اللاعب المركزي في إعادة هيكلة الديون السيادية هو ، بطبيعة الحال ، المدين. كما أن في حال كان المدين هو دولة، مثل حال لبنان الآن، فوضع الدول في هذه الظروف هي فريدة من نوعها في عدة طرق. ونذكر منها ما يلي لتوضيح بعض الجوانب من حقوق وواجبات:
١. أولاً ، يكون المدين السيادي بشكل فريد بمنأى عن بعض الإجراءات القانونية من جانب الدائن. على عكس المدين من الشركات أو الأفراد ، لا يوجد قانون إفلاس يمكن أن يستخدمه أحد السياديين لإعادة هيكلة ديونه تحت إشراف (وحماية) المحكمة.
٢. لا يمكن أبدًا سداد دين السيادة قانونًا في حالة الإفلاس ؛ لا يمكن الحصول على تخفيف الديون إلا بموافقة الدائنين. على الرغم من الجهود التي يبذلها بعض أعضاء المجتمع الدولي للترويج لمثل هذا الإجراء ، لا توجد آلية إفلاس وطنية أو دولية رسمية للدول. لذلك إن جميع هذه الأجراءات هي عرفية و تطورت على مدى السنوات الأربعين الماضية في غياب أي إطار مؤسسي وعلى الرغم ان مثل هذه الإجراءات تطبق ،لا يمكن العثور عليها في مدونة أو قانون أساسي.
٣. تخضع الديون السيادية لرفع دعاوى في معظم المحاكم الوطنية فيما يتعلق بأنشطتهم التجارية وفقًا للنظرية “التقييدية” الخاصة بالحصانة السيادية ، والتي تنص على أنه عندما يختار السيادي الذهاب إلى السوق الدولية ويتصرف كممثل تجاري (مثل من خلال إصدار السندات) ، يجب أن تكون مسؤولة أمام العملية القضائية كما لو كانت جهة فاعلة تجارية. ومع ذلك ، على عكس نظرائهم من المدينين من الأفراد والشركات ، تتمتع الملكية السيادية بحماية كبيرة من الاستيلاء عليها من قبل دائني الأحكام. عادة ما تكون الأصول مثل السفارات والقنصليات والممتلكات العسكرية في الخارج محمية من الحجز بموجب القانون الوطني والدولي. فقط الأصول السيادية المستخدمة لغرض تجاري هي عادة في طريق الضرر. بإختصار ، من السهل نسبياً على الدائنين الحصول على أحكام قضائية ضد أي دولة متعثرة لكن من الصعب جدا على الدائنين انفاذ تلك الأحكام.
٤. تتركز معظم الأدوات الخاص بإعادة هيكلة الديون السياديةعلى ثلاث أدوات رئيسية، وهي تغيير تواريخ الاستحقاق لمبالغ الأصل أو الفوائد المستحقة بموجب الديون المتأثرة وإدخال فترات السماح ، تقليل المبلغ الرئيسي للدين (في المصطلحات ، “قص شعر” رئيسي) ، وتخفيض سعر الفائدة على الدين (في حالة مديونية السندات ، “تعديل القسيمة”). من الممكن ، بالطبع ، مزج هذه التقنيات ومطابقتها (على سبيل المثال ، تمديد الاستحقاق مع تعديل الكوبون) ، وهذا بالفعل هو المعيار في معظم حزم إعادة هيكلة الديون السيادية.
فما ذكر اعلاه يعطي دلالة أن الديون السيادية إلى حد بعيد قابلة للتفاوض وذلك لمصلحة الطرفين المدين والدائن، وعلى الطرفين تقديم بعض التنازلات للوصول إلى قاسم مشترك من شأنه أن يحفظ استمرار مصالح الدولة وكذلك حق الدائنين واستعادة استثماراتهم بطريقة ميسرة ودون عوائق. فلبنان يمر بهذه المرحلة الإنتقالية وعلى جميع الأطراف التعاون ووضع خلافاتهم ومصالحهم الضيقة جانبا، وتقديم مصلحة الوطن على جميع المستويات وذلك في سبيل تدارك الأسوأ. خصوصا وأن لبنان لا يملك موجودات أو أستثمارات خارجية مما يصعب وضع يد الدائنين عليها والضغط بإتجاه سلبي على لبنان والسير بدفع الدين بالشروط التى تناسب مصالحهم وليس مصلحة البلد. لذلك تعليق الدفع واعتماد الهيكلية ليس جريمة إن حصلت ضمن خطة منظمة وجدية، بل تكون هي المنقذ في معظم الحالات. فالتفكير الآن من قبل الحكومة والجهات الفاعلة إن أرادت حقيقة أن تخرج البلد من هذا الوضع المأساوي ،أولا يجب أن تقوم بتثبيت سعر الصرف ، ليس بالضرورة على 1507، بل ضمن قدرة مصرف لبنان من خلال الدولارات الموجودة ضمن الإحتياطي وأن يقوم المركزي بتوزيعها بين دعم الليرة وتأمين شبكة الأمان الإجتماعي من استيراد المواد الغذائية والنفط وغيرها. إن تثبيت سعر الصرف لن يكون إلى ما لا نهاية ويجب ان يترافق مع خطة عمل للحكومة،وإلا نعود الى المربع الأول،بحيث هذه الخطة تقوم على تخفيض النفقات الواضحة مثل وضع حد لمشكلة الكهرباء، معالجة مزاريب الهدر في المطار،المرفأ، والقطاع العام، إضافة إلى معالجة نظام التقاعد والتعويض ،وتحويلها جميعا إلى قطاعات منتجة. اما على صعيد اخر على الحكومة ان تضع ضمن نفس هذه الخطة،معايير لزيادة المداخيل من شركات الاتصالات، الأملاك البحرية،الجباية والنفايات، وتقوية القطاعين الزراعي والصناعي، بحيث تصبح المنتجات اللبنانية قادرة على المنافسة محليا وعالميا وتستطيع أن تدعم احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة مثل الدولار واليورو.
لا يزال أمام لبنان فرصة خصوصا أن القانون يحمي الدول والدين السيادي إلى حد كبير، وهذا يجب أن يكون فرصة لإعادة النهوض والخروج من هذا الوضع التاريخي الذي يمر به لبنان. لذلك الوضع حرج وصعب ولكن ليس خطير إلى حد اليأس،الخطير هو إبقاء الوضع القائم على حاله واستنزاف الناس والقطاع المصرفي وتبديد الأحتياطي واللعب على كسب الوقت بإنتظار تغير ما، إقليمي أو عالمي، أو كما تعودنا ان تأتينا إحدى الدول بالمليارات إلى مصارفنا وتنقذنا من ما جنت أيدينا. فمن منا لا يزال يأمل بذلك فهو واهم وضائع وليس لديه سبيل سوى المزيد من البؤس والفقر والجوع والمذلة. لقد حان الوقت لنبدأ بالعمل ونقلل من الكلام.
المصرفي والاقتصادي
محمد تلحوق