أخبار محلية

“لو لم يكن أرثوذكسيّاً لكان مقرّه بعبدا”

كتب داني حداد في موقع mtv:

تعرّفت الى النائب ميشال المر وأنا أخطو خطواتي الأولى في الصحافة. كنت كتبت مقالاً عنه، فحظيت بعده بموعدٍ لساعاتٍ خرجت بعده حاملاً الكثير من أسرار تلك المرحلة. كان يكشف أكثر ممّا يستر، إثباتاً للآخرين بأنّه يعرف الكثير. وكان فعلاً يعرف الكثير.

منذ ذلك اليوم، وُلدت علاقة وطيدة عرفتُ فيها عن قرب شخصيّة لا أظنّ أنّ شبيهاً لها مرّ في تاريخ لبنان. هو مدمن سياسة وانتخابات وخدمة. وهو كان يملك أكثر ما يسعى إليه الصحافي: المعلومة.
ساهم المر في وصول أكثر من رئيسٍ الى القصر، وقد كُتب عنه يوماً “لو لم يكن أرثوذكسيّاً لكان مقرّه بعبدا”. أذكر أنّني حملت له مقالاً بهذا العنوان نُشر في مجلّةٍ تصدر في لندن، فسُرّ به ونشره لاحقاً في كتابٍ عن سيرته ومسيرته، ضمّ مقالاً كتبته بعنوان “ميشال المر: الأسلوب هو الرجل”، وفيه إضاءة على شخصيّته وعلى كيفيّة إدارته للانتخابات، ملعبه المفضّل. وكيف كان، بين سيجارةٍ لا يدخّن بعضاً منها ثمّ يطفئها وأخرى، يصنع المعجزات ويفكّ المشانق ويمنح، خصوصاً، المسيحيّين بعضاً من طمأنينة افتقدوها بعد أن توزّع زعماؤهم الموارنة بين منفى وسجن. والأهمّ، يبقي ذلك الخيط الذي كاد يُقطع بين المسيحيّين والدولة.

وفي “العمارة”، التي تحوّلت معه الى إمارة، كانت صورٌ قديمة له تحتلّ الجدران المحاذية لمكتبه، ومنها صور اللوائح الانتخابيّة التي كان يترشّح فيها. وهو كان، في أقدم الصور، يقف عند أحد الجانبين، ثمّ راح يقترب، دورةً انتخابيّة بعد أخرى، ليصبح في الوسط، وليصبح، متنيّاً، زعيماً استثنائيّاً، ووطنيّاً الأرثوذكسي الأول الذي يجمع حوله عشرات النوّاب والمدراء العاميّن والقضاة ورؤساء البلديّات والضبّاط والمخاتير ورؤساء الأندية والتجمّعات والجمعيّات، في مشهدٍ هو الأحبّ الى قلبه. تماماً مثل مشهد المتنيّين الذين كانوا يقصدون بتغرين في إثنين الفصح لتهنئته بالعيد، وقد كان، أثناء مصافحة كلّ فردٍ منهم، غالباً بالإسم، يحصي عدد المهنّئين.
وأذكر، مرّة، أنّه أطلعني على مفكرة دوّن عليها عدد الأعراس التي دُعي إليها في عامٍ واحد، وكان إشبيناً في الكثير منها، ثمّ أجرى إحصاءً لعدد الذين التقاهم في الأعراس ورقص معهم!

لن يتكرّر ميشال المر. كان مدرسةً أكثر منه سياسيّاً. من لم يعرفه عن قرب قد لا يفهم هذه العبارة. ولعلّ أكثر ما يؤلم في الرحيل أنّه يمضي بصمتٍ، وقد كان صاخباً في حياته، في السياسة وفي الأعمال، وقد صعد السلّم درجةً بعد أخرى، ووقف طويلاً عند القمّة، وأوصل آخرين إليها. وبعضهم أنكروا، أو انقلبوا، وبعضهم ظلّ وفيّاً.
وكنتَ حين تقول، في المتن، “دولتو” يعرف السامع من المقصود فوراً. مع رحيله نطوي، بحزنٍ وأسف، صفحةً من تاريخ المتن ولبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى