جَمْعَة سريّة بين ثلاثة رجال، وحدها كفيلة بإخراج لبنان من كلّ “الشّربوكة” التي دخل فيها منذ أشهر، والتي لا خروج منها إلا بأثمان كبيرة، تبقى أسهل من الإنهيار الكامل.
الجَمْعَة هذه، هي عبارة عن اجتماعَيْن، يتوجّب عقدهما في شكل منفصل. ورجل واحد من الرّجال الثلاثة الذين يمتلكون الحلّ، هو مشترَك بين الإثنَيْن الآخرَيْن.
الرّجال الثلاثة هم رئيس الجمهورية ميشال عون، والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وأمين عام “حزب الله” السيّد حسن نصرالله. وما على الرئيس عون إلا أن يكون مُستمعاً في بكركي، ومتكلّماً في حارة حريك، حباً باللّبنانيّين، وبما تبقّى من لبنان.
حياة…
غبطة البطريرك الراعي، أو نيافة الكاردينال، تتعدّد الألقاب والتسميات، ولكن لا بدّ من كلمة نوجّهها إليكم، على مشارف الصّوم المقدّس. فالصّوم ليس فقط دعوة الى التقشّف عن الطعام والشراب واللّباس… ولا هو أدبيات كلامية أو سلوكية “خشبيّة” جافّة وجامدة، تتكرّر سنوياً بلا روح. فالصّوم هو نَفَسٌ وحياة قبل كلّ شيء، وذلك من خلال الموت عن الفانيات واكتساب الأزليات، التي تبقى بعد انقضاء الدّهر، وتُبقي معها من يحملها، وتمنع عنه الفناء مع الفانين، المتمسّكين بما يزول، في اليوم الأخير.
وبما أن لا مجال لنا للتوسّع لاهوتياً في تلك الأسطر، نطلب منكم أن حبّذا لو تعمّمون أنتم، وكلّ بطاركة الشرق، على القيّمين عن المؤسّسات الإجتماعية والتربوية والصحيّة و… التابعة لمذاهبكم، من مكرَّسين وعلمانيّين على حدّ سواء، أن ما يمرّ به لبنان من صعوبات مالية واقتصادية، يشكّل في أحد أوجهه فرصة ليعيشوا البشارة، وليُظهروا الوجه الحقيقي للمسيح، وليُساعدوا المحتاجين الصّادقين، وليس لينغمسوا في البشريات أو في حبّ المال، وهو ما يوجد بالفعل في كثير من مؤسّساتكم، بكلّ أسف!!!
عن التاريخ…
غبطة البطريرك الراعي، أو نيافة الكاردينال، ننتقل الى الأوسع، أي الى ما يمرّ به لبنان، وهو يشكّل المرحلة الأخطر على الإطلاق، في تاريخه. وهو ما يعني أن الصّوم عن التاريخ والأعراف، يكون مُلزِماً في بعض الأحيان، عندما تبرز الحاجة الى الخروج الكلّي من الذّات، والنّزول الى الطُّرُق والساحات، والى ما بين القطيع المريض، حتى ولو كان ذلك سيؤول الى التشبُّع من روائح المرض والجوع والحزن، الكريهة.
الصّوم عن التاريخ وخبراته، وعمّا كان صحيحاً أو مفيداً في هذه المرحلة التاريخية أو تلك، بات مُلزِماً، وهو ما يعني نيافة الكاردينال، ضرورة دعوتكم الرئيس عون الى اجتماع في بكركي، تطلبون فيه منه إجراء إعادة قراءة، أو “فحص ضمير”، بصوت مرتفع أمامكم، على غرار من يُمارس سرّ الإعتراف، يطال كلّ الملابسات التي أدّت الى ما نحن فيه اليوم من بؤس إقتصادي ومالي.
“بشاعة”؟
هذه الحالة قد تتطلّب من جانبكم غبطة البطريرك، الإستفسار من فخامة الرّئيس عن تفاصيل كثيرة، والحصول منه على أجوبة واضحة حول “البشاعة” التي دخلت الى عهده، منذ ما بعد آذار عام 2017، تحديداً.
وأيضاً. قد يكون مفيداً غبطة البطريرك أن تُسمِعوا فخامة الرّئيس ضرورة إسماع حليفه الأساسي في السّلطة، والذي “زعّل” الجميع من أجله، أي “حزب الله”، أن الحالة وصلت الى ما يجب أن يُقال في شأنه، Stop، شديدة اللّهجة!
قد يكون مفيداً نيافة الكاردينال، أن تطلبوا من الرئيس عون أن يقول “كفى” لحليفه “حزب الله”، لأن الأمور لن تستقيم مستقبلاً إلا بهذه الطريقة. هذا لن يمسّ العنصر “المبدئي” الموجود في شخص رئيس الجمهورية، ولكن لا بدّ من كلام سياسي يُمكنه أن يؤمّن الإنقاذ الإقتصادي والمالي فعلياً، لأن الطائرة تنزل، ولكنها لن تحطّ بسلام، بل يبدو أنها ستصطدم بالمدرّج وستنفجر، مخلّفة الكثير من القتلى والجرحى والمشوّهين!!!
لن تتمكّنوا!
قد يكون مفيداً نيافة الكاردينال أن تُسمِعوا فخامة الرّئيس، أنه عندما يبدأ الفقراء بدقّ أبواب بكركي نفسها، إذا تأخّر أكثر في قول الـ “لا” لحليفه “حزب الله”، فإنكم (نيافة الكاردينال) لن تتمكّنوا من التمسُّك به، ولا من تعويمه، للبقاء على رأس السلطة الأولى.
فلا سيادة في الأرض وما تحتها، وفي السماء، وفي العالم المنظور وغير المنظور، إلا سيادة الرب، وأنتم تُدركون تلك الحقيقة جيّداً غبطة البطريرك. كما تعرفون أن كلّ الرّئاسات الأرضيّة، الدينية والسياسية، هي من عند الرب، لأنّها بسماحٍ إلهي، حتى ولو كانت ترافقها بعض الحسابات والإتّفاقات الأرضية. وبالتالي، ما أُخِذَ من عند الرب لا بدّ من إعادته له سليماً معافًى.
فالرئاسات، وكلّ شيء، ما هي إلا ودائع، غير مصرفية في مصارف الزّمن وفوائدها الفانية، بل ودائع نحفظها في مصارف ضميرنا الحيّ، الى يوم عودة ربنا يسوع المسيح الى الأرض، لأنّه مزمع أن يسألنا عنها.
تفاحة؟
ومع هذه الحقيقة، قد يكون مفيداً غبطة البطريرك إسماع فخامة الرئيس أنه سيكون لبكركي كلاماً آخر، إن لم يتمّ الإسراع في إصلاح القرار السياسي للدولة اللبنانية، عاجلاً، لأن عدم حصول ذلك سيجعل الحصول على تفاحة واحدة، مُسبّباً لوقوع قتلى وجرحى، مستقبلاً!
غبطة البطريرك، أنتم تدركون جيّداً أن الرب لا يسكن في رئاسات بشرية، ولا في بلدان محدّدة، ولا تهمّه الطّقوس والإحتفالات البشرية. كما تعلمون أن بين إقامة الصّلاة شفهياً وبين تحويلها الى ملموس سلوكي، يفضّل (الرب) الحلّ الثاني بكلّ تأكيد.
تحت الضّغط…
وتعرفون أيضاً غبطة البطريرك أن الرب لا تهمّه الرابطة هذه، أو المجلس هذا، أو المجلس الأعلى ذاك، أو…، وهي كلّها ترتيبات زمنية لها علاقة بأمور تنظيمية وسياسية لا تمتّ الى النّعمة المقدّسة بصِلَة، لا سيّما أن كلّ تلك التنظيمات لم تحمل يوماً أي حلّ للنّفوس العطشى للمساعدة الزمنيّة والروحيّة، وما هي إلا “تجميعات” لأشخاص يجتمعون على أهداف سياسية معيّنة.
هذا كلّه غبطة البطريرك يتطلّب أن تجلسون أنتم وفخامة الرئيس، Tête à tête، ولا ثالث بينكما من بعض “مبيّضي الطناجر”، لتقولوا له أن يقول لحليفه “حزب الله”، كفى، قبل أن تجدوا أنفسكم مضطّرين لتقولوا كفى لـ “العهد”، تحت ضغط شارعكم بالذّات!!!…
فراق؟
نكتفي بهذا القدر نيافة الكاردينال، لننتقل الى فخامة الرئيس عون. هنا، وفي عزّ “العصف الذّهني” المحلي، والمحلّي – الدولي الحاصل حالياً، للخروج من الأزمة المالية – الإقتصادية، نجد أنه لا بدّ من جلسة ثنائية مشتركة بينكم فخامة الرئيس، وبين أمين عام “حزب الله”، تؤكّدون له فيها أنه ما عاد بالإمكان الإستمرار على هذا المنوال أكثر.
لا بدّ لكم فخامة الرئيس، من أن تقولوا له إن وقت “الفراق الاستراتيجي” حان، وإن ذلك لا يعني خيانة، ولا عدم الثبات في العهود والوعود، بل إن في لعبة الإختيار بين بلد ومصير شعب من جهة، وبين صورة تحالف شخصي من جهة أخرى، فإنه لا بدّ من اختيار الأوّل، كضرورة ملحّة.
ليس كذلك…
أنتم وحدكم فخامة الرّئيس يُمكنكم أن تُسمِعوا حليفكم، أن لبنان ليس مُمانِعاً، وأنه لم يَكُن كذلك يوماً، ولن يكون، ولا يُمكنه أن يكون كذلك.
أنتم وحدكم فخامة الرئيس يُمكنكم أن تُقنعوا حليفكم بأن تحييد الساحة اللّبنانية عن الصّراع الإقليمي، هو وحده ما يُمكنه أن يمكّنه من الإفلات من أنياب الشّروط المالية المتوحّشة، التي ستوحّد اللّبنانيين رغم تفسّخاتهم، على شيء واحد، وهو الفقر.
“بيّ الكلّ”
هذه الجلسة، يُمكنها أن تكون وجدانية، فخامة الرئيس، ويُمكنها أن تكون واقعيّة أكثر، ولكن لا أحد في لبنان يُمكنه أن يُسمِع “حزب الله” هذا الكلام، وما يفوقه، إلا أنتم وحدكم.
هذه الجلسة، فخامة الرئيس، حتى ولو لم تخرج بالقبول الإيجابي، إلا أنها تشكّل بالنّسبة إليك ما يُمكنك أن تتسلّح به في ما بعد، لتقول إنّي بلّغت، وإني “بيّ الكلّ” بالفعل، وإنه عندما كان لبعض أبنائي بعض الحقوق لدى إخوتهم، أنا قمتُ بحلّ المشكلة، ولم أتركها تصل الى حدّ القطيعة في ما بينهم!!!