منظمة التحرير الفلسطينية منه، فكانت ذكرى الاستقلال بين سنوات 1978 و1982 فاقدة لمعناها بوجود احتلال صهيوني على أرضه.
في كل هذه السنوات كان لبنان يحيي ذكرى الاستقلال في ظل وجود رئيس منتخب، وحكومة فاعلة ومكتملة الصلاحيات، ومجلس نيابي يصار إلى انتخابه كل أربع سنوات وفي بعض الحالات كان يشوب هذه الانتخابات تزوير فاضح كما في عهد الرئيس الخوري في العام 1947 وفي عهد الرئيس شمعون في العام 1957، ما يجعل هذه الذكرى تفتقر إلى معناها الحقيقي.
ووقعت الطامة الكبرى عند نهاية عهد الرئيس أمين الجميل حين لم يستطع مجلس النواب الانعقاد لانتخاب خليفة له في العام 1988، فنصّب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون رئيساً لحكومة انتقالية مهمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وهو ما رفض القيام به لأن حظوظه بتولي الرئاسة كانت معدومة، وبدأ مسلسل ذوبان الاستقلال الحقيقي معه.
وبعد اتفاق الطائف الذي أضحى دستوراً معمولاً به، وانتخاب الرئيس الياس الهراوي خلفاً للرئيس الشهيد رينيه معوض، رئيس الطائف الأول، كان الاحتفال بذكرى الاستقلال تشوبه غصة استمرار الاحتلال الاسرائيلي لجزء كبير من أرضه من جهة، ووجود القوات السورية ونفوذها الواضح على السياسة العامة للدولة اللبنانية من جهة أخرى.
ومع حلول العام 2000 ونجاح المقاومة في تحرير جنوب لبنان، عاد الأمل في عودة المعنى الحقيقي للاستقلال، لكن الغصة استمرت لأن حامل راية المقاومة ظلّ يعتبر أن جزءاً إضافياً من لبنان لا يزال محتلاً ويتمثل في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ومع خروج الاحتلال السوري من لبنان في العام 2005 عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أصبح لبنان محرراً من الاحتلالين اللذين نغصا عيشة أهله منذ العام 1978، لكن هذا التحرير استبدل بهيمنة واضحة من “حزب الله” على قرارات الدولة السيادية في ظل وجود سلاحه، ما يجعل ذكرى الاستقلال فاقدة لمعناها الحقيقي.
وهذا هو الحال اليوم، لكن المشكلة لا تكمن في هيمنة الحزب فحسب، بل أيضاً في وجود حكومة مستقيلة وشغور رئاسي يخشى أن يكون مديداً، فلم يحتفل لبنان الرسمي اليوم بالذكرى التي درجت العادة على أن تكون من خلال “استعراض” عسكري ثم حفل استقبال في القصر الجمهوري.
يحق للبنانيين أن يستعيدوا مقولة “بأية حال عدت” ويمكن إضافة عبارة “إلى متى” سيستمر لبنان من دون استقلال حقيقي تكون فيه الدولة صاحبة القرار الوحيد على أراضي الجمهورية اللبنانية كافة، ولا يكون بعض أبناء لبنان “بسمنة” والبعض الآخر “بزيت”؟ لكن الأكيد أن هذا يبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون “مصمماً” على استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها التي نخرها “سوس” الفساد والزبائنية، واستعادة موقع لبنان الطبيعي في محيطه العربي وثقة المجتمع الدولي به من خلال تنفيذ إصلاحات مطلوبة بصورة جدية.
هل سيكون لبنان مستقلاً في العام المقبل؟