إستغربت أوساط سياسيّة مُتابعة لعمليّة تشكيل الحكومة، هذا التشدّد المُتبادل بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، مُعتبرة أنّه في حال كان صحيحًا أن لا تدخّلات إقليميّة ودَوليّة ولا ضُغوط وفيتوات خارجيّة، فإن ما يحدث من عناد على الصعيد الداخلي غير مُبرّر، وهو يحجب بالتأكيد قطبة مَخفيّة.
وأوضحت هذه الأوساط أنّ وزراء مُطلق أيّ حكومة جديدة يحتاجون إلى ما لا يقلّ عن ثلاثة إلى أربعة أشهر للإمساك بملفّاتهم، ولتحضير خرائط طريق مشاريعهم، كلّ في وزارته، ما يعني أنّه في حال تشكيل الحكومة اليوم، فإنّ تلمّس أيّ نتائج من عمل الحُكومة المُقبلة لا يُمكن أن يتم قبل حزيران المُقبل. وأضافت أنّ الأثقال المَوروثة المُلقاة على كتف الحكومة الجديدة في حال تشكيلها، ضَخمة وصعبة جدًا، وهي تشمل مُعالجة مشاكل داخليّة بالجملة، أبرزها الإنهيار المَالي والمَعيشي شبه الكامل، إمتدادًا إلى مشاكل خارجيّة بالجملة أيضًا، وفي طليعتها عجز لبنان عن سِداد ديونه الماليّة الخارجيّة. وتابعت الأوساط نفسها أنّه ما أن تبدأ الحُكومة المُقبلة بالعمل فعليًا بعد بضعة أشهر على تشكيلها، ستدخل القوى السياسيّة كلّها، أي التي ستُمثّل في الحكومة وكذلك التي ستبقى خارجها، بمعركة التحضير للإنتخابات النيابيّة في ربيع العام 2022 المُقبل، مُشيرة إلى أنّ الصراع سيتمحور حول من يُصرّ على تغيير القانون الإنتخابي، ومن يتمسّك به، إضافة إلى موعد تنظيم هذه الإنتخابات، وتحالفاتها، إلخ. ولفتت إلى أنّ معركة الإنتخابات النيابيّة مُرتبطة عضويًا بمعركة الإنتخابات الرئاسيّة في خريف العام 2022، حيث يُوجد إئتلاف داخلي كبير يرفض وُصول رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» النائب جبران باسيل إلى سُدّة الرئاسة، بينما يُخطّط هذا الأخير من خلف الكواليس للنجاح بهذه المعركة، من مُنطلق ضرورة إحترام إرادة الأكثريّة الشعبيّة المسيحيّة، تمامًا كما حصل عند إنتخاب العماد عون رئيسًا.
ورأت الأوساط السياسيّة المُتابعة لمفاوضات تشكيل الحُكومة أنّه إنطلاقًا مِمّا سبق، وبما أنّ الحكومة المُقبلة لن تكون قادرة على تحقيق إنجازات مُهمّة، بسبب ضيق الوقت في مُقابل كثرة المشاكل لا بل الكوارث المَوروثة، تكوّن لدى الكثير من الأفرقاء إنطباعات مُبرّرة عن أسباب خفيّة خلف الصراع المُستمرّ والمفتوح على الحُكومة. وأوضحت أنّه في هذا السياق، يعتقد البعض أنّ أكثر من فريق سياسي داخلي يسعى لإفشال ما تبقّى من عهد العماد عون الرئاسي، تحضيرًا لإخراج «التيّار»، وأي مرشّح مُحتمل له، من معركة الرئاسة المُقبلة. وبحسب هذا الرأي، فإنّ رئيس «تيّار المُستقبل» لن يتخلّى عن تكليفه تشكيل الحُكومة المُقبلة، حتّى ولوّ إنتهى العهد كلّه، بحيث إمّا يتمّ تشكيل حُكومة لا يكون لفريق «الرئيس ـ التيّار» الكلمة الفصل فيها عبر «الثلث المُعطّل»، وإمّا لا حكومة! وتابعت الأوساط السياسيّة نفسها أنّه في المُقابل، يعتبر البعض الآخر أنّ إصرار رئيس الجُمهوريّة ومن خلفه «التيّار»، على أن تكون له اليد الطولى في عمليّة تشكيل الحكومة، من حيث عدد الوزراء وحقّ تسميتهم وغيرها من المعايير، يهدف إلى الإمساك بجزء أساسي من السُلطة التنفيذيّة تحضيرًا للمرحلة المُقبلة. وبحسب هذا الرأي، إنّ فريق «الرئيس ـ التيّار» يُخطّط لتحضير الطريق لوراثة النائب باسيل للعماد عون في قصر بعبدا، وهو بدأ تحضير فريق العمل السياسي والإعلامي لتحقيق هذا الهدف، إنّ في القصر الجمهوري أو في مركز ميرنا الشالوحي، وفي حال وضع العراقيل أمام هذا الهدف سينتقل «التيّار» إلى الخطة باء القاضية بمحاولة التمديد، من خلال تقاطع مصلحة «التيّار» عندها مع مصلحة قوى سياسيّة أخرى لا تريد إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها، لتأجيل كلّ من الإستحقاقين النيابي والرئاسي إلى موعد لاحق، علمًا أنّه في حال فشل خيار التمديد الرئاسي ندخل في مرحلة فراغ رئاسي وتبقى السُلطة بيد الحكومة التي لم يتمّ تشكيلها بعد، الأمر الذي يُفسّر محاولة كل طرف الإمساك بأكبر حجم فيها.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُتابعة لعمليّة تشكيل الحكومة المُتعثّرة، إلى أنّ مصادر «تيّار المُستقبل» تنفي ما يُشاع من كلام عن سعي لإفشال ما تبقى من العهد الرئاسي، وتعتبر أنّ هدف الحريري هو حصرًا تشكيل حكومة تكون قادرة على معالجة الأوضاع المزرية، وعلى توفير الدعم السياسي والمالي الدولي لخطة الإنقاذ، في حين أنّ مصادر «التيّار الوطني الحُرّ» تنفي بدورها جملة وتفصيلاً سعي «التيّار» للتمديد للرئيس عون أو لتوريث النائب باسيل، وتعتبر أنّ هدف رئيس الجمهوريّة هو حصرًا التمسّك بالدُستور وبالصلاحيّات والعمل على تشكيل حكومة مُتوازنة ومُنصفة للجميع. وختمت الأوساط السياسيّة كلامها بالتشديد على أنّه وحدها الأيّام المُقبلة ستكشف ما إذا كانت الإتهامات بشأن معركة إفشال ما تبقّى من العهد، وكذلك بشأن مُحاولات تمديده أو تأمين
ناجي س. بستاني – الديار