بولا مراد “الديار”
تستفز تجربة بولا يعقوبيان في العمل السياسي «ذكور» لبنان بشكل عام وعلى وجه الخصوص «ذكور» السياسة اللبنانية. هم اعتادوا المرأة في هذا المجال وريثة والدها او زوجها او حتى اخيها … تدخله خانعة وراضخة لرأي الاكثرية او بأفضل الاحوال لرأي الحزب الذي لم تختر اصلا ان تنضوي في صفوفه، وتخرج منه بصمت وتسليم لارادة «ذكر» ما ارتأى انه آن اوان الانسحاب.
لطالما رحب هؤلاء «الذكور» بتطعيم مجالسهم السياسية بوجوه نسائية انطلاقا من التجارب السابق ذكرها، ما دامت لا تشكل لهم «وجعة راس» او منافسة او عقبة في وجه مشاريعهم واجنداتهم …
كان كل ذلك قبل ان تدخل بولا يعقوبيان مجلسهم النيابي عام 2018 … حلت عليهم «نائبة» وهو المصطلح الذي تصر يعقوبيان عليه وترفض استبداله بـ «النائب»، والذي نستخدمه هنا مرادفا لـ «مصيبة». قلبت يعقوبيان الطاولة دون تردد، خاصمت الجميع دون استثناء ممارسة دورها كمعارضة حتى آخر نفس، فكادت تقطع انفاسهم. هي المتمرسة في العمل السياسي والاعلامي تدرك تماما «من اين تؤكل الكتف»، لذلك لم يتطلب فرض نفسها رقما صعبا في مجلس الـ 128 نائبا الكثير من العناء … «ذكور» المجلس تعاطوا معها في انطلاقة الولاية النيابية الجديدة بخفة وعدم جدية. لعل معظمهم كان ينتظر وصولها او مشاركتها في احدى الجلسات لاستراق النظر على ما ترتديه. لم يكن يعنيهم على الاطلاق ما تقوله. ومع مرور الاسابيع والاشهر ايقنوا ان يعقوبيان لغم كبير انفجر في وجههم. فبات اي حزب يراقب بامتعاض كم مشاريع القوانين التي تتقدم ويشعر ان من واجبه مجاراتها بالمنافسة. لكن اقرارهم بوجودها منافسة شرسة لم يمنع الاستمرار في التعاطي معها بفوقية وذكورية مقيتة باعتبارهم اياها نائب درجة ثانية.
لا يتحمل «ذكور» المجلس وحدهم مسؤولية التعاطي بخفة مع نساء المجلس. فهؤلاء يتحملن المسؤولية الكبرى لجهة الدور العابر الذي لعبنه على مر السنوات والذي لم يرتق بيوم من الايام للمستوى المطلوب. بخلاف يعقوبيان، تبدو تجربة «النائبات» الحاليان هزيلة. يمكن استثناء رلى الطبش الى حد ما لكن باقي التجارب تشبه بغالبيتها العظمى تجارب عشرات النساء اللواتي لم يتركن اثراً يذكر خلال ولاياتهن.
تختلف قليلا تجربة الوزيرات في الحكومة الحالية عن تجارب من سبقهن الى مجالس الوزراء. فقد وصل الامر بالبعض في مرحلة معينة بوصف وزيرة الدفاع بـ «حاكمة السراي الحكومي». في الوقت اثارت تجربتا وزيرة العدل ووزيرة المهجرين الكثير من الجدل خاصة خلال رفعهما الصوت داخل جلسات مجلس الوزراء اعتراضا على عدد من الملفات. لكن التعاطي الذكوري لم يختلف بين نساء البرلمان ونساء الحكومة، اذ سجلت «المفكرة القانونية في احدى جلسات مجلس النواب التي انعقدت في الفترة الاخيرة ما أسمتها «أقوالا مأثورة» وهي ليست الا «أقوالا ذكورية» ردا على مداخلات لوزيرة العدل قد ينفع عرض بعضها. فخلال مناقشة اقتراح اعفاء مصنعي لقاحات فيروس كورونا من المسؤولية، تحدثت الوزيرة عن نقطتين في الاقتراح يتوجب الوقوف عندهما، فما كان من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الا ان اجابها : «انتي طلعتي نيغاتيف ولا بعد؟»
ولدى انتقاد نجم في وقت لاحق عدم اعطائها المجال للتعبير عن رأيها اجابها بري مرتين على التوالي: «خلص معالي الوزيرة».
ولا تقتصر الذكورية التي تتعرض لها النسوة العاملات بالسياسة على ما يحصل معهن في مجلسي النواب والوزراء، اذ انه وفي معظم الاطلالات الاعلامية يتوجه «الضيف الذكر» بتهكم وبتعابير مرتبطة في معظم الاوقات بالجنس حين يندلع سجال ما بينه وبين ضيفة انثى.
وينفع في النهاية توضيح الفرق بين «الذكر» الذي يهشم المرأة ويعتبرها كائنا ناقصا وبين الرجل الذي يحميها ويؤمن بقدراتها ويدفع بها الى الامام والاهم يعتبرها كائنا متساوياً معه بكل الحقوق والواجبات… فألم يحن الوقت، ونحن نحيي اليوم، يوم المرأة العالمي ان يستيقظ المجتمع اللبناني الذكوري من كبوته فيعطي فرصة للمرأة كي تصلح ما أفسده وتبني ما دمره؟!