ثقافة ومجتمع

بين التحفيز الافتراضي، وسطحية اللايك

كتب كامل العريضي في موقع  “5njoum
تشير الاحصاءات إلى أن عدد البشر المتصلين بشبكة الإنترنت في عام 2019 بلغ أكثر من 5.8 مليار إنسان حول العالم. وتم تصفح في موقع غوغل حتى الآن 771 مليار صفحة. وأن إجمالي عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وأسمائها بلغ نحو 4.5 مليار شخص. كما توصلت الدراسات أيضًا إلى أن ما يقارب 45 % من سكان العالم يستخدمون السوشيال ميديا بمعدل ساعتين و 33دقيقة يوميا، و 60% من المستخدمين يقولون إنهم نشطون باستمرار على مدار اليوم بفاعلية. وهذه النسب آخذه بالارتفاع لاسيما بعد الحجر الصحي للكون جراء كوفيد-19. ويكاد هذا العالم الافتراضي يطغى على الواقع الحقيقي. وهو يشكل أداة رئيسة في مواجهة الإعلام التقليدي من تلفاز أو صحف ومجلات. وباتت نسبة الشباب من متابعي الإعلام التقليدي ضئيلة مقارنة مع وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما دفع بهذه الوسائل إلى اعتماد مواقع على السوشيال ميديا كي تصل أخبارها وبرامجها إلى عالم الشباب.

عندما نتكلم عن عدة مليارات ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا الرقم يعني الكثير وله أبعاده ودلالاته وينبغي أن تأخذ ثقافة استخدام هذه المواقع الافتراضية وآدابها هامشا كبيرا في توعية الجيل الجديد في المدارس والجامعات ودور العبادة؛ كي تكون تلك البرامج والأجهزة مصدرا للمعلومات الراقية ومساحة للتواصل الفكري بين حضارات متنوعة ومتعددة. لأن الحقائق الرقمية للدراسات الموثوقة تنبئ بخطر داهم ومرعب حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، فأوضحت تلك المعلومات أن 70 ٪ بالمئة من الكلام والنقاش عبارة عن جدل عقيم وتشاتم وتعصب مقيت، و 20٪ منها اقتباسات، و10٪ فقط إنتاج فكري جديد وجدي يستحق التقدير والاهتمام.

ومن عناصر هذه الثقافة التي أشرنا إليها ثقافة التحفيز الافتراضي، فعندما يكتب شاب أو صبية في مقتبل العمر موضوعا راقيا له أهداف انسانية وأخلاقية، أو نصا علميا مدججا بالحجج والبراهين العقلية، أو يحاول تقديم بعض النصائح الإيجابية لقرنائه، أو يبتكر عملا ابداعيا أو فنا محترما أو رسمة فاتنة أو يخترع آلة مفيدة للبشرية… ، فعلى هذه المليارات الأخذ بيده ودعمه عبر الإعجاب والتعليق المشجع، وذكر بعض الأفكار من نصه دليلا على قراءة مقاله، أو على الاطلاع على بعض من خصائص اختراعه أو إبداعه… قد يظن البعض أن مثل هذه الأعمال الافتراضية لا قيمة لها ولا تقدم أو تؤخر. عذرا، بكل تأكيد أخي وأختي هذا التحفيز الافتراضي يقدم الكثير ويساعد هذا الكاتب أو الكاتبة أو المبدع أو المبدعة… الذين مازالوا في أول طريقهم، بشكل ايجابي جدا، ويكون بمثابة دعم هائل لهم وقوة، وطاقة لتقديم المزيد من الأعمال الابداعية. نعم إن التحفيز الافتراضي يساهم في خلق كاتب أو مبدع أو مخترع حقيقي. إنها الكلمة الطيبة ستثمر ثمارا صالحة وجميلة إن شاء الله.

وهناك ظاهرة نلاحظها في طريقة الإعجاب “اللايك” بحيث أحيانا يفوق عدد الاعجاب بمنشور ما عدد قارئيه، فبعض المواقع تتعمد إبراز عدد القرّاء للمنشور، فأتفاجأ وبشدة عندما أرى عدد اللايكات أكبر من عدد القراء!! كيف لإنسان مثقف ومدرك أن يبدي إعجابه بمنشور لم يطلع عليه بل اكتفى بعنوانه؟ والكل يعلم أن اللايك(like) تعني الموافقة على المضمون وتبني الأفكار المطروحة. أما الطامة الكبرى والمصيبة العظمى فعندما نقرأ التعليقات وتكون لا تتوافق مع متن المقال بل التعليق في وادٍ والمنشور في وادٍ آخر. وهذا دليل قطعي على أن صاحب التعليق لم يقرأ المقال ولكن كيف يمكن لذي عقل مميِّز أن يكتب كلاما ويبدأ نقاشا ويطرح أفكارا حول موضوع لم يكلف نفسه عناء الاطلاع عليه. فذو العلم والوعي يفكر مرارا ويعيد القراءة تكرارا كي يقدم تعليقا لائقا سواء بالموافقة أم بالانتقاد البناء.

جهة ثانية، أنصح هذه الطاقات الإبداعية، أن تستمر بعطائها، ولا يكون جُلّ اهتمامها تجميع اللايكات، بل يكفي أنها تعبّر عن ذاتها وتخرج مكنون نفسها الرائعة. ومن الأهمية بمكان عدم التأثر بأي انتقاد سلبي، بل عليها أن تسعى إلى تحويله إلى طاقة إيجابية باعثة إلى العمل وتقديم المزيد. فعندما تدوّن كلاما مفيدا، أو تنشر إبداعا راقيا، يصبح تلك المدونة والإبداعات كالعطر الطيب المنتشر في الأرجاء يتلذذ بها كل مَنْ يستنشقها، أو كزرع البذور التي ستزهر يوما ما عندما يأتي وقتها.

كم هو جميل أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسائل تواصل وتلاقٍ بحق، وفسحة للتحفيز الهادف والتشجيع الافتراضي بصدق. هي آلة صماء بكماء ونحن من نعطيها الحياة إذا كنا أحياء بالفضيلة والمحبة والإنسانية، أو -لا سمح الله- نعطيها الموت ونجعل منها وسيلة لنشر التعصب والجهل والتفرقة والرذيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى