اعد المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون والباحث الاقتصادي العام في الوزارة بسام جوني دراسة عن «الحضور الصيني في منطقة شرق المتوسط (الاسباب والتداعيات) فتتحدث الدراسة عن تطور مشروع طريق الحرير وركائز التقارب الصيني العربي والصراع الصيني الاميركي والاتفاقيات التجارية المتعددة الاطراف وخصوصا العلاقات الاقتصادية الصينية السعودية والعلاقات الاقتصادية الصينية اللبنانية.
بدأت العلاقات اللبنانية – الصينية في العام 1955 حيث تم توقيع أول اتفاقية تجارية بين لبنان والصين. وقد شهدت العلاقات التجارية بين لبنان والصين تطوراً كبيراً، فأصبحت الصين من بين أكبر الشركاء التجاريين للبنان، إذ بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى لبنان حوالى 2.675 مليار دولار عام 2022 (الجمارك اللبنانية ). وأما قيمة صادرات لبنان إلى الصين فبلغت حوالى 15.548 مليون دولار أميركي عام 2022 (الجمارك اللبنانية ).
مميزات لبنان الاستراتيجية
• شريك أساسي وفاعل في مبادرة «الحزام والطريق»، ومن المرتقب ليس فقط وضع لبنان على خارطة طريق الحرير، لا بل شق هذه الطريق عبر لبنان للاستفادة من موقعه الاستراتيجي.
• يمتلك دوراً مميّزاً على طريق الحرير، والصين مهتمة بجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية الصينية، ولعبور الصين إلى المنطقة عبره، ومحطة لعبور الصين إلى سوريا والعراق بهدف إعادة الإعمار وهذا كان عاملاً أساسياً للحماس الصيني٬ كما الحماس الأوروبي٬ بين عامي 2018 و2019 للمشاركة في مشروع المناطق الصناعية الذي وضعته واطلقته وزارة الصناعة في حينه قبل الأزمات المتلاحقة إضافة إلى مشاريع اخرى (الطاقة البديلة- الاستثمار الصناعي-الذكاء الاصطناعي…) .
• للبنان موقع جغرافي هام جداً فهو نقطة عبور أساسي باتجاه دول الشرق العربي من جهة وباتجاه دول أوروبا من جهة أخرى.
• يمتلك إمكانات هامة، كالعنصر البشري اللبناني المثقف والخبير والمدرّب والقطاع المصرفي المتطور (بمعزل عن الأزمة النقدية والمالية الحالية )، بالإضافة إلى انفتاح لبنان على جميع دول العالم (باستثناء الكيان الصهيوني)،
• بلد نفطي يستعد للانضمام إلى الدول المنتجة للنفط. وهذا يعني إمكان وجود تقاطعات اقتصادية وتجارية كبيرة بين الصين ولبنان .
• الانتشار اللبناني في العالم مصدر تسويق مهم وإيجابي للاقتصاد الصيني.
في 16 كانون الثاني 2018، تم اختيار بيروت مقراً لممثلية المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية أو ما يعرف بـ China Council for the Promotion of International Trade (CCPIT) ، التي ستغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وجاء اختيار لبنان بسبب نظامه الاقتصادي الحر، وموقعه الاستراتيجي كمركز تجاري مهم في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة الى التسهيلات اللوجستية التي قدمتها للمجلس مجموعة فرنسبنك لتسهيل مهمته في لبنان. وتجدر الإشارة الى أن للمجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية 30 ممثلية في العالم، وتكمن وظيفته في تطبيق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، وتشجيع التجارة الخارجية، والاستثمار الثنائي، والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي.
تأسس المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في تشرين الأول 2014، حيث وقعت الصين مع 21 دولة أخرى على مذكرة تفاهم لتأسيس المصرف. وجاء إنشاء المصرف كاستجابة لفجوة التمويل الكبيرة في البنى التحتية في آسيا. إنضم لبنان في 26 حزيران 2018 إلى المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) . وكشف المصرف أن عضوية لبنان الرسمية ستبدأ بعد استكماله الإجراءات المطلوبة ودفعه أول جزء من رأس المال إلى المصرف. إن انضمام لبنان إلى هذا المصرف، الذي سيكون للصين فيه أكبر مساهمة بحصة تبلغ حوالى 50 %، سيسمح له بأن يستفيد من مصادر تمويل جديدة نظراً الى السيولة الكبيرة التي يتمتع بها المصرف ولقدرته على تمويل مشاريع بنيوية هامة.
الجدير بالذكر أن سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان ، لم تعد محصورة بالسياسة والمحاورالإقليمية بل تتعداها الى النأي بالنفس عن الصراع الأميركي ـــ الصيني، فعلى رغم انضمام سبع دول عربية الى المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، فان لبنان لم يعتبر نفسه معنياً بالانضمام الى هذا المصرف رغم حاجته الماسة الى تطوير بنيته التحتية.
في 11 أيلول 2017 ، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة الجمهورية اللبنانية حول «الترويج المشترك للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين». وتنصّ المذكّرة على تعاون الجانبين في مجالات ذات اهتمام مشترك منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية، والاستثمار والتجارة، والطاقة والطاقة المتجدّدة والتبادل الثقافي بين الشعوب، والصحة والرياضة. كما تمّ التوقيع على اتفاقيتين للمنطقة الاقتصاديّة الخاصّة في طرابلس مع غرفة التجارة الصينيّة ومنطقة نينشوان التكنولوجيّة.
بتاريخ 30 آذار 2019 وخلال مشاركة وزير الصناعة في افتتاح منتدى الاستثمار الصيني- اللبناني الّذي نظّمته مجموعة «فرنسبنك» واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان والمجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية، في مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي، تم توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية ممثّلًا برئيسته غاو يان وإتحاد الغرف اللبنانية لإنشاء مركز التحكيم العربي الصيني، وتوقيع مذكرة تفاهم أُخرى بين المجلس و وزارة الصناعة لتعزيز الاستثمارات الصينية في المناطق الصناعية اللبنانية.
رغم هذه العلاقات اللبنانية – الصينية المتنامية ، لم يحسم لبنان بعد خيار التوجه شرقاً بشكل عام، أو نحو الصين بالخصوص ، لأسباب سياسية ترتبط بطبيعة النظام الطائفي والمصالح الاقتصادية والتجارية الخاصة لبعض الجهات السياسية أو القطاعات الفاعلة في هذه المجالات والضغوط الغربية المانعة.
لبنان والاتفاق السعودي – الايراني
لبنان سيجد نفسه معنياً مباشرة سياسياً وأمنياً بالاتفاق السعودي-الإيراني لما لأطراف لبنانية مؤثّرة من علاقات وثيقة واستراتيجية مع الطرفين.
ج- مجالات التعاون بين لبنان والصين في بناء الحزام والطريق :
يعمل الصينيون حالياً على ترسيخ وجودهم الاقتصادي في المنطقة عبر لبنان تمهيداً للمساهمة في عملية الإعمار في سوريا والعراق. حيث ان الصين مهتمة بجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية ولعبور الصين إلى المنطقة عبره. جميع هذه المبادرات تصب في خانة التعاون وتأكيد دور لبنان وموقعه في مشروع «حزام واحد، طريق واحد» وتعزيز مكانته كنقطة انطلاق الصين نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجالات الأعمال والتجارة والتمويل والبنية التحتية، والثقافة.
مشاريع مطروحة للتعاون
• بناء معامل تعتمد على الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية لتأمين حاجات لبنان من الطاقة .
• تنظيف مياه الأنهر من الينابيع إلى المصبات وإقامة عدد من السدود أو البرك الإصطناعية لتجميع المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية لتلبية حاجات لبنان من الطاقة ومياه الري.
• إقامة مشاريع تهدف إلى تنمية الصناعات البتروكيماوية الواعدة بعد بدء لبنان باستخراج النفط والغاز من مياهه الإقتصادية.
• تأمين بنية تحتية للنقل والشحن والمواصلات على أنواعها لا سيما السكك الحديدية والأنفاق ذات جودة عالية وتأمين السلامة العامة المرورية وإعتماد التكنولوجيا المتقدمةلإدارتها.
• إعادة تأمين وسائل نقل عامة متنوعة و فاعلة وبتكلفة مقبولة باعتماد باصات مختلفة الأحجام بحسب المناطق وداخل المدن وخارجها ( صغيرة ضمن المدن والأحياء- طابقين- كبيرة بين المناطق….).
• بناء الجسور السريعة والأنفاق على مفارق وتقاطع الطرق لحل مشكلة السير في بيروت والمناطق.
• تأهيل شبكة سكك الحديد وتطويرها وإعتمادها لنقل البضائع بمرحلة أولى وربط الداخل اللبناني بمرافىء الساحل والمعابر الحدودية كما بالشبكات الإقليمية والمناطق الصناعية في الأطراف من ضمن مشروع الوزارة للمناطق الصناعية الجديدة (2018-2030).
• تأهيل المرافىء البحرية على طول السواحل وتقسيم عملها للنقل والشحن والسياحة والخدمات المرتبطة لتواكب إنضمام لبنان إلى مبادرة الحزام والطريق.
• رفع مستوى قدرات مطار بيروت وتأهيل مطار القليعات لإستخدامه لنقل الركاب والشحن وربطه بشبكة الطرق والسكك الحديدية.
• إنشاء مطارات جديدة للخدمة السريعة في مختلف المناطق للنقل الداخلي والخارجي (طائرات صغيرة- هليكوبتر..)
• تحسين نوعية وجودة وتأمين إستمرارية خدمات الهاتف الخلوي والأرضي والأنترنت وحماية المعلومات والبيانات الشخصية ونشرها على مختلف الأراضي اللبنانية بكفاءة .
• بناء الممرات العابرة للحدود للطاقة الكهربائية، إضافة إلى توصيل كابلات شبكات الاتصال الحديثة من أجل تسهيل التجارة والاستثمار.
• إزالة الحواجز الاستثمارية والتجارية، وبناء مناطق التجارة الحرة، وتنمية الأعمال التجارية الإلكترونية العابرة للحدود والمشاريع المشتركة وإعتماد لبنان كنقطة إنطلاق نحو شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
• التعاون في تنفيذ مشاريع الطاقات النظيفة والمتجددة .
• إدخال اللغة الصينية في المناهج التعليمية للجامعات في لبنان وإنشاء مراكز ومعاهد خاصة لتعليمها.
مجالات التعاون على مستوى القطاع الصناعي :
• منح الصادرات اللبنانية الامتيازات نفسها الممنوحة لمستوردات لبنان من الصين، حيث انّ المنتج اللبناني لا يلقى معاملة تفضيلية من قبل الصين على غرار منتجات دول أخرى.
• التخصصية والتكامل في الانتاج وتقسيم العمل إن داخل لبنان أو بين لبنان والصين في إطار تبادلاتهما التجارية، بعيدا» عن المنافسة الشرسة والإغراق.
• إقامة المشاريع الصناعية المشتركة في كلا البلدين ( Joint venture) تجمع بين رأسمال دول الخليج والتكنولوجيا الصينية والموارد البشرية اللبنانية الكفوءة٬ لاسيما في مجالات التكنولوجيا وصناعة الأدوية .
• التعاون في مجال الإبتكار والتطوير والأبحاث العلمية والصناعية .
• ترسيخ النشاط البحثي المتخصص وتبادل الخبرات في مجالات التكنولوجيا العالية (تقنية الذكاء الإصطناعي – الميكاترونكس – النانوتكنولوجي- الروبوتات ..) وإستعمال الهيدروجين الاخضر والرقائق الإلكترونية.
• تسهيل حصول الصناعة اللبنانية على قروض ميسرة من بنك الاستثمار الاسيوي الذي يتركزعمله على تطوير العديد من الدول الآسيوية التي تعاني من ضعف بنيتها الأساسية نتيجة ضعف قدراتها المالية .
• مساعدة وزارة الصناعة اللبنانية في مشروع بناء المناطق الصناعية تنفيذاً لإستراتيجية المناطق الصناعية لتنمية مستدامة (2018-2030)، عبر قروض وهبات ومساعدات تقنية لأن تنفيذ المشروع يشكل نقطة انطلاق مزدوجة الاتجاهات : الأول نحو سوريا والعراق والمنطقة لإعادة إعمارها مع الاستفادة من مشروع الوزارة المتكامل والثاني عبر لبنان نحو اوروبا وإفريقيا والى ما بعد كمنفذ لطريق الحرير الى لبنان.
• تسهيل دخول المستثمرين اللبنانيين إلى الأسواق الصينية واستثمارات الصينيين داخل لبنان.
• إمكان الاتفاق على استيراد سلع نصف مصنعة من الصين وإستكمال تصنيعها في لبنان، لتصريفها محليا» او تصديرها الى الدول المعقود معها اتفاقيات تجارية، كالدول العربية او اوروبا كمنشأ لبناني.
• تشجيع إنتشار المطبخ اللبناني في الصين كما هو الحال مع المطبخ الصيني في لبنان خاصة ان المطبخ اللبناني مشهور ومنتشر في كافة انحاء العالم .
• تشجيع اقامة الفعاليات المشتركة والمعارض والندوات وحشد المشاركة فيها .