ماذا يريد بوتين الآن
حاليا، يسعى بوتين الى تطبيق استراتيجية دقيقة جدا في الشمال السوري. هو لا يريد خسارة تركيا، ولكنه لم يستسغ مراوغات أردوغان ولا يستطيع خسارة الجيش السوري للمعركة. لكنه بالمقابل لا يريد أن يشعر الطرف الآخر من دمشق الى طهران الى حزب الله، بأن ثمة فرصة لإخراج المُحتل التركي بالقوة. وهذا في الحساب الروسي، يُحسب بميزان الذهب في هذه الأوقات العالمية والإقليمية الحرجة. لا بد إذا من توازن عسكري يدفع صوب التفاوض لاحقا.
بين أنقرة وموسكو مصالح هائلة تركيا هي خامس زبون اقتصادي لروسيا، وموسكو هي المصدّر الاول لتركيا التي تستورد منها معظم الغاز. كما أن تركيا تُشكل الممر البديل لهذا الغاز نحو أوروبا بعد فقدان موسكو للممر الاوكراني. الانبوب العتيد سيضمن مرور اكثر من ١٤ مليار متر مكعب بعد الانتهاء منه في العام ٢٠٢٢ . كذلك فان تركيا تُشكل المقصد الأول للسياح الروس بنحو ٦ ملايين سائح سنويا، ناهيك عن آلاف الشركات العاملة بين البلدين، وعن المساهمة النووية والعسكرية الروسية في تركيا.
قاربت المبادلات التجارية بينهما ٣٠ مليار دولار لكن الميزان التجاري يميل لصالح روسيا. ثم هناك البعد الإسلامي التركي في دول الجوار الروسي. فتركيا هي الشريك التجاري الأول لتركمانستان ( نحو ٨٠٠ مليون دولار في العام ٢٠١٩) قبل الصين وروسيا، وشريكة لكازاخستان ( أكثر من ١٨٠٠ شركة بتمويل تركيا ) ولاوزباكستان ومعظم دول آسيا الوسطى. فمنذ العام ٢٠١١ انعقد ما يسمي ب “Turkic Business Council” الذي يجمع الدول الناطقة بالتركية ليكون مرتكز التأثير التركي الكبير في آسيا الوسطى أي في دول كانت تدور بمعظمها في الفلك السوفياتي، ما يعني أن أي توتر كبير بين موسكو وانقرة سيؤثر بشكل سلبي كبير على الجار الروسي.
ولو أضفنا الى ذلك الممرات البحرية التي تحتاجها روسيا للعبور صوب البحر الأبيض المتوسط، لا بل وأيضا الى قواعدها في سورية، ولو أضفنا اليها أيضا مساعي بوتين لإحداث توازن حقيقي مع الغرب في تركيا او على الأقل لزعزعة الثقة بين انقرة والاطلسي، يتبين لنا أن الرجل ليس بوارد التضحية بكل ذلك من أجل إدلب في الوقت الراهن.
مع ذلك فأن سورية، تبقى بالنسبة لسيد الكرملين مركزية في استراتيجيته العالمية والإقليمية الكبرى. بدونها سيفقد مرتكزه الأبرز في الشرق الأوسط وعلى ضفاف المتوسط، لا بل سيهتز دوره على الساحة الدولية.