توقفت التشكيلات القضائية المرتقبة لما يقارب 120 قاضياً عند عتبة التجاذبات السياسية والتدخلات التي تعصف بمجلس القضاء الأعلى. بعدما كان رهان البعض في هذه المرحلة، إثر “ثورة” 17 تشرين الأول الماضي، على دور كبير للقضاء في تكريس الإستقلالية القضائية في النفوس قبل النصوص. ولكن تجربة التشكيلات القضائية هذه ترسم واقعاً غير ناصع، عن مدى ارتباط بعض القضاة الرفيعين بالمنظومة السياسية ورهانهم عليها وعدم قدرتهم على التحرّر منها.
وفي حين يستنجد بعض القضاة بالسياسيين، نجد أن بعضهم الآخر يستعين بالثورة، في ظل الكلام عن تنامي نفوذ “نادي القضاة” في التأثير على مسار هذه التشكيلات، الأمر الذي يرسم علامات استفهام حول أسباب استجلاب هذه التدخلات.
وفي حين كان من المتوقّع أن تصدر التشكيلات القضائية سريعاً، لا سيما بعد الإعلان عن الإتفاق على أن تكون الكفاءة، والإنتاجية ونظافة الكف هي المعايير الأساسية المعتمدة، إلا أن الصراعات السياسية أثبتت أنها الأقوى، وطالما لم يتحرّر القضاة منها، فعلى التشكيلات السلام.
يُضاف إلى ما تقدم، العامل الشخصي والصراعات الخفية داخل الجسم القضائي، كالنار المشتعلة تحت رمادِ علاقة مدعي عام التمييز ومدعي عام جبل لبنان، حتى باتت المعادلة “يا منبقى سوا يا منفلّ سوا”.
و “كِمل النِقل بالزعرور” مع تصريح وزيرة العدل، التي ألزمت نفسها بالتوقيع على أي صيغة تشكيلات ترِدها، مع ما يرافق ذلك من خطورة في ظل الصراعات السياسية وتأثيرها على تزكية أسماء قضاة واستبعاد أخرى.
ويبقى السؤال المطروح، لماذا لا يُطبّق مجلس القضاء النقطة الثالثة من الفقرة “باء” من المادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي؟ أي لماذا لا تَصدر التشكيلات القضائية بأكثرية سبعة من أعضائه، وتصبح نهائية وملزمة، طالما أن أياً من أعضائه غير مرتهن لأيٍ فريق سياسي؟
لكن حتى تاريخه تبقى السطوة السياسية مهيمنة على آلية التشكيلات، فهل سيهزم “سهيل عبود” ومجلسه “علي بابا” ومنظومته الفاسدة؟ أم سيبقى أمراء الحرب، أسياد إنصاف ناقص وعدل ضائع بين العهد والثورة!