تعثر انعقاد جلسة تشريعية. لا جلسات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. مؤسسات الدولة والهيئات التعليمية في حالة إضراب وشلل تام. ارتفاع سعر صرف الدولار يكاد يؤدي إلى انهيارات في كل القطاعات، من المخابز والأفران إلى المحروقات وسائر الأسواق، وسط تهديدات بالتوقف عن العمل ما لم يتم معالجة موضوع الأسعار. المصارف مستمرة في إضرابها ولا تزال تلوح باللجوء إلى الإقفال التام. وبحال لجأت المصارف إلى الإقفال التام وتوقيف الصرافات الآلية عن العمل، فهذا سيؤدي إلى غضب شعبي قد يقارب حدود الانفجار، لا سيما أن العسكريين يتقاضون المساعدات الاجتماعية على رواتبهم في اليوم 15 من الشهر، أي اليوم الذي تهدد فيه المصارف بإيقاف صرافاتها الآلية.
برميل بارود
تكفي هذه الأسباب للإشارة إلى أن لبنان يقف على برميل بارود قابل للاشتعال أو الانفجار، حتى أن تجار الدولار وصرافي السوق السوداء لم يعودوا قادرين على اللحاق بسعره، فيمتنعون عن بيعه، والتجار غير قادرين على التسعير والاستمرار. كل هذه الوقائع يمكنها في لحظة أن تستحيل انفجاراً شعبياً غير محسوب، أو ربما محسوب وبدقة، لا سيما في ظل النزاع القضائي المستمر حول آلية التعاطي مع المصارف. فهل هذا كله سيقود إلى تصاعد وتيرة الاحتجاجات والتحركات الشعبية، قد تؤدي إلى نوع من التوترات الأمنية، تفرض إيقاعاً سياسياً مختلفاً يقود القوى السياسية الى السعي الجدي للوصول إلى تسوية؟
لا مواعيد
ما يعزز هذه النظرية هو تسارع الحركة الديبلوماسية التي يقوم بها سفراء الدول الخمس، التي اجتمعت في باريس للبحث في الملف اللبناني. وبعد جولة السفراء، فإن كل سفير سيتحرك باتجاه القوى السياسية التي يرتبط معها بعلاقات جيدة، للبحث في مسار خطة العمل أو خريطة الطريق للوصول إلى تسوية سياسية، تنتج رئيساً للجمهورية وحكومة منسجمة معه. يفترض بالسفراء وبعد الإنتهاء من هذه الجولة والمباحثات مع الأفرقاء السياسيين، أن يعملوا على إعداد تقارير وموافاة عواصمهم بها، ليتقرر بعدها إذا ما سيعقد اجتماع ثان على المستوى نفسه أو على مستوى أعلى.
على وقع هذا التحرك تقول مصادر ديبلوماسية مواكبة لحركة السفراء أن اللقاءات التي عقدوها كانت إيجابية، وأنه في حال كان التعاطي جدياً من قبل المسؤولين السياسيين في لبنان، فبالإمكان الوصول إلى تسوية والاتفاق على رئيس خلال فترة قصيرة. وقد يكون ذلك خلال ثلاثة أشهر. وهنا تعيد المصادر التشديد على فكرة ضرورة انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة قبل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فيما مصادر لبنانية تقلل من أهمية هذا الكلام، لأنه في لبنان لا يمكن التسليم بضرب المواعيد ولا باحترامها، خصوصاً في السياسة.
تلويح بعقوبات
وتشير المصادر الديبلوماسية إلى أن لقاء السفراء الخمس مع برّي كان إيجابياً، وأكد برّي أنه حريص على انتخاب رئيس سريعاً، ولذلك دعا إلى الحوار. وانه يريد رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة يلتزمان باتفاق الطائف. وهذا يعني التزام الطائفة الشيعية بالطائف. وتؤكد المعلومات أن برّي تقصّد تمرير مواقف إيجابية للمملكة العربية السعودية، وحتى أن كلام الديبلوماسي السعودي فارس العامودي لبرّي كان إيجابياً، وقال إن هناك تعويلاً على دور برّي في الوصول إلى تسوية.
وتشير المعلومات إلى أن السفراء كانوا واضحين في إمكانية اتخاذ إجراءات أو فرض عقوبات بحق من لا يلتزمون بتسهيل الاتفاق ويعرقلون انتخاب الرئيس. وتفيد المعلومات بأنه لم يتم التداول بأي أسماء، ولكن جرى رسم ملامح ومواصفات معينة، أبرزها أن يكون الرئيس توافقياً ومتوازناً، ولا يشكل غلبة لطرف على الآخر، وقادر على استعادة علاقات لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي.
وتشير المصادر إلى أن هذا المسار يحتاج إلى مزيد من الوقت ليتبلور، ويتوقف على مدى استعداد المسؤولين اللبنانيين للتجاوب معه، لا سيما أن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل في ظل كل الأزمات التي يعيشها، والتي أصبحت قابلة للانفجار.