لا شكّ في أنّ اتفاقية إعادة تطبيع العلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية وإيران شكّلت محطّة مفصليّة في مسار أحداث المنطقة وستكون لها انعكاسات وازنة في كفة ميزان الاستقرار الإقليمي، ولا شكّ أيضاً في أنّ إعلاء لغة الحوار واحترام الأطر الديبلوماسية الناظمة للعلاقات الطبيعية بين طهران والسعودية وسائر الدول الخليجية والعربية على قاعدة “حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية” هو الغاية المرجوة في نهاية المطاف لعقلنة الجموح الإيراني ولجم نزعته التخريبية على امتداد الخارطة العربية… لكنّ إعطاء مشهدية اتفاق السعودية مع إيران في بكين أمس أبعاداً مفتعلة تخرج عن جوهر الاتفاق وغاياته الفعلية، والرهان على أن تُحدث تشعباتها تشققات ارتدادية على الأرضية السيادية والوطنية اللبنانية لصالح تكريس سطوة محور الممانعة والفريق الذي يدور في الفلك الإيراني في لبنان، لا يعدو كونه رهاناً واهماً سرعان ما ستبدده الوقائع والتطورات في الأمد المنظور… والبعيد.
فما أن أُعلن نبأ توقيع “اتفاقية بكين”، حتى سارعت أوساط الثامن من آذار إلى التهليل لها والتعويل عليها انطلاقاً من قراءات وتحليلات تدغدغ آمالها بأن تشكل هذه الاتفاقية انتصاراً لمحور على آخر في لبنان لا سيما في تحديد مصير الملف الرئاسي، غير أنّ تعليق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لم يتأخّر في تبديد أي أضغاث أحلام لبنانية رئاسية ناتجة عن اتفاق بلاده على استعادة العلاقات الديبلوماسية مع إيران، بتشديده على أنّ “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني – لبناني لا إلى تقارب سعودي – إيراني، وعلى ساسته أن يقدموا مصلحة وطنهم على أي مصلحة أخرى”.
وفي المقابل، قارب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته المتلفزة أمس توقيع اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران من زاوية المراهنة على هذا الاتفاق بوصفه “تحوّلاً جيداً إذا سار في المسار الطبيعي فسيفتح آفاقاً في كل المنطقة ولبنان”، من دون أن يفوّت الفرصة للاستعلاء والتهكّم على الفريق السيادي في البلد بقوله: “في ناس في لبنان بدهم يزعلوا ورح يبلشوا يحكّوا بقرعتهم، أما نحن فسعداء وثقتنا كبيرة بأنّ الاتفاق لن يكون على حسابنا ولا على حساب اليمن ولا على حساب المقاومة لأننا نثق بأنّ أحد طرفيه، أي الجمهورية الإسلامية في إيران، لا يخلع صاحبه”، معرباً عن ثقته كذلك بأنّ “سوريا ستبقى في قلب محور المقاومة، والانفتاح العربي عليها ليس سوى اعتراف بنصرها وإعلان عن اليأس (…) والتحولات الدولية في المنطقة تؤشر إلى أن الحصار على اليمن وسوريا ودول المنطقة سيُكسر”.
وبدوره، بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التذكير بأنه كان أول من طالب بـ”لمّ الشمل في المنطقة وخصوصاً على مستوى العلاقات السعودية – الإيرانية”، مشدداً كما نقل عنه نائبه السابق إيلي الفرزلي على أنّ عودة العلاقات بين البلدين “قد تنعكس خيراً على المنطقة برمتها”. وكشفت مصادر واسعة الاطلاع أنّ برّي يُعد العدّة لزيارة الرياض في الفترة المقبلة إذا سمحت له الظروف بالقيام بهذه الزيارة، موضحةً أنه يرمي من ورائها إلى محاولة لعب “دور ما” يتيح تقريب وجهات النظر بين فريقه السياسي بقيادة “حزب الله”، وبين المسؤولين السعوديين، حيال سبل حل الأزمة اللبنانية بدءاً من الاستحقاق الرئاسي.
ومن جهته، لم يتأخر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في ركوب “الموجة” الإقليمية، بتغريدة هلّل بها لإعادة تطبيع العلاقات الإيرانية مع السعودية، قائلاً: “أخيراً حصل ما كان يجب ان يكون: اتفاق السعودية وايران، وقريباً سوريا، وهو ما سيحدث موجة استقرار في المنطقة تطال لبنان؛ اللهمّ نجّنا من مخرّبيه”.