مقالات صحفية

عن معاناة النساء في السجون… كالأفلام

كتبت أنديرا مطر في “القبس”: 

«حين خرجت من السجن بعد انقضاء مدة الحكم ظننت أن مرحلة قاتمة من عمري انطوت… لكنني اليوم أتمنى لو بقيت داخل تلك الزنزانة ولم أغادرها»، بهذه الكلمات تبدأ حياة رواية تجربة مريرة عاشتها قبل سنوات.

هي واحدة من عشرات القصص المكتومة لنساء قضين مدة عقوبتهن في سجون لبنان وأخريات لا يزلن خلف قضبانها. معاناة متواصلة لا تُعرف لها نهاية، تبدأ من لحظة اصدار الحكم وتلاحقهن مدى الحياة كوصمة على جبينهن. وفي حين يتم تسليط الضوء على واقع السجون في لبنان، خصوصا بعد توالي حوادث الوفاة داخلها، لا تحظى سجون النساء بالاهتمام نفسه، اذ يتم التركيز على قضايا الموقوفين الرجال والمطالبة بالتسريع بمحاكماتهم.

القوي يتحكَّم بالضعيف

تتحدث حياة، التي تورطت مع شريكها بعملية تزوير ملكية عقار أدت الى سجنها لمدة عام، عن عالم يشبه ما كانت تراه في الافلام «القوي يتحكم بالضعيف، ومن يظهر ضعفه يصبح عرضة لأبشع انواع الاستغلال من بعض السجينات ومن المسؤولات عن السجن». تتحدث السيدة الثلاثينية عن حرمان السجينات من أبسط احتياجاتهن، لاسيما تلك التي تتعلق بالأمور الصحية والنظافة الشخصية والأدوية اللازمة لهن في حال تعرضهن لعارض طارئ.

داخل غرفة أجَّرتها لها إحدى الجمعيات العاملات على تأهيل السجينات في منطقة برج حمود، تمضي حياة أيامها ولياليها، تتجنب الخروج الى الشارع لأنها تدرك ما ستتعرض له من تنمر وتحرش كونها «مجرمة»: «انا محرومة من ممارسة ابسط هواياتي كالخروج إلى السوق… أوصي جارتي بما أحتاجه لزوم الطبخ، حتى جارتي تدخل الى بيتي خلسة عن أعين سكان المبنى وكأنها ترتكب معصية…».

ما تقوله حياة يتكرر على لسان زميلات لها يواجهن المعضلة نفسها بعد خروجهن من السجن، حيث يجدن انفسهن بلا عمل. منبوذات من المحيط والاقارب، بلا حاضنة اجتماعية توفر لهن الرعاية والأمان… ولهذا تقول بغصة: «لهذا اقول ليتني لم أخرج من السجن».

السجينة الأم

أسمى سيدة سورية، أمضت في سجن بربر الخازن فترة قصيرة بتهمة دخولها خلسة إلى لبنان. ورغم مرور سنوات على تلك التجربة يتقطع صوتها ويختنق وهي تروي ما حصل معها: «كنت أقيم في لبنان بطريقة شرعية الى أن قررت الذهاب الى تركيا للاطمئنان على والدتي المريضة، ولدى عودتي فوجئت في مطار بيروت بمنعي من الدخول الى البلد وترحيلي مجددا إلى تركيا. كان أولادي القصر في بيروت، أولادي الذين لم يتبق لي سواهم بعدما خسرت كل ما أملك في الحرب السورية، من أجلهم قررت الدخول الى لبنان بطريقة غير شرعية (تهريب)… أوقفنت على أحد الحواجز وأدخلوني الى السجن».

تصمت لدقائق وتتابع كمن يستعيد مشاهد مؤلمة يجاهد لمحوها من ذاكرته: «صدمتي الأولى كانت في إرغامي على خلع ملابسي أمام 4 نساء بقصد التفتيش، كنت أشعر بنظرات المشرفات على التفتيش كأنها سياط تنهال على جسدي».

لاحقا صرت أتفهم سوء المعاملة؛ انا سورية في لبنان، واعرف ان تركة الجيش السوري في لبنان ثقيلة على كل اللبنانيين، لم ينسوا الاسى، وكنت أرى ذلك في معاملة السجينات معي، الممرضات كن يعاملننا بلطف وبحنو، ومديرة السجن كانت لطيفة وتمر لينا لسؤالنا عما نشكو منه، وفي الواقع لم تجرؤ اي منا على الشكوى لأن الحارسات كن مخيفات.

أقول اليوم إنني لم أهن في السجن وإنما في مركز الامن العام، وأعتذر عن ذكر التفاصيل. بعد خروجي من السجن لم اسمح للمجتمع بمحاكمتي، حاكمت نفسي بعزلتي، إذ لا أخرج الا للضرورة القصوى، أنا أم لثلاثة أولاد، وابنتي في الجامعة، لم أجرؤ على اخبارهم بحادثة سجني، كان جل همي أن أغادر هذا الجحيم ونجحت، غادرت لبنان واقيم حاليا في أربيل.

أربعة سجون للنساء

في لبنان أربعة سجون للنساء هي سجن طرابلس، وبربر الخازن (بيروت)، وبعبدا (جبل لبنان)، وزحلة (البقاع)، تتشابه كلها لناحية تردي أوضاعها. وتعاني السجون عامة في لبنان من الاكتظاظ ومن غياب أدنى المعايير الانسانية مع غياب الاهتمام الجدي بها من قبل الدولة لينحصر الدعم ببعض الجمعيات التي تقدم بعض المساعدات الغذائية ودورات للتأهيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى