أخبار دولية وإقليمية

السودان: لعبة كسر عظم

وقع المحظور في السودان بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان (الحاكم الفعلي للبلاد) ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول حمدان دقلو (حميدتي). الجنرالان تصدرا المشهد السياسي منذ الانقلاب على الرئيس السابق عمر حسن البشير. واليوم وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة.
اشتعلت المواجهة التي كانت مسألة وقت بين الطرفين، عندما دعا البرهان في آذار/مارس، إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش. فرد حميدتي بتحدٍّ قائلاً إنه يأسف لانقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021، الذي ساعد فيه البرهان، وأطاح حكومة عبد الله حمدوك المدنية، وجرى اعتقال ما لا يقل عن خمسة من كبار الشخصيات في الحكومة، بمن فيهم حمدوك.
وخرجت الخلافات بينهما إلى العلن خلال الأسابيع الماضية، عندما بدأ الرجلان بتبادل الاتهامات بشأن الخلاف على طريقة إدارة المرحلة الإنتقالية الثانية التي نص عليها “الاتفاق الإطاري” الذي كان قد تم توقيعه في 5 كانون الأول/ديسمبر 2022، بين العسكر والقوى المدنية، ويتضمن دستوراً جديداً للسودان، وتشكيل حكومة مدنية جديدة انتقالية، وعودة الجيش إلى ثكناته الذي كان مقرراً في 5 نيسان/أبريل، قبل إرجائه “إلى أجل غير مسمى”.
وتدور الخلافات بين البرهان وحميدتي حول 3 ملفات:
أولها، وأهمها، ملف دمج قوات الدعم السريع ضمن قوات الجيش السوداني الأكثر تعقيداً، حيث يريد حميدتي تأجيل عملية الدمج إلى ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، التي نصّ عليها “الاتفاق الإطاري”، ويطالب في المقابل بالتركيز حالياً على نقل السلطة إلى المدنيين بأسرع وقت، ليس إيماناً منه بالحكم المدني، لكن خوفاً من التخلص منه بعد عملية الدمج، فيما يصرّ البرهان على ضرورة إجراء الدمج قبل الانتهاء من المرحلة الإنتقالية، وذلك باعتبارها جزءاً أساسياً من “الاتفاق الإطاري”.
ويعتقد حميدتي أن أي عملية دمج لقوات الدعم السريع تعني أنه سوف يقع تحت رحمة البرهان، ما يعني التخلص منه ومن قوات الدعم السريع التي ساهمت في بروزه، ليس فقط على الساحة المحلية في السودان، وإنما أيضاً حفظت لها مقعداً مهماً على طاولة التفاوض الإقليمي والدولي، ونقلته من مجرد “تاجر إبل وأغنام” وزعيم ميليشيات، إلى رجل سياسة لديه طموحات وأحلام بملء الفراغ السياسي في السودان بعد سقوط الرئيس السابق عمر حسن البشير.
وثانيها، ملف المرحلة الانتقالية وترتيبات نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين، حيث يصر حميدتي على أنه يجب المضي قدماً في تنفيذ “الاتفاق الإطاري”، والانتهاء من المرحلة الانتقالية، لكن ليس حرصاً منه على الانتقال الديمقراطي في السودان، بل يريد التخلص من سيطرة البرهان على المجلس السيادي، قبل دمج قوات الدعم السريع بالجيش.
أما البرهان، فيصرّ في المقابل على ضرورة انضمام أكبر عدد من القوى السياسية إلى “الاتفاق الإطاري”، وهو بذلك يضمن وجود حلفاء مدنيين له بعد تخلى العسكر عن السلطة.
الملف الثالث المُختلف عليه بين الرجلين، هو ملف التحالفات الإقليمية، إذ نجح كلاً منهما بنسج شبكة علاقات وتحالفات إقليمية ساعدت في تقوية أوراقهما التفاوضية داخلياً.
ففي الوقت الذي يتمتع فيه حميدتي، وبعض القوى المدنية المؤيدة له، بدعم عدة دول بينها الإمارت، يراهن البرهان على الدعم المصري والسعودي من أجل تحسين موقفه ووضعه التفاوضي سواء مع حميدتي أو مع القوى المدنية.
وعلى الرغم من هذه الخلافات، فإن البرهان وحميدتي يتفقان ضمناً على شيء واحد فقط، وهو إجهاض المسار الديمقراطي في السودان، لأنهما مقتنعان بأن القوى المدنية التي ستتولى السلطة خلال العامين المقبلين، سوف تفشل في إدارة المرحلة الانتقالية، ما قد يمهد الطريق لعودة أحدهما إلى السلطة من بابها الكبير، وبالتالي التخلص نهائياً، من الآخر بالضربة القاضية.
والرجلان ليسا طامعين بالسلطة فقط، بل يخشيان أيضاً تركها والخروج منها كي لا تتم معاقبتهما على ما وقع من جرائم بحق الشعب السوداني، سواء في أثناء خدمتهم مع نظام عمر البشير، أو ما حدث بعد خلعه، خصوصاً مجزرة “القيادة العامة” التي راح ضحيتها أكثر من 66 شخصا في حزيران/يونيو 2019.
يشار إلى أن حميدتي لم يتلق تعليماً أكاديمياً، ولم ينخرط في الجيش أصلاً، إنما برز عندما شكّلت حكومة البشير قوات شعبية من القبائل الموالية، فعيّنته قائداً لهذه القوات غير النظامية  التي شاركت الجيش في معارك ضد الحركات المسلحة في دارفور، إلى أن تم ضمها إلى جهاز المخابرات عام 2013، وتم تنظيمها وهيكلتها، وجرى تغيير اسمها فيما بعد إلى “قوات الدعم السريع”، وإضافة كوادر مدربة من الضباط والجنود إليها. واستُخدمت قوات الدعم السريع لاحقاً، في مكافحة التهريب وخصوصاً الهجرة غير الشرعية، وكانت متمركزة في دارفور فقط.
وبرز اسم حميدتي خلال الاحتجاجات السودانية التي اندلعت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، والتي أسقطت الرئيس عمر البشير بعد حكم استمر أكثر عن ثلاثة عقود.
وعقب سقوط البشير، شارك حميدتي على رأس “قوات التدخل السريع” في المواجهات، فتمّ منحه لاحقاً رتبة فريق أول على الرغم من أنه غير مؤهل عسكرياً وخريج مدرسة ابتدائية، كما تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس السيادة، ما خلق حساسية لدى كبار ضباط الجيش.
ومنذ ذلك الوقت، بنى حميدتي امبرطورية مالية واقتصادية جراء سيطرته على مناجم ذهب، ما أتاح توسيع قواته التي يناهز عددها المئة ألف عنصر، من دون أن يكون تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
كما بنى حميدتي علاقات خارجية واسعة خصوصاً مع روسيا، ووسّع علاقته وتماهى مع تيارات سياسية محلية استغلها كرافعة لبناء مستقبل سياسي، محبطاً محاولات القوات المسلحة لترويضه بالقانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى