بلبنان.

وقال رئيسها سليم صفير الأربعاء بعد لقاء مع دياب “اذا كانت الحكومة متجهة الى جدولة الدين، فيجب (…) التفاوض مع حاملي سندات الدين وخاصة الصناديق الاستثمارية في الخارج الذين أظهروا حتى الآن جهوزية للتفاوض”.

ويحذر محللون من أن تسديد المستحقات في موعدها سيفاقم الأزمة المالية ويُضعف احتياطي العملات الأجنبية.

وتملك المصارف اللبنانية 50 في المئة من سندات اليوروبوندز مقابل 11 في المئة لمصرف لبنان و39 في المئة لمستثمرين أجانب، وفق تقرير في تشرين الثاني لـ”بنك أوف أميركا ميريل لينش”. إلا أن هذه النسب قد تكون تغيّرت وسط تقارير عن بيع مصارف محلية مؤخراً جزءاً من السندات لمستثمرين أجانب.

وكشف مصدر مصرفي ان الجمعية عرضت مع الرئيس ميشال عون موضوع اليوروبوندز، وسمع الوفد ان الوضع سيحسم، ولا يُمكن ان يستمر على هذا النحو.

لكن اوساطاً مراقبة قالت ان الخيارات بين المسؤولين، ما تزال تتوزع بين الترهيب والضياع.

واستناداً إلى المعلومات المتوافرة لـ “اللواء” فإن وفد صندوق النقد الذي وصل ليل أمس الأوّل إلى بيروت، وبعدما استمع إلى وجهة النظر اللبنانية، من رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء المعنيين بالملف المالي، حيال ما يتعلق باستحقاق “اليوروبوند”، كان واضحاً في التحذير من خطورة الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان، بتأكيده أن الخيارات ضيقة للغاية أمام المسؤولين، وبالتالي فإن فرص الانقاذ تبدو محدودة إذا لم تبادر الحكومة إلى السير بخطوات جراحية عاجلة، لإنقاذ ما يمكن انقاذه، بعدما تلكأت السلطات السياسية والنقدية كثيراً بما هو مطلوب منها منذ سنوات، لوضع البلد على سكة المعالجات الصحيحة. معتبراً ان التخبط السياسي وتفشي الفساد وغياب الاصلاحات، عوامل ساعدت بقوة على تردي الوضع الاقتصادي الذي بات يحتاج إلى إجراءات سريعة لوقف النزيف الذي  ينذر بالأسوأ.

وتشير المعلومات، إلى أنه كان واضحاً من خلال ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من وفد “النقد الدولي” الذي سيواصل لقاءاته في الأيام المقبلة، أن الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية، في حال قررت مساعدة لبنان، فإنها لن تقدم أي مساعدة قبل أن تلمس بأن السلطة اللبنانية قامت بما يتوجب عليها من إصلاحات، لإخراج البلد من أزمته المستعصية. بمعنى أوضح أنه ما عاد بمقدور لبنان “التذاكي” على المجتمع الدولي، والطلب إليه الحصول على المساعدات، قبل المبادرة إلى القيام بالاصلاحات الضرورية للانقاذ، مشيرة إلى أن الوفد الذي قدم رؤيته لخارطة الطريق التي يتوجب على لبنان اتباعها للخروج من النفق، بانتظار أن يقرر لبنان الاستعانة بخبرات الصندوق، للخروج من هذه الأزمة التي تتهدده بمخاطر جسيمة على مختلف المستويات.

وفيما لم يرد في الاجتماع أي حديث عن مسألة بيع السندات من قبل مجموعة من المصارف، خشية من انهيار أسعارها، حضر موضوع الحلول الممكنة لاستحقاق “اليوروبوند” امام لجنة المال والموازنة، التي اجتمعت مساء أمس في مبنى المجلس النيابي برئاسة النائب إبراهيم كنعان، في حضور الوزير وزني والدكتور صفير وحمود فيما غاب الحاكم سلامة لانشغاله باجتماع مع وفد صندوق النقد.

وأشارت مصادر المجتمعين إلى ان وفد الصندوق أبلغ المسؤولين اللبنانيين ان قرارهم في شأن الخيارات المطروحة للاستحقاق بين الدفع وعدم الدفع وهيكلة الدين العام، أمر يعود إليهم وحدهم، وقال لهم صراحة: “انتم تقررون ماذا ستفضلون”، فيما أكّد النائب كنعان ان وضع الودائع لدى المصارف في العام 2020 غير العام 2019 لكنه ليس سيئاً، مشيرا إلى ان موضوع إعادة هيكلة الدين العام، (والذي يؤيده الرئيس نبيه بري)، مطروح، وسط طمأنة من مصرف لبنان إلى ان حجم الودائع في المصارف في حدود 170 مليار دولار، واحتياط مصرف لبنان يقارب 30 مليار، وأفادت المعلومات ان الدولة لم تتخذ بعد القرار النهائي، ولكن مهلة التفاوض تنتهي اليوم، أي قبل 21 يوماً من موعد دفع الاستحقاق.

ولفت كنعان إلى ان الخيارات أصبحت معروفة، وان موضوع هيكلة الدين مطروح والمطلوب ان يُنجز بأفضل طريقة واسرع وقت ممكن، مؤكداً ان أرقام الاستحقاقات ليست مخفية، وان مجمل الدين هو بحدود 30 مليار دولار مقسم بين المصارف وصناديق الاستثمار.

دياب: وأشارت “الاخبار” إلى أن وفد صندوق النقد الدولي التقى صباح أمس رئيس الحكومة حسان دياب، بحضور “لجنة الإنقاذ”. بحسب مصادر مطلعة، كانت خلاصة الاجتماع على النحو الآتي: بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي، فإن المساعدة التقنية تعني أن على لبنان أن يعدّ خطّة إنقاذية يعلّق عليها الصندوق بعد قيامه بدراسة تقنية للخيارات المطروحة، استناداً إلى المعادلات والأرقام المالية الحقيقية. والخطّة التي أعدّت مسوّدتها تتضمن مجموعة محاور: الدين العام واستدامته، عجز المالية العامة (الإيرادات والنفقات)، النمو الحقيقي في السنوات المقبلة، الكهرباء، السياسات النقدية بعنوان أساسي يتعلق بتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، القطاع المصرفي وأزماته واقتراحات المعالجة.

وتشير المصادر إلى أن كل محور من المحاور سيحلّله وفد الصندوق، استناداً إلى المعادلات التقنية المعتمدة من قبل الصندوق، سواء في تحليل استدامة الدين والمستويات التي تعدّ مقبولة بالنسبة إلى الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي، أي نسبة الدين إلى الناتج، ونسبة الدين إلى الإيرادات المتوقعة. كذلك سيتم احتساب الإيرادات بناءً على نسب النموّ المقدرة لهذه السنة والسنوات المقبلة، ولنسب التحصيل الضريبي في ظل الأزمة الراهنة، فضلاً عن أن نسب النموّ متصلة بمخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية… ثمة الكثير مما يجب أخذه في الاعتبار من أجل احتساب كلفة كل خيار تطرحه الحكومة اللبنانية في إطار خطّتها الإنقاذية، وتداعياته على مختلف الأطراف.

إذاً، الصندوق لن يضع خطّة، على الأقل علناً. ربما قد يكون هناك إخراج مماثل لما حصل أثناء التحضيرات لمؤتمر باريس 4 أو ما سمّي بـ”سيدر”. يومها، رسم الصندوق خطّة إصلاحية تبنّتها الحكومة اللبنانية على أساس أنها خطّتها التي نالت موافقة صندوق النقد الدولي. قد تتكرّر هذه التجربة مجدداً بين الصندوق ولبنان. إلا أن مجرّد وجود صندوق النقد يثير قلقاً واسعاً حول قدرته على إعادة رسم مسارات أي خطّة إنقاذية أو إبقاء مساعدته في حدود الأمور التقنية. فهل ستكون الحكومة أضعف من أن ترفض خطوات قد يطرحها الصندوق أو توافق عليها من دون نقاش؟ فمن الأمور الأساسية التي ستكون مطروحة، انطلاقاً مما قاله الصندوق في تقارير سابقة، هو القطاع العام. كيف ستتعامل الحكومة مع مطلب الصندوق تقليص القطاع العام وإعادة هيكلة نظام التقاعد فيه؟ كيف ستتعامل الحكومة مع مسألة تحرير سعر صرف الليرة وأثرها على القدرة الشرائية، المتدهورة أصلاً؟ كيف ستتعامل الحكومة مع موضوع الخصخصة؟ تقول المصادر إن مسألة الخصخصة مطروحة بقوّة هذه الفترة، وخصوصاً من المصرفيين الذين يعتقدون بأن تجميع بعض أصول الدولة مثل ميدل إيست والخلوي وإنترا في صندوق سيادي يخصّص جزء من أسهمه لإعادة هيكلة القطاع المصرفي «المفلس»! هذا الطرح قدّمه أكثر من طرف، من بينهم وزير الاقتصاد السابق المصرفي رائد خوري، ومصرف «كريدي سويس». آخرون يعتقدون بأن رسملة المصارف مهمة من أجل تمكينها من سداد أموال المودعين. وبحجّة أموال المودعين، يريد المصرفيون أن يسيطروا على مقدرات لبنان. ما لم يحصلوا عليه في أيام الرفاه، سيحصلون عليه أيام الإفلاس!

على أي حال، إن تجربة صندوق النقد الدولي في الكثير من الدول كانت غير مشجعة على الإطلاق. لم يخلّف الصندوق وراءه إلا كوارث اجتماعية: المزيد من الفقر، الخصخصة، البطالة، انقطاع السلع الغذائية الأساسية… هذه المخاطر ستكون جاثمة فوق لبنان طالما صندوق النقد جالس في أحضان المسؤولين، وطالما أن المصارف لديها النفوذ بمساندة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على تعطيل خطّة اجتماعية أولاً واقتصادية ثانياً. ففي تقاريره السابقة عن لبنان، حين قام الصندوق بتحليل عن استدامة الدين، خلص إلى ما سماه «الإصلاحات» الآتية: إعادة هيكلة القطاع العام ونظام التقاعد، زيادة الـ TVA وإلغاء الإعفاءات منها، فرض ضريبة على صفيحة البنزين، زيادة الضرائب على الأملاك المبنية، إلغاء دعم الكهرباء، وخصخصة قطاعَي الكهرباء والاتصالات. والصندوق لمّح أكثر من مرّة إلى تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

تقرير البعثة الرابعة الأخير الذي نشر قبل بضعة اشهر، يشير إلى أن قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار متضخّمة بنحو 60%، أي أن سعر الصرف الفعلي يزيد على 3000 ليرة مقابل الدولار. كذلك اقترح بضعة سيناريوات لزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% إلى 15% أو 20%، وإلغاء معظم الإعفاءات الممنوحة لعدد كبير من السلع الأساسية والغذائية. واقترح أيضاً فرض ضريبة على صفيحة البنزين بقيمة 5000 ليرة وإلغاء دعم الكهرباء، أي زيادة التعرفة، فضلاً عن إعادة النظر في هيكلية الرواتب في القطاع العام وفي نظام التقاعد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى