أخبار محلية

في بكركي وللمرة الأولى غابت المواقف السياسة عن عظة الاحد الراعي في زمن الكورونا: دعوة للعودة إلى الذات والمصالحة بدلا من الإدانة المتبادلة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداس الاحد في بكركي، وعاونه كل من المطرانين حنا علوان وانطوان عوكر.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “أقوم وأرجع إلى أبي” (لو18:15) جاء فيها: “عندما أدرك الابن الضال خطيئته، وأنها في جوهرها ابتعاد عن أبيه وعائلته، ليعيش على هواه، مسيئا استعمال عطية أبيه، وبالغا أقصى حدود الفقر والعوز، عاد إلى نفسه وقرر الرجوع، تائبا على فعلته، وقال: “أقوم وأرجع إلى أبي، واقول له: يا أبت، لقد خطئت إلى السماء وإليك” (لو18:15).
أجل الخطيئة هي ابتعاد عن الله، والتعلق بعطاياه بدءا من حياتنا البشرية والوجود من العدم، وهما عطية محبة كبرى من الله، الذي يفيض عليها عطايا روحية ومادية وثقافية وعائلية واجتماعية متنوعة. فينتظر منا ألا نسيء إليه في عطاياه. الخطيئة هي من ضعف الإنسان. ليس المهم ألا نرتكب خطيئة، بل أن نقر بأننا ارتكبناها، لكي نعود إلى الله بروح التوبة، مثل الابن الضال. والله ينتظرنا، لا للقصاص والإدانة، بل لكي يصالحنا بكثير من رحمته وحنانه، كما فعل الأب عندما رجع ابنه الضال تائبا. “فالله لا يريد هلاك الخطأة بل خلاصهم”.

أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، وأحييكم وبخاصة عائلة المرحوم العميد المغوار فارس ابراهيم زيادي الذي ودعناه بكثير من الأسى مع زوجته وابنته وأشقائه وشقيقتيه، والعديد من معارفه وأصدقائه منذ أسبوعين. نذكره في الذبيحة الإلهية، راجين له الراحة السعيدة في السماء ولعائلته العزاء. والمرحوم العميد المغوار فارس تميز بتضحياته في سبيل لبنان من خدمته في سلك الجيش اللبناني وبخاصة في مشاركته في آلام الفداء. لقد أتيتم، أيها الإخوة والأخوات، على الرغم من مخاوف الخروج من المنزل والاختلاط بالناس. لكن إيمانكم وإيماننا يبقى أقوى من الخوف، لأن المسيح الرب الحاضر معنا في ذبيحة الفداء، والذي نتناول جسده ودمه، هو رأس جسدنا ورفيق دربنا في حلوها ومرها، وعند المصاعب والمخاوف يردد لنا :لا تخافوا!” (يو20:6). فلا بد في كل حال من أخذ الحيطة بتجنب الخروج من المنازل إلا لأسباب قاهرة، والتجمعات، وبالجلوس الواحد بقرب الآخر بل على مسافة، والاستفادة من وسائل الاعلام الدينية التي تساعدنا على الصلاة إلى الله في بيوتنا، كي يشفي المصابين بوباء كورونا، ويزيله من وطننا ومن العالم. فهو وحده كلي القدرة والرحمة. وأود ان اشكر محطة تيليلوميار نورسات التي شاءت نقل هذا القداس لكي يتاح للكثيرين في بيوتهم المشاركة في الذبيحة المقدسة”.

وتابع: “لكنني أسارع وأقول: يجب أن يعود العالم إلى الله. لقد كثر الشر في كل مكان، وكأن الله غير موجود، ولم يترك للبشرية وصايا ورسوما كطريق آمن ليعيشوا بسلام فيما بينهم. من هنا خطايا الحروب والقتل والتدمير، والظلم والكذب والخلاعة، والفساد وسرقة المال العام وأموال الغير، والكبرياء والحقد والبغض والانقسامات وسواها. فيجب الاتعاظ مما جاء في الكتب المقدسة. فعندما كثر الشر في الأرض، أنزل الله الطوفان الذي أباد البشرية، ما عدا نوح وعائلته (تك6: 13-22). وكذلك أمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من السماوات وأهلك الجميع بسبب شرورهم، ما عدا لوط وعائلته. (راجع تك19: 23-26)”.

وأردف الراعي: “يجب أن نقرأ علامات الأزمنة في ضوء الكتب المقدسة وتعليم الكنيسة. فوباء كورونا من هذه العلامات. إنه دعوة للعودة إلى الله، للتوبة، لمصالحته بعيش وصاياه ورسومه وتعليم إنجيله والكنيسة؛ ودعوة للمصالحة في العائلة والمجتمع وبين الجماعة السياسية؛ ودعوة للمصالحة مع الذات بعيش واجب الحالة والمسؤولية.
على الرغم من المظاهر الدينية عندنا والغيرة على شؤون الدين، فإن في داخل الإنسان ما يناقض هذا الواقع، كما هو ظاهر للعيان. أجل، نحن بحاجة إلى توبة شخصية وجماعية. لا يمكن وضع الله وراء الظهر وعدم استحضاره واستلهام كلامه في ما نعيش ونفعل! ولا يمكن النظر إلى الكنيسة من وجهها الاجتماعي فقط وإغفال وجهها وجوهرها السري، وقد أقامها المسيح الرب “أداة خلاص شامل للاتحاد بالله والوحدة بين البشر” (نور الأمم، 1). إنه حاضر فيها وفاعل بكلام الحياة المنير للعقول، وبنعمة الأسرار التي تجدد المؤمن في الداخل. فلنتمثل في توبتنا الشخصية والجماعية، بأهل نينوى العظيمة، بدلا من الإدانة المتبادلة. فأهل نينوى، ملكا وشعبا، استمعوا إلى إنذار يونان النبي، والتفوا بمسح، وجلسوا على الرماد، وصاموا، ودعوا إلى الله بشدة، ورجع كل واحد عن طريقه الشرير. فنجاهم الله من الشر الذي أنذرهم به (راجع يونان 3)”.

وقال الراعي: “زمن الصوم هو زمن سماع كلام الله وقبوله في القلب لكي يثمر أعمالا صالحة. وهو زمن التوبة والعودة إلى الله بالاعتراف النقي بخطايانا، وبتغيير داخلي في القلب يظهر في مسلكنا الخارجي وتصرفاتنا ومواقفنا. وهو زمن أعمال المحبة والرحمة، وخصوصا أن الحاجات تتكاثر والفقر يتسع، فإنا ندعو إلى المزيد من مبادرات المحبة الفردية والجماعية، وتنسيقها بحيث تشمل كل المحتاجين.
وفيما نسأل الله أن يلطف بنا وينجينا من وباء كورونا ومن الفقر والجوع والانهيار في لبنان، نسبحه ونصرخ إليه بروح الابناء ونمجده، فهو الإله الرحوم القدير، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى