ثقافة ومجتمع

أين هو الأثَرُ المصري على الرحباني؟

كتب عبد الغني طليس في الجمهورية

يوقّع الشاعر والكاتب عبد الغني طليس كتابه «أسرار الكنوز بين الرحباني وفيروز» غداً الأحد، في معرض بيروت للكتاب، بين الخامسة والسابعة في دار نلسُن.

 

مقطع من الكتاب:

تأثيرات الملحنين والموسيقيين القدامى على الأخوين رحباني، واضحة في تصاريحهما التي يذكُرون فيها سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد ، ووديع الصافي. لكن، عندما تُعيدُ الاستماع إلى نتاج سيّد درويش بأغانيه واسكتشاته، وكذلك أعمال عبد الوهاب الحوارية السينمائية (في الثمانينات اشتُهِرت عدة فرَق لبنانية بإحياء ذلك التراث القديم ) تَجدُ أنّ الأثر الدرويشي والوهابي على الرحباني كان جليّاً في تلحينهما الحوارات والأغاني التابعة لقصّة المسرحية تحديداً، أكثر من الأغاني الأخرى العاطفية أو الوطنية. فالأغاني المسرحية المرتبطة بسيناريو العَمَل لها طريقة خاصة في التلحين مختلفة عن طرُق تلحين بقية الأغاني.

 

وكان واضحاً أن سيّد درويش الذي سبقَ الرحباني بثلاثين عاماً، أنجز لائحة أعمال خلَقَت مسرحاً غنائياً فريداً ووحيداً ويتيماً في كل العالَم العربي، ومنهُ لبنان، ويفوق عددُها الثلاثين مسرحية خلال زمن قصير، وهنا التشابُه مع الرحباني حتى في الغزارة والجودة معاً. وكذلك عبد الوهاب الذي اشتغل للمسرح وللأفلام الغنائية حوارات متميزة. عاصي ومنصور الرحباني، لم يكن في ذاكرتهما «الشرقية» الحواريّة إلّا أعمال سيّد درويش ومحمد عبد الوهاب، والأرجح أنهما تَشَرّبا عنهما أسلوبهما في تلك الحوارات المُغنّاة والإسكتشات، وولّداها رحبانية…بالتوقيع والهوية، خصوصاً في حالات تجاذُب الكلام بين شخصين، واشتداد النبرة أو ضَعفها. هذه الخاصيّة كان احترفها السيّد والوهاب أكثر من كل الآخرين من مُجايليهما.

 

أمّا في تلحين الأغاني، وموسيقى مقدّمات الفصول المسرحية فلا أثرَ للوهاب ولا للدرويش على الأخَوين يظهر. وهذا الإكتساب شمل المرحلة الأولى من مسرح الأخوين الغنائي، لكنْ بعد ذلك يمكن القول بثقة إنّ تلحين الحوارات الغنائية في المسرح الرحباني بات خصيصة من خصائصهما الدامغة، كمَن استعار جناحاً ليطير، وبعدها نبتَت له أجنحة فاستغنى عن الجناح الأوّل واعتمد على أجنحته الخاصة التي تفوّقَت على الجناح الأول بالدّربَة والمراس والاحتراف. كان ينبغي أن يُسأل عاصي ومنصور أو الإثنان معاً عن هذه النقطة، لكن يبدو أنّ اعترافهما البَدئي الطوعي بأثر فنّانَيّ مصر الكبيرَين عليهما «وفّر» أو قطَع علينا أو في الأقلّ جنّبَنا البحث في التفاصيل. كان تفصيلاً مهمّاً لو عرفناه وسمعناه منهما.

 

لكنّ الجيل الذي صعِد بعد سيّد درويش، قضى على كل أغنية غير طويلة، وتوجّهَ أفواجاً إلى التطريب والتفخيم والترخيم بعيداً من الإختصار والتقصير والتكثيف الذي اجتهد سيد درويش في سبيل تثبيته كنوع غنائي له أدواته الإبداعية اللماحة، وكادت تنتقل عدوى «توسيع» الأغنية إلى لبنان، لولا القطار الرحباني الذي أقلع صعوداً بأغنيته المختصرة كلاماً ولحناً ومسرحاً، وبنماذج تشبه الحكمة في اللغة، ما قلّ ودلّ. وهنا مُناسَبة للقول إنّ الأخوين رحباني اطّلَعا على أشكال ومضامين وحيثيات المسرح الغنائي الغربي، ليس حيثُ ركّز سيد درويش، إيطالياً فقط، بل في كل بلد كان فيه المسرح الغنائي يجدُ زخماً وتقدّماً. فموسيقى الأغاني الغربية عندهما، «كوم» والمسرح الغنائي «كوم» آخر لأنّه أشمل، وقادر على اختزان خبرات فنية استطاعا التعلّم منها، وتحوّلا إلى مُجدّدَين فيها عاملَين على بناء مساحة خاصة مفتوحة على هضم الجديد، واستيعابه بالوعي التام لتفاصيله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى