تحليل السياسات

هل ألمانيا ضد مباردة فرنسا في لبنان؟

كتب د. سامي كليب في موقع “5NJOUM”

 المانيا التي تستضيف غدا اجتماعا دوليا كبيرا في اطار قمة ميونخ للأمن، مهتمة بلبنان ولكن ليس على الطريقة الفرنسية. واذا كانت تتفق مع الرئيس ايمانويل ماكرون لجهة عدم ترك الانهيار يأخذ مداه الأقصى والأخطر، ولصد النزعات التوسعية لتركيا وإيران اللتين لها معهما مصالح اقتصادية مباشرة، الأ أنها تختلف مع سيد الأليزة في كيفية العلاج، ولذلك فزيارة المستشارة انجيلا ميركيل عام 2019 ثم تلك التي قام بها وزير الخارجية هايكو ماس في العام الماضي ، أعطت اشارات كثيرة حول الغضب من حجم الفساد و ضرورة الاعتماد على المجتمع المدني لتغيير المعادلة.

              المانيا تختلف مع ماكرون حول التالي:

·       هي أدرجت حزب الله على لوائح الارهاب، بينما فرنسا رفضت ذلك وكثّفت التنسيق مع الحزب قبل وخلال وبعد إطلاق مبادرتها.

·     المانيا التي تُعاقب دائما بسبب التاريخ النازي، رغم ان واقعها الرسمي ( وليس بالضرورة كل الشعبي) مختلف كليا عن مرحلة هتلر ، صارت احدى أهم الدول الداعمة لاسرائيل وحاضنة لليهود ذوي الفعالية المتزايدة على أرضها، كما ان  برلمانها “بوندستاغ”  صادق في العام الماضي على قانون يدين حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل ويعرّفها جزئياً باللاسامية. مع ذلك فهي  تتعرّض دائما لضغوط اسرائيلية ومن اللوبيات على أرضها وفي الخارج، وصلت الى حد اعلان وزير خارجية اسرائيل قبل فترة بضرورة العمل على منع اليهود من العودة الى المانيا لأن القضاء الالماني لم ينصفهم.

رافعو الصوت ضد معاداة السامية كانوا في السابق يشيرون الى اليمين المتطرف لكنهم اضافوا اليه بعض اليسار والاسلاميين، وهو ما دفع مجموعة من المثقفين النخبويين الى توجيه رسالة لميركيل حول ” تضخيم فكرة معاداة السامية بغية قمع النقد المشروع لسياسة الحكومة الإسرائيلية”. هذا يعني أن اي مغامرة في التواصل السياسي العلني مع حزب الله يُعتبر مخاطرة كبيرة في المانيا التي اوقفت جمعيات عديدة في العام الماضي عن العمل  بتهمة تمويل الحزب او الترويج لسياسيته.

·     المانيا تعتبر أن الطبقة السياسية اللبنانية فاسدة حتى النخاع ومن شبه المستحيل الوصول معها الى اصلاح بلا ضغوط حقيقة من المجتمع المدني والعالم، وترى ان هذه الطبقة تتذرع بعوامل خارجية لعدم الاصلاح، والاّ فما الذين يمنع من اللقاء وتأليف الحكومة والمباشرة فورا باصلاحات ستأتي بالمساعدات؟ الم يكن توحيد الالمانيتين وسقوط حائط برلين، ثمرة اللقاء الألماني، الذي أفاد من تغييرات دولية؟. فالفرصة سانحة اليوم في بيروت خصوصا مع المناخ الدولي الايجابي، لكن السياسيين كما في كل مرّة يضيعونها من أجل مصالحهم الضيقة والمافياوية.

·     المانيا لا تتساهل في قضية المجتمع المدني، ان لجهة تنفيذ مطالبه أو اشراك جزء أساسي منه في الحكومة، وتعزيز وضع المرأة والحريات والديمقراطية الحقيقية. وقد أكل تناول وزير خارجيتها المنقوشة مع الناس  والاستماع اليهم والحوار معهم رسالة حيال من تفضل المانيا، وهي ما زالت مؤمنة بذلك وبقوة ، بينما الرئيس ماكرون سرعان ما يئس من هذا المجتمع بقوله مؤخرا انه لو تحرك المجتمع المدني  بفعالية ،لتغيرت الأمور منذ 6 أشهر.

·     كان كلام السفير الالماني في بيروت أندرياس كينديل بعد تفجير المرفأ والمساعدات الكبيرة التي قدمتها المانيا واضحا، فهذا الدبلوماسي العريق الضليع بفقه اللغة والعلوم الاسلامية والأدب، وعمل في اليمن وتونس والاتحاد الاوروبي، كان يعرف تماما ماذا يقصد حين قال :” من الصعب عدم وجود حس بالمسؤولية عند المسؤولين السياسيين والاقتصاديين، ونتوقع من السلطات اللبنانية تطبيق الاصلاحات الفورية من دون أي تأجيل اضافية” .

·     حين يعد ماكرون اللبنانيين بمساعدات مالية، عليه الاتفاق أولا مع الشريك الاوروبي الأول، أي المانيا، وهذه الأخيرة ليست مستعدة للافراج عن أي مساعدة أوروبية ( الا ما يتعلق بالضرورات الانسانية والطبية) ما لم تؤلف الحكومة وتباشر اليوم قبل الغد اصلاحات واضحة وحقيقية وعميقة لصالح المجتمع المدني وبناء دولة المؤسسات.

·     ماكرون يعتبر أن حل العقدة اللبنانية، سيكون مؤشرا ايجابيا حيال الملف النووي، لكن المانيا ترى انه لا يمكن تعميم المثال الحوثي على لبنان، ذلك أن التعقيدات والمصالح والجغرافيا في لبنان مغايرة تماما.

·     بينما المانيا وفرنسا تنافس على عدد من المشاريع، ذلك ان الشركات الكبرى مهتمة بالمرافيء والكهرباء والطاقة وغيرها.

·     في ألمانيا ذات ال 83 مليون نسمة، ما يقارب 3 ملايين شخص تركي أو من اصل تركي  ، وتُعتبر المانيا المحاوِر الأوروبي المفضل مع تركيا رغم التوترات التي شهدتها علاقات البلدين خصوصا من الانقلاب على اردوغان.  ولها على الأراضي التركية ما يقارب 7 الآف شركة ونحو 5 ملايين سائح سنويا، ولولا تدخل ميركيل شخصيا قبل أشهر لكان التصعيد السياسي والعسكري  قد بلغ مداه بين فرنسا وتركيا في البحر الأبيض المتوسط بسبب اليونان. كما ان المانيا حريصة على علاقة جيدة مع انقرة لمنع تدفق اللاجئين اليها . وهي علاقة مختلفة تماما عن تلك التي تربط فرنسا بالرئيس رجب طيب ردوغان وبلاده.

هذه التباينات الألمانية الفرنسية، تخفف من أهمية  الدعم الاوروبي للمبادرة الفرنسية ما لم تحظ فعليا بدعم الماني داخل الاتحاد. فالمجلس الأعلى للاتحاد الاوروبي كان قدم ورقة عمل في كانون الأول/دسيمبر الماضي كانت بمثابة خطة طريق لانقاذ الوضع اللبناني وتركز على الاصلاحات العميقة والمجتمع المدني. وتلك كانت المرة الأولى التي يقوم بمثل هذه الخطوة منذ عامين، ولعل الهدف كان ، وبدعم المانيا، أن لا يحتكر ماكرون مبادرة ، وان لا تؤدي مبادرته الى تعويم الطبقة السياسية بدل رحيلها.

 من المنتظر وفق معلومات موثوقة أن يسعى ماكرون في قمة الأمن في ميونخ غدا الجمعة والتي سينضم اليها الرئيس جو بايدن وأمين عام حلف الأطلسي ورئيسة المفوضية الاوروبية ورئيس الوزراء البريطاني ، الى طرح الملف اللبناني كضرورة ملحة، بينما ألمانيا كما أميركا ترى أن الأولوية الان هي للملف النووي الايراني وضرورة اعادة الاطراف الى التفاوض. فالغائصون الدوليون في بحر الملفات والأزمات والصفقات، يفضّلون التعامل مع الملفات الكبرى وليس مع ملف صغير كلبنان ما عاد له أهمية كبرى قياسا بالملف الايراني

سبق القمة، اجتماع وزراء خارجية أميركا والمانيا وبريطانيا وفرنسا اليوم، وذلك في اطار المساعي الحثيثة لاعادة الطرفين الاميركي والايراني الى التفاوض، وهو ما كان محور التواصل الهاتفي قبل ساعات بين ميركيل والرئيس الايراني د.حسن روحاني. ويحاول ماكرون الحصول على دعم لمبادرته، وهو قد يحصل عليه بالعلن أما في الكواليس فالتباعد كبير بينه وبين من يطلب منهم الدعم .

المعروف ان المانيا مقبلة على انتخاباتها في ايلول/سبتمبر المقبل ، وابرز المرشحين للفوز هوArmin Laschet  من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي خلفا لرفيقته انجيلا ميركيل. وهو اذ يراعي الضغوط الاسرائيلية الا أنه من أنصار التعاون الأوروبي، وقد قادته خلفيته المسيحية مرارا للتعبير عن ضرورة الحفاظ على مسيحيي الشرق  وفي مقدمهم مسيحيو لبنان ، وعن مناهضته لداعش والأصولية حتى ولو أدى ذلك الى التحالف مع الرئيس السوري بشار الأسد كما قال مرة، رغم أنه يصفه ب  ” دكتاتور”، كما أنه حريص كما ماكرون على أهمية الحفاظ على الأمن المترابط بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

خلاصة الأمر، أن المانيا  لن تقف في وجه المبادرة الفرنسية وانما تسعى ضمنيا للتخفيف من اندفاعة ماكرون ومغالاته في فرض حل منفرد، وتريد رحيل طبقة سياسية فاسدة، وان هذا يكون من خلال الاصلاحات الفورية والمجتمع المدني، بينما ماكرون يفضل التعامل مع هذه الطبقة التي وان كان يائسا منها الا انه يعتبرها ضرورة لا بد منها لانقاذ لبنان، ولكن ايضا لتعزيز المصالح الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط.

العالم يفكر بانقاذ لبنان وانقاذ مصالحه فيه وعبره، والساسة اللبنانيون غارقون بمشاكلهم السخيفة بين ثلث معطل هنا ووزارة هناك وتمثيل طائفي هنالك. وهنا جوهر المصيبة. فقبل البحث عن مصالح المانيا وفرنسا في لبنان، هل عرف هؤلاء الساسة أولا ما هي مصلحة لبنان؟ تعرفون الجواب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى