خاص الموقعمقالات صحفية

خاص : جمال التسوية” من كمال الى وليد جنبلاط .

خليل مرداس

“جمال التسوية” من كمال الى وليد جنبلاط .

 

تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية كان غالباً بلا صانعين محليين، فلبنان هو بلد التسويات التي تنتج استقراراً نسبياً، ولم يكن يوماً بمنأى عن تداعيات الصراعات في المنطقة، بل كان لهذه الصراعات دورها في تشكيل الكيان اللبناني وفي الحفاظ على استمراريته.

يقول كمال جنبلاط “علّمتني الحقيقة أن أرى جمال التسوية”، فعندما تُغلق الدروب وتنقطع المسارات، كان جنبلاط يرى بالتسوية أفقاً للحل، وباباً لحوار يخرج بلادنا من أزماتها ومحنها، والتعلّم من انكساراتنا وأخطائنا.

يقول الصحافي نقولا ناصيف إنه “لم يُقل مرة “صانع الرؤساء” الا لواحد وهو كمال جنبلاط”. فدار المختارة كان لها الكلمة الفصل في كل استحقاق، والمحطات التاريخية شاهدة على ذلك.

عندما سئل جنبلاط: تُريد أن تكون رئيساً للجمهورية والنظام ضيّق العين، فأجاب: “صدّف أنّ تمكنّا سنة 1952 ثمّ سنة 1958 من أن نأتي بالرؤساء، ثمّ نعزلهم، فهذه وظيفة أكبر من وظيفة رئيس جمهورية.”

فجنبلاط تمكنّ من اسقاط بشارة الخوري و”لولا كمال ما كان كميل”، فدعم جنبلاط آنذاك كميل شمعون “فتى العروية الأغرّ” لتولي سدة الرئاسة، وعبر صراحة عن ذلك حين قال ذات مرة: “قلنا لهذا كنّ، فكان، وقلنا لذاك زلّ، فزال..”

تاريخ كمال جنبلاط مع رؤساء الجمهورية بدأ مع الجنرال فؤاد شهاب، عندما انخرط بالحكم داعماً له، كما انتُخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، عندما انقسمت كتلة جنبلاط في انتخابات عام 1970 بين الياس سركيس وسليمان فرنجية، فأعطَت الغالبية لفرنجية بفارق صوت واحد.

واذا كان التاريخ يشهد لكمال جنبلاط بأنه صانع الرؤساء، فإنه يحفظ هذا الدور أيضاً، لنجله وليد، الذي يُقر خصومه قبل حلفائه، بأنه الرقم الصعب في أي استحقاق دستوري، أو كما يحلو للبعض بتسميته “بيضة القبّان” في الحياة السياسية اللبنانية.

وعلى قاعدة “جمال التسوية” يتخذّ رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط على عاتقه مهمّة “التنقيب” عن رئيس للجمهورية، كما أعلن في حديثه الصحافي الأخير سعياً لثَقْب سطح المراوحة القائم منذ أشهر.

تجربة جنبلاط الإبنّ مع رؤساء الجمهورية، أقلّه بعد إتفاق الطائف، لم تكن الأنجح، رغم أنه في كثير من الأحيان كان عرّاب التسويات وانخرط فيها وبات جزءً لا يتجزأ منها، وكان مع كتلته الصوت المُرجح في أي ّ انتخابات. لم يستثغ عسكرياً لرئاسة الجمهورية، لم ينتخب اميل لحود عام 1998، ولم يرضَ التمديد له، لكنّه، وبعد تسوية الدوحة، انتخب ميشال سليمان.

لا يُحبّذ نظرية الرئيس القوي، لكنّه احترم إرادة الكتل المسيحية ووافق على انتخاب ميشال عون رئيساً في بعبدا.

اليوم، يظن البعض أن جنبلاط يلعب في الوقت الضائع، بانتظار هبوب رياح التسوية على لبنان، الإقليمية والدولية. وهو يقود مبادرة رئاسية بلائحة من ثلاثة أسماء جوزاف عون، صلاح حنين وجهاد أزعور، بعدما أعلن الوصول الى أفق شبه مسدود مع ترشيح ميشال معوض.

يُدرك جنبلاط أن بوصلة الانتخابات الرئاسية تحدّدها التوازنات الدولية والإقليمية، الا أنه، وبانتظار مرشح “التسوية”، يبقى جنبلاط الوحيد حالياً القادر على التواصل مع كل القوى السياسية، من حزب الله الى القوات اللبنانية مروراً بالتيار الوطني الحر.

هي ليست المرة الأولى التي يعيد فيها جنبلاط خلط الأوراق ويعمل جاهداً لإجتراح التسويات الإنقاذية قبل السقوط في الهاوية. فهو يُدرك تماماً أنه من السذاجة المراهنة حالياً على المتغيّرات الإقليمية التي ستطول، وانتظار الخارج، فأخذ المبادرة باتجاه تسوية قد يُكتب لها النجاح، إذا وجد من يلاقيه في الداخل اللبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى