فن

هوس” الدراما المعرّبة.. هل هناك “شحّ” في الكتّاب؟

بين ليلة وضحاها، تغيّر مسار الدراما العربية لتغزوها الدراما التركية المعرّبة. كمبدأ، لست ضدّ الفكرة؛ لكن أن تصبح موضة وهاجساً إنتاجيّاً، فهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعاني الساحة العربيّة من شحّ في عدد الكتّاب؟ بالتأكيد لا. بالتأكيد الفنّ العربي يضمّ مجموعة أسامٍ كفيلة بابتكار السيناريو المطلوب، وبالصيغة التي تشبه بيئة الوطن العربي.

لربما لم أكن لأطرح هذا الموضوع، لو لم أكن من متابعي كلّ من الدراما العربية والتركية. “هلّل” مؤخراً العديد من صنّاع الدراما إثر إعلان أنّ مسلسل “للموت” للكاتبة اللبنانية نادين جابر، سيتمّ تصويره بنسخة تركية. أن “نصدّر” سيناريو، معناه أننا نحن أيضاً لدينا ما نقدّمه. بالطبع هناك كمّ كبير من الكتّاب والمخرجين وصنّاع الدراما والمنتجين، ذوو كفاءة عالية لخلق قصة عربية من جهة، تعكس نمط الحياة المواطن العربي بكافة حالاته الدينية، الاجتماعية، الثقافية، العائلية، الفنية، وغيرها. هنا أستذكر قول صديق لي أثناء مشاهدة حلقة لمسلسل معرّب: “المسلسلات التركية أصلاً بكثير قصص ما بتشبه بيئتنا، وطريقة تفكيرنا”. هذا الأمر بديهي، ما دام الفن يعكس المجتمع، والكاتب يبقى حاملاً بامتياز لقب “ابن بيئته”.
نعم أتابع الدراما التركية، وأجدها تمكّنت إلى حدّ كبير من ملامسة الواقع كما هو لا كما نريد أن نراه. بمعنى، تتناول الدراما التركية تفاصيل حياتية نعيشها كالعلاقات العاطفية المعقّدة، العلاقة الجنسية قبل الزواج، المساكنة، انتقال الشاب أو الفتاة للعيش بمفردهما في منزل منفصل، حتى أزياء الممثلات بالتحديد التي تميل أكثر إلى اللباس المكشوف، فضلاً عن المشاهد الحميمة التي تأتي لتخدم منطق القصة السردية والمشهد (من الطبيعي أن يكون بين الحبيبين قبلات وغمرات…). كلها مواضيع تطرح في الدراما العربية، ولكن بطريقة خجولة، ذلك لأنّ المجتمع أصلاً لا يتقبّلها، أو يفضّل أن تبقى “مختبئة” بينما هي في الواقع أمر حاصل.
إنه عصر الدراما التركية المعرّبة، فما أن يُشرف مسلسل ما على نهايته، حتى نتحضّر لمسلسل آخر. والاسم يتصدّر العناوين على السوشيل ميديا. أيا ليتنا “ننفحط” بالقدر ذاته للدراما العربية! لو كانت هناك خطة تسويق للدراما العربية بالقدر ذاته! أيا ليت المنتجين يركّزون أكثر في فكر وإبداع الكتّاب العرب! أيا ليت المؤسسات التلفزيونية تعمل على دعم المسلسلات العربية! القصة تفوق حجة الـ”budget” لأنّ تكلفة المسلسل المعرّب عالية. هذا إذا استثنينا فيض الحديث في تكرار أسماء الممثلين والممثلات، الذي يؤدّي في بعض الأحيان إلى عدم نجاح الخلطة في تركيب الأدوار لأنّه من غير المنطق أن تبدو الأم والابنة وكأنهما أختان إن لم نقل أنّ البنت تبدو هي الأم.
لماذا الدراما التركية؟ فقبلها كانت هناك المسلسلات المكسيكية التي كانت “trend” لفترة طويلة على شاشات التلفزيون، ولكن لم نشهد نسخة معرّبة منها. مهما كانت الأسباب وراء هذه الموجة، يبقى كلّ “أصلي” أفضل من التقليد، والنسخة الأصلية هي الأساس. وفي حالات نادرة قد يحدث العكس، ويتفوّق التلميذ على الأستاذ، كما في مسلسل “كريستال”، فأنا شخصياً وجدت النسخة “المعرّبة” أقوى. ولكنّ الدراما العربية تحتاج أن تكون بأمان أكثر ليس فقط من حيث السيناريو، وإنما من حيث تنوّع المواضيع كما الممثلين والممثلات.

 

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى