تحليل السياسات

سباق سعودي إيراني بصفقات أميركية: لبنان ينتظر “التسوية المتوازنة”

كتب منير الربيع في المدن

ينتظر لبنان الإيقاعات المتجددة التي تشهدها المنطقة، لعلّها تنعكس عليه في فتح طريق أو مسار يقود في نهايته للوصول إلى تسوية. كل ذلك سيكون بحاجة إلى وقت بلا شك. ولكن لا مفر من تسجيل جملة نقاط لا بد لها أن تحدث بعض المتغيرات أو تحرّك بعض الملفات.
أولها، التوتر الذي شهده اليمن إثر غارات شنّها الحوثيون بطائرات مسيّرة على الأراضي السعودية. هو تطور يأتي بعد زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض والحديث عن سعي لاتفاق شامل. من شأن تلك الضربة أن تعيد خلط الأوراق بشكل كامل.
ثانيها، إعلان مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي عن السماح بالتفاوض المباشر بين الإيرانيين والأميركيين حول الملف النووي.
ثالثها، تطورالحديث عن التطبيع السعودي الإسرائيلي، والتقدم المحرز على هذا الخطّ، من دخول السفير السعودي إلى الضفة الغربية، إلى زيارة وزير السياحة الإسرائيلي إلى المملكة.

سباق سعودي- إيراني
ليس صدفة، أن يتزامن تنامي الحديث عن التطبيع السعودي الإسرائيلي، بموازاة الانتقال إلى التفاوض الأميركي الإيراني المباشر. ففي ذلك سيوازن الأميركيون في مواقفهم، ويضغطون على الطرفين معاً، لوضعهما في خانة الحاجة إلى تقديم التنازلات استعجالاً للوصول إلى توافق قبل الآخر. وفي هذا المسار، سيفتح باب واسع للابتزاز المتبادل. سيظن كل طرف أنه بتفاهمه وتقاربه مع الأميركيين يمكنه تحقيق مكاسب على مستوى المنطقة. فالسعودية تعتبر نفسها قوة أساسية قادرة على التفاهم مع الأميركيين على ملفات كثيرة. وإيران تنظر إلى تجارب عديدة حصل فيها تقاطع للمصالح بينها وبين واشنطن، من العراق إلى سوريا ولبنان، وبالتالي، سيمنحها الاتفاق النووي مكاسب سياسية ومالية يمكنها “تقريشها” في الشرق الأوسط.

تحت هذه العناوين الكبرى، يقيم لبنان على ضفة الانتظار، في مراقبة لمسارات وتحركات تتصل بالبحث عن حلول لأزمته، منها التحرك الفرنسي، وصولاً إلى موقف المبعوث جان إيف لودريان، والذي يعبّر عن انعطافة فرنسية واضحة إزاء المبادرة القديمة، وإعلانه عن ضرورة البحث عن مرشح ثالث. بعدها، جاء الاجتماع السعودي الفرنسي المشترك في الرياض، بين لودريان، والمستشار نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري. وحسب المعلومات، فإن الاجتماع يأتي في سياق إعادة تجديد التنسيق بين الطرفين، بعد الموقف العلني الذي اتخذه المبعوث الفرنسي، وبالتالي إعادة العمل وفق ما اتفق عليه في اجتماعي اللجنة الخماسية في باريس شباط 2023، وفي الدوحة تموز 2023.

ضغوط على السياسيين
تلويح لودريان بإمكانية فرض عقوبات، لا يمكن فصله عن لغة استخدمها الأميركيون والسعوديون في اجتماعي باريس والدوحة. وهذا يعني إطلاق مرحلة جديدة من الضغوط على القوى السياسية اللبنانية لدفعها إلى تقديم تنازلات. يأتي ذلك إثر التحركات التي قام بها الموفد القطري في لبنان، من خلال لقاءاته مع غالبية الأفرقاء، وذلك للبحث عن قواسم مشتركة.
حتى الآن لا يزال الثنائي الشيعي متمسكاً بترشيح سليمان فرنجية. ولهذا الموقف قراءتان، الأولى تشير إلى الثبات على الموقف غير القابل للتعديل حالياً، فيما الثانية تشير إلى أن رفع السقف يهدف إلى استدراج عروض تفاوضية. وبالتالي، كل طرف يرفع السقف لتحصيل المزيد من المكاسب والضمانات. خصوصاً أن هناك قناعة راسخة بأنه في حال لم يتنازل الحزب عن موقفه ومرشحه، فلن يكون هناك أي أفق للحلّ. بينما اتجاه آخر يشير إلى أن الحزب قد يراهن على تطورات أميركية إيرانية من شأنها أن تصب في صالحه لبنانياً.

تسوية متوازنة؟
على هذا الخطّ، تقول مصادر متابعة، إن الأميركيين يؤكدون بأنهم يريدون الوصول إلى رئيس في لبنان. ولكن هذا لا يعني منح حزب الله ما يريده، وتلبية شروطه وتقديم التنازلات له. يقول الأميركيون أكثر من ذلك، إن إيران لم تحقق أي انتصار في منطقة الشرق الأوسط. صحيح أنها لم تهزم ولكن لا يمكنها التعاطي وفق منطق المنتصر. وبناء عليه، يتحدث الأميركيون عن تسوية متوازنة. وهو ما يريده السعوديون والقطريون أيضاً.
في لبنان أيضاً، ثمة من يقرأ في كل هذه التطورات، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تراجع خطوة إلى الوراء في مسألة مبادرته الحوارية التي رفضها الأفرقاء المسيحيون، ولا سيما القوات اللبنانية وحزب الكتائب والتيار الوطني الحرّ، الذي وضع شروطاً متعددة لآليات وبنود هذا الحوار.
بالموازاة، لا يزيل برّي من حساباته البحث مجدداً عن التفاوض مع السعودية، على قاعدة أنه الوحيد القادر على إنتاج توافق معها، وأن بإمكانه تحقيق قواسم مشتركة، فيما هناك اتجاه سعودي لعدم الدخول بالتفاصيل اللبنانية ويومياتها، على قاعدة أن التفاوض يمكن أن يحصل مع إيران.
في هذا السياق، هناك تجربة سابقة مع برّي تتعلق بتوجيه دعوتين له لزيارة المملكة أيام السفير السعودي علي عواض العسيري، ودعوة أخرى وجهت إليه في العام 2018 إلا أنه لم يلب الدعوتين، وذهب حينها إلى طهران، والتي وازنها بزيارة إلى النجف في العراق ولقائه الشهير مع المرجع السيد علي السيستاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى