تحليل السياسات

“التوجه شرقاً حافل بالمخاطر”.. لبنان اقتصادياً لا يملك مقوّمات الانخراط في “طريق الحرير”!

باولا عطيّة_موقع هنا لبنان

 

 

شعار التوجه شرقاً خضع لنقاشات طويلة في لبنان في السنوات الماضية ولم يحظَ بإجماع لبناني على اعتبار أنّ هذه الدعوات للتوجه شرقاً ظاهرها اقتصادي فيما مضمونها الحقيقي سياسي.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبناطريق الحريرن”:

عادت مسألة توجّه لبنان شرقا إلى الواجهة من جديد، حيث جدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير طرحه بالانفتاح على الصين بانتظار الخطّة الاصلاحيّة للحكومة، كطريقة لتقوية الليرة اللبنانيّة عبر جلب الاستثمارات، لافتاً إلى أنّ “المستثمر الصيني جاهز للاستثمار وبدء مشاريع بـ 12 مليار دولار في لبنان”، مستشهداً بالمملكة العربيّة السعودية التي “دعت الرئيس الصيني إلى الرياض وعقدت 3 قمم مع الصين، لتصل استثماراتها مع هذه الأخيرة إلى مئات مليارات الدولارات”، سائلاً “الصين جاهزة للاستثمار في لبنان، لماذا الأبواب موصدة؟ هذا الأمر يحتاج فقط إلى قرار وشجاعة سياسية”.
وعلى الرغم من أنّ المقارنة بين السعودية ولبنان لا تجوز، حيث يتخطى حجم اقتصاد السعودية حاجز التريليون دولار، ما يجعلها تملك مقوّمات إقتصاديّة عالية، فيما يرزح لبنان تحت أقصى أزمة اقتصاديّة في تاريخه جعلت من دينه العام يصل إلى 40 مليار إذا ما احتسب وفق سعر منصّة صيرفة، إلاّ أنّه لا بدّ من التساؤل حول التداعيات التي قد تنتج عن انفتاح لبنان على الصين وإذا ما كان للبنان دور في طريق الحرير الجديد؟

ما هو طريق الحرير الجديد؟
هو خطّ تجاري برّي وبحري تهدف الصين إلى إعادة إحيائه، منذ العام 2013، لتنشيط حركاتها التجاريّة مع دول العالم، علما أنّ هذا الخطّ كان موجوداً من 200 عام قبل الميلاد وتوقّف بعد سيطرة الدولة العثمانيّة على طرق التجارة، ويعرف اليوم بخطّ الحزام والطريق. يجري الاستثمار بهذا المشروع بمليارات الدولارات في البنى التحتيّة وعمليات التطوير والإنشاء من طرق وسكك حديد ومطارات وموانئ ومدن صناعيّة. ومن أكبر الدول العربيّة الداعمة لهذا المشروع والمرحّبة به نذكر قطر التي شاركت في منتدى طريق الحرير في جورجيا عام 2017، وسوريا التي شاركت في مؤتمر “حزام واحد.. طريق واحد”، في العاصمة الصينية بكين، في العام 2018، كما كان للبنان حصّته من هذا المؤتمر الذي عقد في لبنان برعاية رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي استضافه في مقر اتحاد الغرف العربية في عام 2017.
ينطلق الطريق البري من الصين مرورًا بكازاخستان وإيران وتركيا، ثم إلى روسيا، وصولًا إلى ألمانيا وإيطاليا وهولندا.
بينما يبدأ الطريق البحري من الصين إلى فيتنام وماليزيا والهند ويكمل طريقه باتجاه سيريلانكا وكينيا، ليصل إلى اليونان وإيطاليا.
البعض يرى في هذا المشروع أهدافاً صينيّة للسيطرة على العالم والتوسع الاقتصادي، فيما البعض الآخر يصفه بالنفوذ الإيجابي الذي لا يصطدم ومصالح الدول الأخرى ويحترم مقدسات الشعوب وثقافاتها.

اتفاقيات “طريق الحرير” اللبنانية الصينية بدأت ولكن..
تربط لبنان والصين ثلاث اتفاقيات بشأن طريق الحرير وقّعت في مؤتمر “مشروع حزام واحد وطريق واحد في لبنان: مؤتمر طريق الحرير” عام 2017 وهي:
اتفاقية تعاون بين اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان وغرفة التجارة الدولية لطريق الحرير.
اتفاقية تعاون بين اتحاد الغرف العربية وغرفة التجارة الدولية لطريق الحرير
اتفاقية تعاون بين مجلس بلدية بيروت وتحالفات الأمم المتحدة لطريق الحرير القارية والبحرية.
بالإضافة إلى:
مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة الجمهورية اللبنانية حول “الترويج المشترك للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين.
واتفاقية تعاون وقّعها رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رئيس بلدية طرابلس في تشرين الثاني 2017 مع وفد صيني أممي كبير لإحياء طريق الحرير القارية والبحرية. (كان هناك اهتمام صيني لانضمام طرابلس إلى تحالف مشروع الحرير، على أن يتمّ توسيع المرفأ وزيادة الاستثمارات فيه والتفكير جديّاً بتشغيل مطار القليعات وإعادة إحياء محطات القطار وسكك الحديد).
وكان صندوق طريق الحرير يرصد نحو 50 مليار دولار للاستثمار في الدول الواقعة على “خط طريق الحرير”، ومنها ملياران دولار للبنان.
إلاّ أنّ هذه الاتفاقيات جميعها كانت في عام 2017 أيّ قبل ثورة 17 تشرين التي اندلعت في آخر عام 2019، ورافقها دخول لبنان في نفق الإنهيار الاقتصادي، وقبل انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 وجائحة كورونا.
ما يعني أنّ العوامل الاقتصاديّة والأمنيّة التي ساهمت في إحياء هذه الاتفاقيّات بين البلدين تبدّلت، بل لم تعد موجودة اليوم. ما أدّى إلى تراجع الاهتمام الصيني بلبنان بعد أن كانت الصين تسعى لجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية ولعبورها إلى المنطقة عبره، بحسب تصريح سابق لرئيس غرفة طريق الحرير للتجارة الدولية لو جيان تشونغ.

الصين غير مهتمة بالاستثمار في لبنان
وهو ما يؤكّده الكاتب السياسي طوني أبي نجم في حديثه لموقع “هنا لبنان”، قائلاً “لم نرَ أي اقتراح صيني للاستثمار في لبنان، إن كان في معامل الكهرباء أو في إعادة إعمار مرفأ بيروت، على الرغم من العروض التي تقدّمت بها دول أوروبيّة كألمانيا وفرنسا. حتى أنّ السفير الصيني في لبنان، أعلن عن عدم اهتمام الصين بالاستثمار في لبنان في هذه الظروف”، بحسب نجم الذي ذكّر بأنّه “عندما وضعت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على إيران، كانت الشركات الصينيّة أوّل من أقفل أبوابه في إيران”.
وأوضح أبي نجم أنه “وبحسب ما نقرأه في التقارير الصحافيّة الأجنبيّة، يبدو أنّ لبنان لا يقع على خطّ “طريق الحرير” الذي تسعى الصين إلى تعبيده. حيث أنّ الخطّ الأّول يصل إلى تركيا بدون المرور بلبنان وسوريا، والخط الثاني يمرّ من أوروبا إلى روسيا”. سائلاً: “كيف تكون الصين مستعدّة للاستثمار في لبنان، إذا ما كان الغرب نفسه يخشى الاستثمار في لبنان بسبب وضعه الأمني والاقتصادي؟ ”
وشدّد على “عدم امتلاك لبنان القدرات أو المقوّمات الاقتصاديّة التي تسمح له بإحياء علاقات تجاريّة مع الصين، فالسوق اللبنانية لا تعني شيئا للصين، التي تختصرها بشارع من شوارعها، على عكس كلّ من الأسواق الأميركيّة التي تتضمّن 390 مليون نسمة، والأوربيّة التي تحوي الملايين، هذا وتملك هذه الدول قطاعات اقتصاديّة قويّة تدعمها الحكومة، تسمح لها ببناء علاقات تجاريّة ودوليّة قويّة”.

التوجه شرقاً عواقبه قاسية
من جهته يرى الكاتب والخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أن “مسألة التهاون مع الصين أو الدول التي تنتمي إلى ما يعرف بالمحور الشرقي ومنها روسيا وإيران كانت مطروحة منذ سنوات وشعار التوجه شرقاً خضع لنقاشات طويلة في لبنان في السنوات الماضية وطبعاً هذا الموضوع لم يحظَ بإجماع لبناني على اعتبار أن هذه الدعوات للتوجه شرقاً ظاهرها اقتصادي فيما مضمونها الحقيقي سياسي. بالإضافة إلى المخاطر بهذا الأمر على اعتبار أن التعاون مع الصين سيؤدي إلى التعاون مع إيران أيضاً التي تمثل قوى إقليمية في محور الشرق وكانت هناك مخاطر عقوبات تعيق هذا التوجه”.
ويشير إلى أن “العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية قائمة بين لبنان والصين ولكن الدعوات إلى المزيد من الانفتاح والتعاون وجذب الاستثمارات الصينية إلى لبنان هي الإشكالية التي تحتمل النقاش وهو ما طلبه بوضوح نصرالله”.
ويشدد على أنه “وإن كانت لهذا الموضوع مخاطر في السابق فاليوم قد أصبحت أكبر. حيث أن المخاطر السابقة كانت ترتبط بكيفية انعكاس انفتاح من هذا النوع على العلاقات اللبنانية الأميركية وهذا الخطر ارتفع اليوم، لأننا نشهد صراع محاور. حيث يتبين في الخريطة الجيوسياسية أن الصين تتمركز مع روسيا والدول المؤيدة لإيران في محور الشرق بمواجهة محور الغرب ما يعني أننا أصبحنا في حرب محاور”، سائلاً: “هل من مصلحة لبنان بهذا التوقيت الدخول بأحد المحاور؟”
ويختم “إذا كنا نأخذ السعودية نموذجاً، فالسعودية تملك قدرات تسمح لها كدولة بحماية نفسها وتجذب استثمارات اقتصادية صينية إليها دون المجازفة بعلاقتها مع أميركا. أما لبنان فهناك شكوك تدور حول مدى إمكانيتنا أن نحذو حذو السعودية خصوصاً وأن اقتصادنا الحر أصبح مهدداً وهناك أطراف تسعى إلى تغيير وجهة لبنان. لذلك لا أعتقد أن لدينا مصلحة بالانفتاح الإضافي باتجاه الصين لأن العواقب قد تكون قاسية وسلبية وبدل السعي لتحسين الوضع قد نكون نوجه البلاد لمكان آخر أشد صعوبة مما هو عليه اليوم”.

تحذير من البنك الدولي
وكان البنك الدولي قد أعدّ تقريرا في حزيران 2019 تحت عنوان “اقتصادات الحزام والطريق” أكّد فيه على “ضرورة إجراء الصين والدول التي يمر عبرها مشروع “طريق الحرير الجديد” إصلاحات في سياساتها وتحسين الشفافية وتوسيع التجارة والتخفيف من المخاطر البيئية وتلك المرتبطة بالفساد”، محذّراً “من احتمال خطر التسبب بزيادة الديون والفساد في حال لم يتم إدخال تعديلات على الخطة”.
وأوضح أن “نحو ربع هذه الاقتصادات يعاني أساساً من مستويات دَين مرتفعة وتزداد مكامن الضعف المتوسطة الأمد بالنسبة إلى بعضها”.
وذكر أن “مشاريع البنى التحتية الكبيرة تنطوي بطبيعتها على مخاطر إذ بإمكانها أن تتسبب بالفساد وبإخفاقات في عمليات الاستحواذ الحكومية”.
واستنتج البنك الدولي أن “معظم العقود المرتبطة بالمبادرة ممنوحة لشركات صينية رغم محدودية المعلومات المتوافرة”.
وفي الإطار نفسه، أشار تقرير نشرته “فورين بوليسي” في تشرين الأول 2020 إلى أن “بكين تتعمد إغراء البلدان الفقيرة بديون لا يمكن تحمّلها لتمويل مشاريع البنية الأساسية، ما يسمح لها بالاستيلاء على هذه الأصول عندما يعاني المستفيدون من الديون من الضائقة، الأمر الذي قد يمنح الصين امتداداً استراتيجياً واسعاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى