في هذه المرحلة القاتمة، #لبنان الداخل مشرذم، الشعب ضائع في متاهة السياسة المتحكمّة، وهو في شوق كبير إلى طاقة انفراج، والاقتصاد رهينة الهزّات والجشع اللامتناهي إلى حد التلويح بمجاعة قريبة بعدما بدأت البلاد تعيش تجربة فنزويلا التي تعتبر نتيجة مباشرة لانهيار اقتصادي على المدى الطويل، وهي استثنائية من حيث الحجم وآثارها الإنسانية والديموغرافية على حدٍّ سواء؛ بسبب الهجرة الهائلة، ومعاناة سكانها من الجوع ومن فقدانهم إلى الأدوية.
كانت فنزويلا أغنى اقتصاد في أميركا اللاتينية، بفضل احتياطاتها النفطية التي يقال إنها الأكبر في العالم. ولكن، وفي ظل حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز الذي خلفه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، أدى الفساد وسوء الإدارة والمديونية الكبيرة إلى انهيار اقتصاد البلاد.
راهنت فنزويلا على النفط على حساب قطاعات اقتصادية أخرى. ونتج عن ذلك اقتصاد غير متنوّع بما فيه الكفاية، حيث يمثل النفط 90 في المئة من حصيلة صادراته، إلا ان تقلّبات الأسعار أسفرت عن انهيار عائدات الصادرات على خلفية الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، وفقدت أسعار النفط ثلاثة أرباع قيمتها في غضون بضعة أشهر فقط.
ارتفع العجز بشكل ملحوظ جداً، لأن الدولة لم تسيطر على إنفاقها.
أبعد من فنزويلا، لم تفرمل الدولة في لبنان عمليات الهدر وليس الإنفاق وحسب. وإذا كانت الأولى ركزت رهانها على الذهب الأسود، فإن المسؤولين في لبنان تمسكوا باعتمادهم على ما يدرّه الاغتراب في سنوياً حيث قدّر البنك الدولي “حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بـ6.8 مليارات دولار في العام 2022)، ليحلّ في المركز الثالث إقليميّاً، مسبوقاً فقط من مصر (32.3 مليار دولار) والمغرب (11.4 مليار دولار)”.
وبحسب تقديرات البنك الدولي أيضاً، فقد “تبَوّأ لبنان المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالميّاً (بعد تونغا، إذ بلغت نسبة هذه التحويلات 50 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي) من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، والتي بلغت 37.8 في المئة في العام 2022 (53.8 في المئة في العام 2021). كما أن متوسّط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع من ضمن دول منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا يزال عالياً جدّاً”.
الرهان على الاغتراب ليس خطأً، ولا بالتالي خطيئة. ولكنه بحاجة إلى الثقة بقيادات حكيمة شريفة تقود البلاد نحو بر الأمان، لا تنهب مدخراتهم التي أودعوها في مصارف بلدهم الأم، ولا تسرق أموالهم التي يدعمون بها أهلهم المقيمين، وبالتالي الاقتصاد الكلي.
وفق المعلومات انه في مواجهة لامبالاة السلطة الحاكمة في لبنان تجاه الانحدار السريع الذي سلكته الأوضاع، يحضَّر لمبادرة تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين HALFA في مؤتمر سيُعقد في طرابلس في آيار المقبل.
منسّى
في هذا السياق، يكشف رئيس التجمّع أنطون منسى لـ”النهار” أن “اللقاءات متواصلة للتنسيق في ما بين المشاركين في هذا اللقاء والتجمّع، وهما الجامعة العربية و”لقاء الأحد الثقافي” لتحضير ورقة عمل.
ومن أحد الأهداف الأساسية إيجاد عمل لخريجي الجامعات الشباب في لبنان والخارج مع الأولوية لتجنّب تركهم البلاد. وذلك من خلال، مثلاً، إنشاء منصّات في لبنان مرتبطة بشركات أجنبية لتحصيل الرواتب بالعملة الأجنبية، وغير ذلك من الأمور التي تحدّ من هجرة الأدمغة”.
ومن ناحية أخرى، أوصى المؤتمر الاقتصادي العالمي الأول الذي نظمّته الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في آب الماضي في لبنان، بإنشاء الصندوق الاغترابي للبنان لمساعدة اللبنانيين على تخطّي الأزمة الاقتصادية والمبني على مشاركة جميع اللبنانيين المنتشرين في العالم على أساس مساهمة مالية سنوية تقدر بـ 365 دولاراً. بعض المعلومات يشير إلى أن الخطوة الأولى للصندوق تمت بإنشائه في 6 تشرين الأول الفائت في نيويورك.
ما هي المراحل التي أنجزت لغاية تاريخه؟ وما هي الخطوات التالية؟
الصندوق الإغترابي
في المعلومات أن كلأ من الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، البروفيسور المحامي نبيه الشرتوني، والأمين العام العالمي روجيه هاني قد أنجزا اللمسات الأخيرة لإطلاق الصندوق الاغترابي بعدما أعلن عنه “خلال المؤتمر الاقتصادي لدعم لبنان”، الذي عُقِدَ في آب الماضي في بيروت، ووقّعا على الأوراق الرسميّة في “سيتي بنك”، حيث فُتِحَ حساب الصندوق ومن المرتقب أن تعلن إدارته رسميّاً في المؤتمر العالمي الاستثنائي الذي دعت إليه الجامعة في 23 و 24 و 25 من شباط الجاري في النادي اللبناني– مكسيكو سيتي. وسيحضر المومر سيدات ورجال أعمال من لبنان والعالم، ونواب وأعضاء مجلس شيوخ ورسميون، وسيكون على جدول أعماله أيضاً مناقشة وإقرار التعديلات على النظام الداخلي، التي رُفِعت إلى المؤتمر من المجلس العالمي الذي عُقِدَ في سانتو دومينغو عاصمة الدومينيكان في تشرين الفائت، وهي نتيجة النقد الذاتي الإيجابي الذي تعتمده الجامعة دائماً لتطوير أنظمتها، وتحسين أدائها الديمقراطي.
وكان الشرتوني، يرافقه الأمين العام العالمي روجيه هاني، قد التقيا مسؤولي وأعضاء الجامعة في نيويورك ونيو جرسي الأسبوع الفائت، وثمّنا الدور الذي تلعبه الجامعة في الولايتين بالنسبة للجامعة الأم وللجالية، خصوصاً وأنّ نيويورك هي مركز الجامعة الرئيسي حيث سُجلت كمنظمة عالميّة غير حكوميّة عابرة للقارات، وفي الأمم المتحدة.
كما زارا مبنى الأمم المتحدة، كون الجامعة هي عضو في منظماتها غير الحكومية، وفي مجلسها الاقتصادي والاجتماعي، واجتمعا مع مكتب الشرق الأوسط، حيث جدَّدَ الوفد موقف الجامعة المؤيِّد لاستقلاليّة القضاء اللبناني، وضرورة رفع يد السياسيين عنه، واستمرار التحقيق لنصرة الحق في جريمة انفجار المرفأ، كما لاستعادة أموال لبنان واللبنانيين المسلوبة.
والجدير ذكره، أنه سيكون هناك مداخلة لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في بيروت، السيدة يُوانا فرونِتسكا، خلال المؤتمر العالمي في المكسيك، تتحدث خلالها مع المشاركين القادمين من كُلِّ القارات عن الأوضاع والأزمات التي يعاني منها لبنان، إلى جانب الدور الذي تلعبه بعثة الأمم المتحدة في بيروت لمساعدة لبنان وشعبه.
صحيح أن دول الخارج تراقب التطورات في لبنان وتحثّ على وجوب الخروج من التراجيديا الطويلة. وإذ كان منهمكاً بأمور كثيرة أخرى داخلية وإقليمية فهو يحثّ اللبنانيين على حلّ مشاكلهم.
عاد الوفد النيابي اللبناني الذي التقى المسؤولين الأميركيين في واشنطن الأسبوع الفائت وعلى رأسهم بربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بنصيحة واحدة وهي أنه على اللبنانيين المبادرة بأنفسهم إلى حلّ عقدة انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة قادرة على توّلي مسؤولية إعادة بناء المؤسسات وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لإخراج لبنان من مأزقه.
هذه النصيحة الأميركية إلى اللبنانيين ليست الأولى ولا الوحيدة التي سمعها المسؤولون، إذ إن فرنسا الأم الحنونة، الناشطة والمتمسكّة بالورقة اللبنانية عبرّت بصراحة عن توجهّها على لسان وزير خارجيتها السابق جان إيف لودريان قبل أكثر من سنتين عندما التقى جميع المسؤولين في الدولة اللبنانية حيث قال لهم: “إن لم تساعدوا أنفسكم للخروج من الهوة، التي أوجدتم أنفسكم فيها، فلن يساعدكم أحد من الخارج”.
هذا هو موقف الدول الموحّد من الوضع اللبناني مهما اتسعت دائرة الاهتمام، ومن أهمها لقاء باريس الخُماسي، ولكن الاغتراب اللبناني ينتفض دائماً لتقديم أي معونة لبلده الأم، فهل يتلقّف المتحكمّون بالبلاد هذه اللفتة؟.