
يُعرض مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” في زمن يعيش فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد حالاً من الأريحية مع مضي دول عربية مركزية في التطبيع معه، وإعادة العلاقات الديبلوماسية والثنائية.
اتّفق خلال اجتماع جدّة الذي ضمّ وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج، والأردن، ومصر، والعراق، على أهمية حل سياسي للأزمة السورية، ينهي تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، و”على أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
ورغم أن البيان الصادر عن الإجتماع لم يأتِ على ذكر عودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، غير أن مراقبين يرون الأمر مسألة وقت.
في هذا السياق، الأرجح أن بشار الأسد يملك من الأسباب ما يكفي للابتسام هذه الأيام، وهو يشاهد “هيداك المسلسل”، وهو التعبير الدارج اليوم في الشارع السوري للدلالة على مسلسل يخشى كثيرون النطق باسمه علناً في مجالس سورية موالية.
المسلسل من إنتاج شركة “ميتافورا”، وإخراج عروة محمد، وتأليف سامر رضوان.
يلعب الممثل السوري المعارض مكسيم خليل دور رئيس دولة الفرات، وغطفان غنوم دور شقيقه عاصي. ويشارك في بطولة العمل عبد الحكيم قطيفان وريم علي وعزة البحرة وسوسن أرشيد ومرح جبر ومازن الناطور.
يعرض المسلسل عبر “التلفزيون العربي” القطري وقنوات سورية معارضة، كما أن حلقاته متاحة كاملة عبر “يوتيوب”، ما أمّن سهولة المشاهدة.
أخذ نقادٌ على العمل المواربة في تسمية الأشياء، فباتت سوريا دولة اسمها دولة الفرات على سبيل المثال، مضيئين على إشكاليات في الحبكة الضعيفة والمبالغات والأخطاء الإخراجية. وبمعزل عن النقد الفني والتقييم الدرامي، يبدو أن “ابتسم أيها الجنرال” نجح في إثارة الجدل وحصدَ نسب مشاهدة عالية في شهر رمضان، وشغل مواقع التواصل الاجتماعي بحروب مفتوحة بين معارضين وموالين. الى ذلك، شُنّت حملات على ممثّلي المسلسل وأُلصقت بهم تهم وأنزل بهم حرمٌ!
يحكي المسلسل قصة عائلة متسلطة مستبدة. يموت الأب الرئيس فيحاول الجنرالات التكتّل من أجل تهميش دور التوريث، قبل أن ينقض الإبن فرات على السلطة، رامياً الجنرال المتمرد بالرصاص.
ولاحقاً، تنشأ خلافات على السلطة بين رئيس الجمهورية فرات الذي شبّه المعارضون دوره ببشار الأسد، وبين شقيقه عاصي الذي يقبض على مفاصل الأمن في البلاد وحماية الرئيس. وشُبّه الأخير بماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة.
تتكثّف حال التشبيه بين فرات وبشار مع حركات جسد مكسيم خليل، من الوجه والعينين واليدين والرجلين، الى الأزياء.
ويظهر حرص إخراجي على إسقاط التشبيه على صوفيا، زوجة الرئيس. وتؤدي دورها الممثلة السورية ريم علي. أداؤها ومظهرها، يستحضران حتماً أسماء الأسد.
تبدأ الأحداث من فضيحة مدوية يفجّرها عميد متقاعد مصاب بالسرطان عن إقامته علاقات حميمة مع نساء مسؤولين في السلطة. هذه الفضيحة لم تكن سوى الواجهة للفت النظر واستقطاب الإعلام لما سيكشفه لاحقاً العميد وضاح فضل الله من ملفات، أبرزها استخدام نظام دولة الفرات أطفال المياتم والسجناء حقلاً للتجارب الكيميائية لصالح دول كبرى يعقد معها صفقات سياسية.
في سياق الأحداث، يصل الصراع على السلطة بين فرات وعاصي الى حدود دموية. وفي حين يقوم عاصي بعقد صفقة مع الفرنسيين للانقضاض على الحكم والإنقلاب على شقيقه، يذهب فرات حدّ الاتفاق مع الاسرائيليين لضمان بقائه رئيساً حين تسدّ أمامه السبل لإنقاذ نظامه، في مقابل التنازل عن أراض محتلة.
ويسلّط المسلسل الضوء على العلاقة المصلحية بين نظام دولة الفرات وطبقة رجال أعمال فاسدين يعملون واجهة لرجال سياسيين نافذين. ويضيء على إخراج نظام الفرات الجهاديين من السجون لاستخدامهم في مخططات دموية.
وللدولة الجارة حصة وازنة من الرمزيات، والمقصود لبنان، حين تجرؤ شبكة إخبارية تسمى “تلفزيون الشروق” على بثّ اعترافات العميد المتقاعد، وتمضي في نشر مقابلة مثيرة معه مليئة بالفضائح ضد النظام.
صاحب المحطة سيقضي اغتيالاً في عملية تفجير سيارته بتخطيط من عاصي. وهنا شبّه كثيرون مصير الرجل بالصحافيين الأحرار الذين اغتيلوا بسبب دفاعهم عن #الحرية والسيادة والاستقلال. وفي السياق نفسه، تجري مظاهرات ترفع هذه الشعارات مطالبة بالعدالة ومتهمة رئيس دولة الفرات بالإجرام، في مشاهد ذكرت بسياق أحداث العام 2005 في لبنان.
تلعب #الدراما دوراً أكيداً في التوثيق وبناء الذاكرة.
يحتاج الجرح السوري أعمالاً تروي فصوله، وتحفظه للعبرة لأجيال آتية. رواية حرّة من وحي سوريا التي كانت في البال مع بداية انتفاضة شعبها. رواية لا تحتكِم الى تمويل ولا الى مشروع سياسي.
قد لا تكون الأعمال التي تتناول أنظمة عربية وتسمّي الأشياء بأسمائها، مرحبّاً بها على شاشات عربية تخضع لمعايير “أخوة” تنص عليها بروتوكولات جامعة الدول العربية. الجامعة التي قد يعود إليها النظام السوري قريباً.
“ابتسم أيها الجنرال”، مسلسل يفتح بضجته الشهية على تكثيف الإنتاج الدرامي العربي السياسي، ولكن في سياقات أكثر شفافية ووضوحاً وواقعية. تحضر معضلات الحرية والجرأة وجهة التمويل بالتأكيد، من دون أن تكون “نيتفليكس” وأخواتها حلاً جماهيرياً أكيداً.
يقبع عربٌ في أزمة رواية تاريخهم، ويبتسم جنرالاتهم!