منذ إطلالتها الأولى أوحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بأنها ستتعاطى مع الإعلام بالطريقة التي تفهمها، والتي تقع ضمن إختصاصها، وهي تنحصر بالشؤون المالية والحسابية، إذ أن واحد زائد واحد يساويان إثنين.
أما في الإعلام فالأمر مختلف كليًا، لأن التعاطي مع هذا الجسم يقتضي على الذي سيتعاطى مع ملفاته أن يكون مطلعًا بما فيه الكفاية على خلفيات هذا القطاع، الذي على رغم معاناته الراهنة نتيجة الأزمة المادية، لا يزال يصرّ على القيام برسالته على أكمل وجه، وتأتي الحرية الإعلامية بمفهومها الشمولي وليس بالمفهوم الضيق والحصري، في طليعة القضايا، التي لا يمكن لأي إعلامي أن يساوم عليها، وهذا ما لم تفهمه، على ما يبدو الوزيرة عبد الصمد، التي حاولت منذ إطلالتها الأولى، وبعد سلسلة من الإجتماعات مع وزيري التربية والصحة، أن تفرض على الإعلام فرضًا غير مقنع بما يتوجب عليه القيام به، وهذا ما أزعج عددًا كبيرًا من الإعلاميين، الذين أعتبروا كلام عبد الصمد تدخلًا مباشرًا في عملهم المهني، ومحاولة غير ناجحة لتدجين الإعلام، الذي لم يستطع أحد قبلها تدجينه.
وزيرة الاعلام استنكرت التعرض لمحطة “الجديد”
الحاج حسن: لاجراء التعيينات في وزارة الاعلام واعفاء المؤسسات الاعلامية من الضرائب والرسوم
المحطات التلفزيونية قامت بواجبها المهني والوطني في مواجهة آفة كورنا عندما دعت المواطنين إلى إعلان حالة طوارىء ذاتية، حرصًا منها على سلامتهم وأطلقت حملة “خليك بالبيت”، وهذا أبسط الواجب وأقل الإيمان، وهو الدور الطبيعي للإعلام في مثل الظروف التي يعيشها لبنان، والتقصير الواضح من قبل الدولة وحال الإرباك التي تعيشها حكومة “مواجهات التحديات”، التي نزلت كل المشاكل على رأسها دفعة واحدة، وكأنها مصابة بلعنة ما، أو كما يقال “الدني وجوه وعتاب”.
هذا الأمر لم يرق للوزيرة عبد الصمد، التي سارعت واصدرت بيانًا لامت فيه محطة الـ “أم تي في” على مبادرتها وإتهمتها بأنها حاولت أن تصادر دور الدولة، وبذلك تكون وزيرة الإعلام قد تخطت حدودها ونصّبت نفسها وصية على الإعلام الخاص، وأعتقدت خطأ في التقدير أن المحطات التلفزيونية الخاصة خاضعة لوصايتها، كما هي الحال في “الوكالة الوطنية للإعلام” وإذاعة لبنان وتلفزيون لبنان.
وبهذه الخطوات المتدرجة تكون الوزيرة عبد الصمد قد إستقدمت “الدب” إلى كرمها (عذرًا على التشبيه) وهي التي إشترت مشكلة مجانية مع الإعلام، هي في غير محلها، وكانت في غنى عنها، وكان حري بها أن تدعو وسائل الإعلام إلى إجتماع تنسيقي لدرس السبل الممكنة لمواجهة هذا الفيروس والطريقة الفضلى لبث التوعية لدى المواطنين وتوجيههم بالطرق العلمية والسليمة، وبذلك كان من الممكن أن تكسب الإعلام الخاص إلى جانبها عوضًا عن محاربته ومعاداته.
فلو راجعت معاليها كيف تصرّف وزراء الإعلام الذين سبقوها مع الإعلام الخاص لكانت أدركت أن ليس في إستطاعة اي وزير أو أي مسؤول تدجين الإعلام أو محاصرته أو التضييق عليه، وأن ليس في مقدور أحد أن “يطلع راس” مع الإعلام، وهذا ما يعرفه المسؤولون في وزارة الإعلام، الذين واكبوا أكثر من وزير منذ العام 1998 على الأقل، وكان عليها إستشارتهم، وهم الخبراء في مجال عملهم، قبل الإقدام على اي خطوة مماثلة.
معالي الوزيرة، وبكل إحترام، نقول إن ملعب الإعلام يختلف كثيرًا عن أي ملعب آخر، وأن ليس في إمكان أحد اللعب به إن لم يكن من أهله.
ويبقى أمران صراحة لم نفهم مبررهما. الأول المبالغة في الحديث عن رئيس الحكومة بعد كل جلسة لمجلس الوزراء وكأننا في نظام توتاليتاري.
أما الأمر الثاني فمبالغتها في مقاربة ملف معالجة لبنان لموضوع الكورنا لدرجة أنها اعتبرت أن أوروبا تعلمت من لبنان طريقة التعامل مع هذا الفايروس.
معاليك، مرة جديدة، وبكل إحترام نقول: خدينا بحلمك بس ما تاخدينا بدربك.
زر الذهاب إلى الأعلى