
كل هذا وأكثر قدمه لنا المخرج محمد الدايخ على مدار ساعة ونصف الساعة في فيلم “هردبشت” الذي بدأ عرضه في الصالات في 13 نيسان الجاري.

يحكي “هردبشت” إحدى القصص المهمشة في ضواحي بيروت، قصة حقيقية ما زالت تحدث كل يوم مع هؤلاء الذين تم حشرهم في القعر أو في لوائح المطلوبين أو تحت إِمْرة الزعماء. والفرق الذي لا يصلنا في غالب الأحيان، أن أحدهم يرفض أن يبقى في تلك الحفرة. “حسين”، الشخصية الرئيسة التي أداها حسين قاووق، تعكس الهامشية التي يعيشها أبناء تلك الأحياء بين السعي لتأمين لقمة العيش، وانسداد الأبواب أمام تلك الإرادة، فيلجأ الشاب إلى تجارة المخدرات. لا تبرير لممارسات الشخصية في بداية الفيلم، لكنك لا يمكنك إلا أن تتعاطف معها! وإن صح التعبير، ربما أراد الدايخ، تقديم حسين بدور antihero أو البطل المضاد، فافتقرت شخصيته إلى الصفات البطولية التقليدية، فهي تُغضب العامة، لكنهم يتعاطفون معها ويتمنون لها نهاية سعيدة. تختار الشرّ لأنك ترى أن، هذه المرة، الظروف هي التي أنجبته، وليست الشخصية هي التي تحمله.
ولا ريب في أن المسألة هنا أعمق من أن توصم بالشر أو تُصنّف الأدوار، لكن قبلنا هناك من فعلها، وحكم على تلك الفئات المهمشة من دون أن يسأل عما أوصلها إلى هنا. لا يمكن أن تفصل “هردبشت” عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في لبنان، لذلك لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن الفيلم كقصة أو دراما، ربما لأن جرأته اللاذعة تضعك بعيداً من تفكيكه كحالة درامية، بل كحالة اجتماعية.
أدخل الدايخ المُشاهدين إلى منزل “الأزعر”، فرأينا خوفه منا قبل أن يخيفنا منه، ولو أننا سنضطر إلى حَرق بعض المشاهد لا بد أن نستشهد ببعضها. هذه المرة، عرفنا لماذا دخلت عائلة وأطلقت النار في المستشفى. لا يشجع الدايخ على استخدام السلاح المتفلت، بل يرينا لماذا ينتهي بابن العشرين عاماً مشهراً مسدسه وهو يطلب إدخال شقيقه النازف إلى المستشفى، ونرى لماذا يلجأ الشباب من تلك الفئة إلى الإتجار بالمخدرات والقتل إحياناً.
قد يصعب على الجمهور تقبّل الممثل حسين قاووق في غير الدور الكوميدي، ويمكن ملاحظة ذلك في ضحكاتهم أثناء عرض المَشاهد الأولى من الفيلم، وأيضاً في عناوين بعض المقالات التي وصفت الفيلم بـ”الكوميديا السوداء” والتي رفضها المخرج محمد الدايخ في فقرة الأسئلة مع الجمهور التي تلت عرض الفيلم، وشدّد على أن الفيلم درامي عن واقع يضحكنا أحياناً لكنه بعيد من الكوميديا السوداء. وأضاف أن انتقاله من المسرح إلى التلفزيون هو طريق رسمه لاستقطاب جمهوره إلى السينما. يؤكد الدايخ أنّ “هردبشت” سيكون آخر الأعمال التي تعكس صورة البيئة التي كبر فيها، وهو يطمح أن يُنظر إليه كفنان لا تقتصر أعماله على بيئة محدّدة أو موضوع واحد. وقد يصعب على الجمهور التمييز بين شخصيتي “علوية” و”حسين” في “هردبشت”، إلا أن الفارق واضح رغم انتماء الشخصيتين إلى البيئة نفسها. يعلّق الدايخ على الفرق قائلاً أنّ “علوية” كان بسيطاً كاذباً مطبّعاً مع الحياة في ذلك المكان، أما “حسين” الذي يبدو “مدعوكاً بالحياة” فيرفض البقاء والخضوع. والخلاصة، بعد هذا الدور، يمكن النظر إلى القاووق بأنه ممثل شامل، على جمهوره السفر معه من حالة إلى أخرى، والاستعداد للإنخراط فيها.
“صوّر الفيلم في 16 يوماً فقط”، يقول الدايخ لـ”المدن”. كان من المخطط تصويره في “حي ماضي”، لكن التصوير نُقِل إلى الأوزاعي بسبب استيلاء جهة مجهولة على المعدّات، ومنعهم من استكمال التصوير. واجه الفيلم الكثير من التحديات، بداية من إنتاجه في ظل عدم اهتمام المنتجين بهذا النوع من الأفلام في لبنان، واهتمامهم أكثر بالأفلام التجارية، حتى تبنّاه المنتج أمير فواز، إضافة إلى المشاكل مع الموافقة على النص من قبل الأمن العام وتحديداً مع بعض الجهات الدينية، بحسب الدايخ.