اقترن إعلان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في الثاني من مارس (آذار)، ثم الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في السادس من مارس ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية مع قناعة لدى “الثنائي الشيعي” أنه بإمكانه تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً كي ينتخب رئيساً للجمهورية، على أن يتم العمل على ضمان نصاب الثلثين من أعضاء البرلمان الـ128 لتخرج نتيجة التصويت على هذا الشكل.
منذ حينها أخذت القوى السياسية سواء المؤيدة لفرنجية أو المعارضة له تضرب الحسابات حول أعداد النواب الذين يمكن أن يؤيدوا هذا الخيار أو يعارضوه، بعد أن فرزت الجلسات الإحدى عشرة التي عقدها البرلمان من أجل انتخاب الرئيس أصوات الكتل المتعددة والمشتتة، من دون أن يتمكن أي فريق من تأمين الأكثرية وحتى نصاب الثلثين.
احتساب الثنائي الأصوات لفرنجية
“الثنائي الشيعي” وحلفاؤه كانوا يسقطون النصاب بالانسحاب من الجلسات بعد الدورة الأولى من الاقتراع منعاً لحصول مفاجأة أو صفقة ما تحت الطاولة تقود إلى فوز مرشح القوى السيادية رئيس حركة “الاستقلال” النائب ميشال معوض بـ65 صوتاً.
بعد قرار “الثنائي” التخلي عن صيغة الورقة البيضاء في التصويت خلال الجلسات الإحدى عشرة السابقة وترشيحه فرنجية بات التحدي عليه ضمان نصاب الثلثين (86 نائباً)، إضافة إلى الأكثرية المطلقة (65 صوتاً). وخضعت الحسابات حول ذلك لتناقضات وتباينات بين ما يتوقعه “الثنائي” وما يفترضه الفريق السيادي والمستقلون.
ومنذ إعلان بري ونصر الله ترشيح فرنجية برز السؤال حول تعداد الفرقاء الأصوات لمصلحته، وأصوات منافسه، سواء بقي النائب معوض مرشحه أم اختار الفريق الآخر غيره لمنافسة رئيس “المردة”، في حال دعي البرلمان إلى جلسة الانتخاب الثانية عشرة.
اتفاق بكين يداهم حسابات الفرقاء
داهم الحدث الكبير والمفصلي بصدور البيان السعودي – الإيراني – الصيني حول اتفاق الدول الثلاث على استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد شهرين حسابات الجميع حول انتخابات الرئاسة اللبنانية. فالثنائي بنى الأرقام المحتملة العائدة لفرنجية على أن هناك تسويات إقليمية مقبلة، وأنها ستأتي لمصلحته، ولا بد له من أن يستبقها أو أن يواكبها بإعلان ترشيحه كي يوظف الرياح الخارجية لمصلحته في إعادة تكوين السلطة في البلد. والفريق المقابل، أي السياديون والمستقلون، أدخل في حساباته المضادة أن التطورات الإقليمية لا تسمح بالمجيء برئيس موال للثنائي، يتم تصنيفه على أنه يمثل محور الممانعة.
وفي انتظار اتضاح الرؤيا ومعرفة كيف سينعكس اتفاق بكين الذي شكل معطى جوهرياً لا بد من أن يتأثر به لبنان، ومعرفة حسابات أي من الفريقين اللبنانيين العريضين ستصيب أو تخطئ، أم أن حساباتهما معاً ستكون معاكسة، تبقى تقديراتهما على حالها. وفي اعتقاد معظم الأوساط السياسية القيادية أنه من المبكر توقع ما سيفرزه هذا التطور على الصعيد الداخلي.
تعداد “الثنائي” أصوات فرنجية
قبل هذا الحدث الإقليمي المهم وبعده جاء تعداد الأصوات أقرب إلى التوقعات السياسية. فحين أعلن الرئيس بري أن فرنجية “مرشحنا” قال في الوقت نفسه إنه حصل على 63 صوتاً، ما يقربه من أكثرية النصف زائداً واحداً أي الـ65 صوتاً. إلا أن هذا الرقم استند إلى قرار “الثنائي” وحلفائه اعتماد الورقة البيضاء من الجلسة الأولى في 29 سبتمبر (أيلول) وهو تقلص تدريجاً في الجلسة الحادية عشرة في 19 يناير (كانون الثاني) إلى 37 صوتاً، من دون أن يقترع أي من النواب الـ128 لفرنجية، إذ إن بري في هذا الرقم بين أصوات الثنائي وحلفائه، وبين أصوات مستقلين وبعض النواب التغييريين المعارضين لفرنجية ولمعوض، وكذلك أصوات نواب “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل الذي يرفض ترشيح رئيس “المردة” منذ ما قبل انتهاء ولاية عمه الرئيس السابق العماد ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهذا ما تسبب بخلاف قارب الطلاق مع حليفه “حزب الله”. فعدد نواب “التيار الحر” 17 نائباً بعد أن افترق عنه نواب حزب “الطاشناق” الأرمني الثلاثة، وأحد نواب عكار الحلفاء، محمد يحيى. ويصعب احتساب تصويت هؤلاء بالورقة البيضاء في خانة فرنجية. وفي الجلسة الأخيرة حصد معوض 34 صوتاً.
استند تعداد الفريق المؤيد لفرنجية إلى اتصالات أجراها “حزب الله” مع بعض النواب والكتل الصغرى بحيث يستطيع ضمان 31 صوتاً من كتلتي نواب “الثنائي” الشيعة (27) زائد النواب الأعضاء في الكتلتين، وهم ثلاثة من السنة ومسيحي واحد. يضاف إلى هؤلاء نواب “الطاشناق” الثلاثة، والنواب الأربعة الذين تتشكل منهم كتلة فرنجية نفسها، ونائبا “جمعية المشاريع الإسلامية” (الأحباش)، زائد بعض النواب السنة الموالين لقوى الممانعة، ليصبح عدد هؤلاء 47 نائباً.
المراهنة على جذب أصوات من “التيار الحر”
تقول أوساط الفريق المؤيد لفرنجية إن الرئيس بري و”حزب الله” يراهنان على عدد من العوامل لزيادة عدد الأصوات لمصلحة فرنجية كالآتي:
– يسعى “الحزب” بعد تفاقم الخلاف بينه وبين النائب باسيل إلى اجتذاب عدد من نواب تكتل “التيار الحر” إلى جانب فرنجية، قد يصل إلى ثمانية نواب. فهناك ثلاثة أعضاء في تكتل نواب “التيار” نجحوا بأصوات “الحزب” في البقاع الغربي والبقاع الشمالي وبيروت، كما أن عدداً من النواب الآخرين المناهضين لنهج باسيل داخل “التيار الحر” يمكن أن يفترقوا عنه في انتخابات الرئاسة، بحيث يصبح عدد الذين يمكن أن يصوتوا لفرنجية من “التيار” سبعة إلى ثمانية. وكان الخلاف بلغ حد التخاطب العلني المكشوف بين نصرالله وباسيل، فقال الأول إن التفاهم بين الجانبين لا يشمل انتخاب رئيس الجمهورية وإن لكل منهما أن يرشح من يريد وينتخب من يريد، رافضاً أن يفرض عليهم رئيس من الخارج. فرد باسيل بإعلان “عدم قبول أن يفرض علينا أحد من الخارج أو من الداخل قراره”.
وفي أقصى الحالات، وحتى لو نجح “الحزب” في جذب بعض نواب “التيار” فإن ارتفاع عدد مؤيدي فرنجية لا يتجاوز الـ55 نائباً، في هذه الحال. وهو أمر يشكك به نواب في “التيار الحر” فقال أحدهم لـ”اندبندنت عربية” إنه يجري التداول في الإعلام بأن “الحزب” يريد إقناعهم بضمن نصاب الثلثين، فيما هو لم يتمكن من تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً لخيار فرنجية.
وراجت أنباء قبل أيام بأن مساعي اجتذاب نواب من “التيار الحر” قد تؤدي إلى فرط كتلته النيابية، مما يدفع باسيل إلى استدراك الأمر بأن يرضخ لخيار الاشتراك بتأمين نصاب الثلثين لتجنب انفراط كتلته النيابية، لكنه على رغم ذلك عاد فرد على نصرالله برفضه أن يفرض أحد عليهم قراره.
علاقة بري مع جنبلاط
– يراهن “الثنائي الشيعي” على أن تثمر جهود بري مع صديقه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط تغييراً في موقفه بعد أن أيدت كتلة “اللقاء الديمقراطي” (ثمانية نواب) المرشح ميشال معوض على مدى 11 جلسة. وفيما يتفاءل مناصرو فرنجية بذلك (يصبح عدد مؤيديه 63 نائباً)، قالت مصادر مطلعة على موقف رئيس “الاشتراكي” إنه شخصياً يميل إلى الاعتقاد أن فرنجية أفضل من مرشحين آخرين كان يمكن لـ”الحزب” أن يدعمهم، نظراً إلى أنه يحترم التوازنات اللبنانية خلافاً للرئيس السابق عون وصهره باسيل، لكنه في الوقت نفسه يأخذ في الاعتبار ميلاً قوياً لدى الشباب في حزبه نحو رفض رئيس حليف لـ”حزب الله” نظراً إلى انعكاسات ذلك السلبية على معالجة الأزمة السياسية الاقتصادية في البلد وإلى رفض دول تشترط ابتعاد السلطة عن التحالف مع “حزب الله” من أجل مساعدة لبنان. ونقلت المصادر هذه عن جنبلاط قوله إنه على رغم قناعته بسيئات استمرار الفراغ الرئاسي، فإنه لن يقترع لفرنجية، كما أن المصادر القيادية في “الاشتراكي” تذكر بأن جنبلاط دعا إلى تسوية على الرئاسة تستبعد فرنجية ومعوض، وأنه متمسك بتلك المبادرة التي ناقشها مع بري.
احتساب النواب السنة المستقلين
– يحتسب المقربون من “الثنائي الشيعي” عدداً من أصوات النواب السنة المستقلين أو الذين يدورون في فلك الحريرية السياسية، على أنهم سينسجمون مع خيار فرنجية، لأن أياً منهم لم يصوت لصالح مرشح أحزاب “القوات اللبنانية” و”الاشتراكي” و”الكتائب” وسائر النواب المسيحيين “السياديين” والمستقلين. وبلغ عدد هؤلاء سبعة إلى ثمانية نواب بين الشمال (كتلة الاعتدال الوطني) وبيروت (نبيل بدر). إلا أن النائب الأرثوذكسي في كتلة الاعتدال سجيع عطية صرح بأن الكتلة لن تنتخب مرشحاً إذا كان هناك رفض عربي له، كما أن “الثنائي” يحتسب أصوات بعض النواب المسيحيين المستقلين.
يخضع احتساب الأصوات النيابية لكثير من التقديرات المتناقضة والملتبسة والتمنيات، لا سيما في ظل قرار من الأحزاب السيادية بالعمل على تعطيل نصاب الثلثين في حال نجح “الثنائي الشيعي” في تأمين أكثرية 65 نائباً لفرنجية، للحيلولة دون انتخابه، كما أعلن رئيس “القوات” سمير جعجع و”الكتائب” سامي الجميل.