
خطوة تأتي في وقتها. فها هو غبار الإهمال يُنفَض عن المشروع الأخضر ليُعاد إطلاقه بمنحة دنماركية وتنفيذ منظمة الفاو. في التاسع من الشهر الماضي، أعلن مكتب تنفيذ المشروع عن تلقّي طلبات المزارعين الأكثر حاجة ممّن يرغبون باستصلاح أراضيهم وإقامة أعمال تكميلية على الأراضي اللبنانية كافة. وتقديم الطلبات مستمرّ حتى 25 أيلول. المزارعون يتطلّعون إلى ما يثبّتهم في أرضهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. كيف لا ومعاناتهم ما بعدها معاناة.
من يسأل عن المشروع الأخضر، الذي تأسس في العام 1963، يكتشف أن قلّة من اللبنانيين على دراية به. هو مؤسسة تابعة لوزارة الزراعة أنيطت به بداية أعمال التحريج وشقّ الطرقات الزراعية. وفي العام 1965، أضيفت إلى صلاحياته أعمال استصلاح الأراضي الزراعية وحماية المحميات الطبيعية. المشروع يهدف إلى زيادة دخل العاملين في الزراعة و – نَعم – تثبيتهم في أراضيهم. غير أن السياسات الريعية للسلطات المتعاقبة، أدّت بما لا يدعو للمفاجأة إلى تعطيله. فأضحى عاجزاً عن تمويل أكثر من 15% من الطلبات المقدّمة بسبب ضعف التمويل، حيث بلغت موازنته 10 مليارات ليرة فقط لا غير، موزّعة بين الرواتب وتمويل المشاريع. الكادر البشري للمشروع يوم إنشائه تألّف من 350 موظفاً من مهندسين، خبراء زراعيين، مسّاحين وإداريين. لكنه تقلّص إلى 108 موظفين بحلول العام 2011 نتيجة الإهمال الممنهج للقطاع الزراعي.
يعود… مع شواغر
لمزيد من التفاصيل، تواصلت «نداء الوطن» مع وزارة الزراعة وتحديداً مع مستشار وزير الزراعة، عبدالله ناصر الدين. وقد أشارت الوزارة إلى أن أبرز أهداف إعادة تمويل المشروع هي زيادة الرقعة الزراعية، من جهة، ومساعدة المزارعين للاستفادة من أراضيهم والبقاء فيها بعد استصلاحها زراعياً، من جهة أخرى. الحاجة إلى تفعيل المشروع تضاعفت على مرّ السنين، خصوصاً جرّاء ازدياد المساحات السكنية، لا بل تفشّيها في المناطق والمحافظات، إضافة إلى تزايد الحاجة إلى مصادر المياه. فللمشروع، من حيث المبدأ، دور أساسي في إنشاء الخزّانات الصغيرة ومتوسطة الحجم، كما البرك لتجميع مياه الأمطار بهدف ريّ الأراضي الزراعية لا سيّما في فصل الصيف ومواسم الجفاف.
من جهته، يتطرّق عضو اللجنة الإدارية لمكتب تنفيذ المشروع الأخضر، محمّد موسى، إلى العاملِين في المشروع. الهيكلية الإدارية تبدأ باللجنة الإدارية، وقوامها رئيسٌ وعُضوان. وتأتي بعدها المصالح المركزية: مصلحة المحاسبة، المصلحة الفنية ومصلحة الديوان. ثم هناك الأجهزة التنفيذية كجهاز المساعدات وجهاز الطُرق والمياه. في حين يتوزّع منتسبو المشروع على مكاتب منتشرة في كافة المحافظات لاستقبال الطلبات والمراجعات الخاصة بالمزارعين. «لكن، هناك شغور كبير في الكادر البشري والمتخصّص نتيجة بلوغ السن القانونية، أولاً، وعدم فتح باب التوظيف الحكومي منذ سنوات، ثانياً. من دون أن ننسى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي دفعت عدداً لا بأس به من الموظفين إلى ترك العمل بحثاً عن مصدر رزق آخر»، كما يقول.
ميزانية بتمويل خارجي
من هُم المستفيدون من المشروع وما هي المعايير التي تُبنى عليها الموافقة؟ يجيب موسى بأن لكلّ مزارع راغب في استصلاح أرضه أو إقامة أعمال تكميلية، من جدران دعم وخزّانات إسمنتية وتصاوين وغيرها، الحق في التقدّم بطلب إلى أحد مكاتب المشروع الثمانية شرط مطابقة المعايير والشروط وتوافر المستندات المطلوبة. وأبرزها – كما تُبيّن القائمة في المرفق رقم 1 – أن يكون المستفيد من متوسّطي وصغار الدخل وألّا تقلّ مساحة العقار المراد استصلاحه عن 1500 متر مربّع. كما يُشترط عدم احتواء العقار على أشجار حرجية أو معمّرة كالسنديان والصنوبر. ويضيف: «بعد إجراء الكشف الفني على الطلبات المقدّمة والتأكد من توافر الشروط والمستندات، يتمّ إعداد كشف حجز للأعمال الموافَق عليها ومن ثم حجز قيمة المبلغ من خلال مصلحة المحاسبة، لتنطلق بعدها الإجراءات بحسب التسلسل الإداري. ويلي ذلك مرحلة التطبيق العملي التي تحصل بإشراف فريق متخصّص يكشف على سير العمل وتنفيذه وفق ما هو وارد في طلب الكشف الفني للأعمال المحجوزة».
ميزانية العشرة مليارات ليرة تكبّل المشروع. فهي لم تَعُد تكفي لإنجاز أبسط الأعمال الزراعية أو تقديم أي من الخدمات للمزارعين نتيجة الانهيار الفلكي للعملة. لذا تجري الاستفادة حالياً من تقديمات المنظمات الدولية التي تتكفّل بعملية التمويل ضمن الأطر والأنظمة المعمول بها من قِبَل وزارة الزراعة – المشروع الأخضر. وتلفت الوزارة في هذا السياق إلى تزايُد وتيرة التوجيه نحو الزراعة والاستفادة من الأراضي القابلة لذلك قدر الإمكان كإحدى وسائل التأقلم مع الأزمة الاقتصادية والحدّ من آثارها. «الدور الذي تقوم به الوزارة من خلال استدامة عمل البرامج والمشاريع المشتركة بين المشروع الأخضر والمنظمات الدولية يهدف إلى تلبية طلبات المزارعين بما تيسّر. فالمشروع مستمرّ ولن ينتهي طالما هو يحقّق الحدّ الأدنى من المطلوب ويؤمّن مختلف الخدمات الزراعية التي ينشدها المزارع».
لا «واسطة» بعد اليوم؟
استمرار المشروع لا يعني أن ليس ثمة معوّقات كثيرة – وكثيرة جداً – تحول دون إتمام المهام الملقاة على عاتقه كاملة. فانحسار الرقعة الزراعية بشكل ملحوظ مؤخّراً هو إحدى ضحايا التمدّد العمراني العشوائي على حساب المساحات الخضراء. ويعود ذلك إلى المضاربات العقارية وانعدام التنسيق بين مؤسسات الدولة وإدارة المشروع. أما غياب القوانين التي تحمي تلك المساحات وتمنع عمليات التشييد والبناء في السهول والأراضي المخصّصة للزراعة، فتزيد الأمور تعقيداً. مع العِلم أن قيمة المساعدات التي يقدّمها المشروع للمزارعين تضاعفت نتيجة غلاء أسعار مواد البناء والمحروقات، لا سيما لناحية الارتفاع المستمر في سعر صفيحة المازوت ومقاربة سعر طنّ الحديد ضعفَي ما كان عليه قبل الأزمة. وهذا ينعكس سلباً أيضاً على تكاليف الاستصلاح وأسعار المعدّات وكلفة الري وتشغيل المولّدات.
وزارة الزراعة تسعى، رغم الصعوبات، لتحسين ظروف تطبيق آليات المشروع لخدمة وإفادة أكبر عدد ممكن من المزارعين. والحاجة إلى ذلك تزيدها أهمية تلك الشبهات التي حامت حول المستفيدين من تقديماته في فترات سابقة. فبحسب مراقبين وكما في معظم المجالات الأخرى، كانت الأفضلية تُمنح لمحظيّي «الواسطة» لا لأصحاب «الحاجة». هنا يشدّد موسى على التقيّد بالشروط والمعايير والالتزام بتأمين المستندات المطلوبة كما إيلاء المزارعين الفعليّين الأولوية لناحية الاهتمام والمساعدة. فجميعها، بنظره، ركائز أساسية يُبنى عليها اختيار المستفيدين من بين المتقدّمين بالطلبات. وإحدى وسائل التقيّد تلك تتمثّل باعتماد استمارة تقييم سُبل العيش التي توضِح مدى حاجة المتقدّم للاستفادة من الأرض لغرض الزراعة المستدامة. وينهي قائلاً: «قد يكون هناك بعض الحالات التي حصلت «بالواسطة» غير أنني أجزم أن إدارة المشروع كانت لا تتوانى عن اتّخاذ الإجراءات وفرض العقوبات المسلكية اللازمة مباشرة عند معرفتها بالمخالفات». والحُكم يبقى للمزارعين.