مرة جديدة يجنّب مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات البلاد أزمة، هذه المرة كادت أن تكون أعمق وأشدّ وطأة لولا مسارعته إلى التدخل لتمييز قرار المحكمة العسكرية بكف التعقبات عن الموقوف عامر الفاخوري.
أي صفقة تلك التي أفضت الى إطلاق عميل إسرائيلي برتبة الفاخوري. كل ما حصل بالأمس عزّز الشكوك بوجود صفقة ما أو ضغوط جعلت كبير العملاء حراً طليقاً. على أن السيناريو المتوقع استكمالاً لما حصل سيكون بإخراج جزّار الخيام خارج لبنان الى قبرص ليكمل من هناك رحلته محتفياً بالإنجاز الذي طالما سعى ليتحقق. كان آخر كلام رددته السفيرة الأميركية السابقة في لبنان على مسامع المسؤولين اللبنانيين ان يطلقوا سراح فاخوري “لأن صحته تتدهور وأنتم بغنى عن تحمل تداعيات موته في السجن”، ولتطلق خليفتها السفيرة الجديدة دوروثي شيا باكورة نشاطها الديبلوماسي بمفاتحة المسؤولين بملفه.
بالأمس صعق ما حصل الرأي العام وأحدث صدمة لدى الأسرى المحررين وأهالي ضحايا معتقل الخيام والمفقودين والذين تداعوا للتظاهر احتجاجاً أمام المحكمة العسكرية. لتضج مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تسخر من القرار الذي حوّل “العمالة الى جرم يسقط بمرور الزمن”.
وأحبط إطلاقه آمال الذين رأوا في محاكمته انتقاماً متأخراً من جزار تفنّن في تعذيبهم وتسبب في مقتل رفاق لهم داخل المعتقل الذي كان سجانه الشهير. الا ان السياسة تركت بصماتها واضحة في سياق المحاكمة التى ترافقت مع ضغوط أميركية شديدة لإطلاق سراحه والتى تمكنت من ان يقضي حامل جنسيتها فترة توقيفه في المستشفى لا في السجن ومرر مرور الزمن إطلاق سراحه عن جرم واحد، من دون ان يطاول محاكمته جراء حصوله على الجنسية الإسرائيلية التى اكتسبها بفعل العمالة والإقامة داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.
وكان الفاخوري يلاحق بملف آخر أمام قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي، في الدعوى المقامة ضده من عدد من المعتقلين السابقين في سجن الخيام، بجرم اعتقالهم وحجز حريتهم وتعذيبهم، الا أن قاضي التحقيق لم يستجوب الفاخوري بعد بسبب اصابته بسرطان الدم ولم يصدر مذكرة توقيف بحقه.
ولولا قرار وقف جلسات الاستجواب والمحاكمة بسبب انتشار فيروس “كورونا”، لكان يفترض ان يمثل الفاخوري الحامل للجنسية الاميركية امام قاضي التحقيق في بيروت، واذا تعذر حضوره بحجة وضعه الصحي طبقاً لما يحصل في كل مرة، كان يعتزم طلب استجوابه في المستشفى لاتخاذ قرار نهائي بحقه او تركه واما توقيفه.
فمنذ ثلاثة أسابيع وحين صدر تقرير لجنة الاطباء الشرعيين، قرر قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي إبلاغه الشكاوى بتوقيفه وأمهله لتوكيل محامٍ قبل ان يرجئ الجلسة ثلاثة اسابيع على ان يبلغ في مكان اقامته.
كان يفترض ان تعقد جلسة لاستجوابه اليوم فكان ان صدر قرار المحكمة العسكرية الدائمة بكف التعقبات عن الفاخوري وعجلت في الاجراءات التمهيدية، والأدهى ان القاضي بيتر جرمانوس لم يستأنف القرار. أسئلة كثيرة تطرح حول ملابسات ما حصل اولها لماذا الاستعجال في إقفال الملف بالشكل الذي حصل اي في ظل حالة من التعبئة العامة ومنع تجوال تعيشها البلاد؟ ولماذا لم تعقد جلسة بهذا الشأن؟ وكيف تم توقيت صدور القرار في يوم موعد جلسة الاستجواب التي كانت مقررة لولا التعطيل القسري؟ على أن السؤال الاهم والذي لا بد ستظهر الاجابة عليه لاحقاً هو موقف “حزب الله” من العملية؟
والمفارقة ان يصدر القرار من دون عقد جلسة رغم عدم وجود ما يدفع الى الاستعجال ليحصل كل ذلك بالسرعة وبالطريقة التي حصل فيها.
ينفي رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبد الله وجود صفقة خلف ما حصل او امكانية طرح علامات استفهام حوله ليقول “اخلاء السبيل عمل اداري بحت ولا يحتاج الى جلسة وان المحكمة خلال هذه الفترة ورغم قرار التعطيل مجبرة على اصدار قرارات اخلاء سبيل ودفوع شكلية بلا جلسات”، مؤكدا انه اختار تطبيق القانون بدل تحكيم العاطفة “انا ابن الخيام وابن تلك البيئة ومقتنع بما اصدرته. والتنحي عن الملف كان سيعد انهزاماً ولذا لم اتنح واحترم قسمي ونفسي”. يستند العميد عبد الله في قراره الى ان القاضية نجاة أبو شقرا أسقطت كل احكام العمالة بمرور الزمن، ويحيل المستغربون صدور القرار الى الدفوع الشكلية التي تضمنت ما يثبت مشروعية مرور الزمن على كل التهم الموجهة الى فاخوري.
وعلى الرغم مما قاله غير أن كل ما أحاط بملف كف التعقبات عن الفاخوري واطلاق سراحه يؤكد وجود قطبة مخفية في مكان ما في السياسة. فهل هو تهديد اميركي بعقوبات جديدة؟ ام افراج سيقابل بإفراجات مماثلة سياسية واقتصادية ؟ على أمل ان يكون ما حصل صفقة يبقى أهون الشرين في بلد صارت العمالية فيه جرماً يسقط مع مرور الزمن.
وكانت المحكمة العسكرية برئاسة عبد الله، اصدرت حكما قضى بكف التعقبات عن الموقوف عامر الفاخوري، في قضية خطف مواطنين لبنانيين واعتقالهم وتعذيبهم داخل سجن الخيام، ما أدى إلى وفاة اثنين منهم. واعتبرت المحكمة في حكمها الذي حمل الرقم 515/2020 الذي صدر بعد ظهر أمس أن الجرائم المسندة إلى المتهم عامر الفاخوري، لجهة تعذيب سجناء في العام 1998، سقطت بمرور الزمن العشري، وقررت إطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفا بقضية أخرى.
غ. ح.