أخبار دولية وإقليمية

مصر خالية من الإرهاب؟

شكك عدد كبير من الباحثين في قدرة مصر على مواجهة الموجة الثانية من الإرهاب والتي ضربت البلاد بعد العام 2013، وشارك هؤلاء الباحثون بعض السياسيين الذين صوروا لنا أن هذه الموجة أقوى بكثير من الأولى التي شهدتها القاهرة في تسعينات القرن الماضي، فأظهرا الدولة بموقف الضعيف في مواجهة تنظيمات العنف والتطرف!
مصر لم تنجح فقط في مواجهة العنف ولكنها نجحت كذلك في رسم خريطة للمواجهة ضمن استراتيجية وضعتها صارت دليلاً لكل من يُريد أن يواجه هذه التنظيمات في أي مكان من الأرض، وهنا نجحت الدولة في استهداف قادة العنف وتفكيك بعض التنظيمات المتطرفة. وتبدو استراتيجية الدولة في مواجهة هذه التنظيمات العتيدة في الإجرام أكثر عقلاً وحكمة ودليلاً في الوقت ذاته على قدرتها في مواجهة العنف والتطرف بصوره وأشكاله المختلفة.
استمرت موجة الإرهاب الحالية 10 سنوات كاملة منذ أن ضربت بجذورها في البلاد بعد العام 2013، وهذا يبدو منطقياً مع طبيعة المعركة التي لا يمكن اختصارها في بضعة شهور أو سنوات قليلة، وهنا واجهت مصر الإرهاب في وقت زمني قياسي مقارنة بحجم وقوة هذه التنظيمات التي أطلّت على البلاد في ظرف تاريخي ربما زادها قوة!
ما قامت به مصر في مواجهة الإرهاب يحتاج إلى قراءة دقيقة للتجربة واستخلاص نتائجها وعرض نقاط قوتها ثم استنساخ واستدعاء التجربة في حال تكرار الخطر، ليس فقط لنجاحها، ولكن لقوتها وتأثيرها ومدى احتياج العالم إلى مثل هذه التجارب الناجحة، خصوصاً أن الإرهاب لم يعد ظاهرة محلية فقط ولكنه بات يضرب كل دول العالم أو على الأقل يؤثر فيها، وهنا تبدو أهمية التجربة الناجحة وتسليط الضوء على نقاطها الإيجابية.
مصر لم تنتصر فقط على الإرهاب ولكنها نجحت في إرساء استراتيجية أمنية وعسكرية كانت الأقوى والأكثر حضوراً بين كل النظريات الأمنية والعسكرية في المنطقة، ولا نبالغ إذا قلنا في العالم؛ فمصر كما صدّرت الإرهاب لهذا العالم، من خلال جماعات شهدت القاهرة ولادتها، فإنها رسمت خرائط مواجهتها على المستويين الأمني والعسكري ومن قبلهم على المستوى الفكري عبر عدد ضخم من الباحثين والمفكرين والمراقبين للظاهرة.
وهنا يمكن التعليق على قوة الدولة التي تستمدها من قوة جهازها الأمني القادرة على مواجهة التحديات، والإرهاب أبرزها؛ فالتنمية لا يمكن أن تتحقق من دون مواجهة الإرهاب؛ فعظمة الدول تقاس بقدرتها على الانتاج والعمل، وهما لا يتحققان إلا بعد مواجهة الإرهاب والانتصار عليه. الدولة هنا حققت الجزء الأصعب في معادلة البناء والتقدم.
نجحت الدولة في حشد المجتمع بأكمله في معركتها ضد الإرهاب، وهو أحد عوامل النجاح، فكما أن الإرهاب كان يستهدف المجتمع بأكمله وسقط الجميع ضحايا على مقصلته بعدما ضحوا بأنفسهم، فإن الدولة حشدت المجتمع وراءها أيضاً في معركة المواجهة حتى تحقق الانتصار المغلف بالأمل وباتت مصر خالية من الإرهاب.
الحملة التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعرفت باسم المجابهة الشاملة “سيناء 2018” بدأ المصريون يقطفون ثمارها وبات الأمل قريباً من هزيمة الإرهاب. صحيح لا يمكن القضاء عليه بشكل كامل؛ فظاهرة الإرهاب تقل وتختفي ولكنها تظل حاضرة بحضور الأفكار والبيئة الحاضنة لها، فالهدف الممكن تحقيقه مرتبط بحصار هذه التنظيمات وتفكيك أفكارها، ولكن هذه الأفكار لا تزال قادرة على الظهور في أي وقت طالما وجدت من يروج لها ويدافع عنها.
ونؤكد هنا أن العمل لأهداف غير ممكنة لا يمكن أن يأتي بنتائج ممكنة مهما طال الوقت ومهما بذلت الجهود في سبيل ذلك؛ منطقية الأهداف تساعد في تحقيقها، وهنا يمكن القول، إن القاهرة نجحت في تقليل مخاطر الإرهاب أو على الأقل إزالة خطره وتفكيك خلاياه النشطة والخاملة والمختبئة، وهذا هو عين الانتصار الحقيقي.
تم الوصول إلى عمق الإرهاب في الجزء الشمالي من محافظة سيناء، وتم ضرب البنى التحتية للتنظيمات الموجودة في المحافظة الحدودية وباقي المحافظات المصرية، ومن لم يتم القبض عليه من رؤوس الإرهاب لم يعد قادراً على تنفيذ أي عمل إرهابي، وما دون ذلك، فقد قطعت رؤوسهم في مشهد يُعبّر عن قوة الدولة وعظمة التوجه الذي تحمله في هذه المساحة.
لا تزال هناك خلايا لم يتم تفكيكها ولكنها بلا تأثير، فهذه الخلايا غير قادرة على تنفيذ أي عمل إرهابي حتى ولو كان محدوداً، فضلاً عن التواصل مع بعضهم، فهم مثل القنبلة منزوعة الفتيل لا صوت تحدثه ولا أثر تبقيه. أجهزة الأمن أعينها مفتوحة على هذه الخلايا ولديها القدرة على الوصول إليها إذا حاولت تنفيذ أي عمل إرهابي ربما قبل تنفيذ هذا العمل، فمجرد حركتها وتواصلها يُمكّن الجهاز الأمني من التقاطها ومن ثم استهدافها، ولعل هذا هو السبب في قرار هذه الخلايا عدم تنفيذ أي عمل إرهابي في الوقت الحالي.
خطر هذه الخلايا لا يمثل سوى 10 في المئة، وحتى هذه النسبة ليست لصالح قدرتها على تنفيذ أي عمل إرهابي ولكن لمجرد بقاء مقاتليها أحياءً بعيداً من قبضة الأمن؛ هم أحياء ولكنهم غير قادرين على التنقل فضلاً عن تنفيذ أي عمليات مسلحة. في الحقيقة هؤلاء لا يمثلون أي خطر، فهم يحاولون أن ينقذوا أرواحهم أمام المجابهة الشرسة للأجهزة الأمنية المصرية، وهذا انتصار في حد ذاته.
الجهود التي بذلتها الدولة من أجل القضاء على الإرهاب كبيرة وذات نتائج ملموسة يشعر بها كل المصريين، ولكن هذه الجهود تحتاج إلى دور المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف، ومن المهم هنا دعم هذه المؤسسات حتى تبقى مؤسسة واحدة مع إزالة الفرقة والشحناء في ما بينهم وحتى تتجمع الجهود للمواجهة الفكرية التي تمثل قرابة 67 في المئة من مواجهة الظاهرة، وحتى نستطيع أن نقول بملء أفواهنا إن مصر باتت خالية من الإرهاب.
المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى