لم يعد الخلاف على انتخاب رئيس الجمهورية، هو السبب الحقيقي للمشكلة التي يعاني منها لبنان حاليا، وإن كان هو الواجهة التي يتلطى وراءها حزب الله وبعض حلفائه ظاهرياً، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل ما يقارب السنة والنصف، بل يظهر جلياً مع مرور الوقت ان المشكلة ابعد من الانتخابات الرئاسية، وتتعداها إلى التركيبة السلطوية عموما، وموقع لبنان من خريطة المنطقة العربية التي ترسم حاليا، من خلال نتائج الحرب الإسرائيلية التدميرية على قطاع غزّة، والحروب الدائرة على هامشها في المنطقة، وعلى الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل، ودوره المستقبلي وتبعيته السياسية والاقتصادية.
الصراع السياسي المحتدم بالداخل اللبناني حول شخصية رئيس الجمهورية المقبل، وانتمائه السياسي، وإبقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية منذ قرابة العام والنصف، بالرغم من حدة الازمة المتعددة الاوجه ووطأتها القاسية على اللبنانيين، لم يحصل بالصدفة، بل كان مخططا له، لتسهيل تنفيذ الاهداف المتوخاة منه على المدى البعيد.
تبع تعطيل الانتخابات الرئاسية مباشرة، انقسام حكومة تصريف الأعمال والشلل الجزئي بعملها ومهماتها، وضعف الاداء في مختلف ادارات الدولة، اضعاف السلطة القضائية ومنعها من القيام بالمهمات المنوطة بها في ملاحقة المتورطين بالفساد والملفات المشبوهة، الفراغ في الوظائف والمراكز القيادية، وتردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية للمواطنين.
لم يقتصر الامر عند هذا الحد، فكان قيام حزب الله بفتح جبهة المواجهة مع العدو الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية، من جانب واحد، تحت عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، متجاهلا وجود الدولة وحكومتها ومؤسساتها، وسياسيها وقادتها ورغبة معظم الشعب اللبناني برفض الانجرار الى الحرب خارج حدود لبنان ولحسابات خارجية، وكان هذا الحدث أبرز مؤشر على سبب تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية عمدا، وابقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية.
كان لتدرج الاحداث وهول المخاطر والتداعيات المحدقة بلبنان منذ، اندلاع المواجهات العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي جنوبا قبل ستة أشهر، أكثر من دافع ضروري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، الا ان استمرار حزب الله بربط انتخاب رئيس للجمهورية، تارة بوقف اطلاق النار في غزة وتارة اخرى بانتهاء المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية، يزيد من الإشارات والدلائل بوجود نوايا مبيتة، ابعد من الخلاف على الرئاسة لاسباب محلية.
اما الاهم في كل ما يحصل، فهو ما كان يمرر على هامش تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية طوال هذه المدة، من شعارات وموصفات تبرر التعطيل، بداية من فرض اجراء حوار مسبق بين الاطراف السياسيين، او لجهة شخصية الرئيس المقبل، وميوله السياسية، تارة ان لا يطعن المقاومة، وتارة اخرى ان يكون شجاعا ولا يخاف الاميركييين، كما قال الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ذات مرة، وغير ذلك من مفردات الحزب السياسية.
بعد ستة أشهر على المواجهة المحتدمة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية، واضرارها وتداعياتها على مناطق الاشتباكات الحاصلة وعلى لبنان كله، لا يظهر ان انتهاء حرب غزّة قريبا، بعد فشل المساعي المبذولة على أكثر من صعيد، هل يستمر الحزب برفض الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، للخروج من دوامة المأزق الذي تسبب بإدخال لبنان فيه، بممارساته وسياساته الملحقة بايران ولحساباتها ومصالحها الاقليمية والدولية، بالرغم من كل المحاذير والمخاطر الناجمة عن ذلك؟
لا شك أن استمرار الحزب بالمواجهة المحتدمة جنوبا، بكل تداعياتها ومؤثراتها الخطيرة على الداخل اللبناني، وعدم الاخذ بالاصوات الوطنية الداعية لوقف هذه المواجهة، التي وصلت في انظار الكثيرين الى حائط مسدود تقريبا، في ظل اختلال موازين القوى بفعل الدعم الاميركي اللامحدود لإسرائيل، حفاظا على مصلحة الوطن كله ومصلحة الحزب ايضا، فهذا معناه انسداد آفاق الحلول للازمة المستعصية، والاستمرار في مسار الانحدار نحو الأسوأ، وقد تكون الافضلية لتحقيق الاهداف المرجوة من تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية والشلل بمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها إعادة النظر بالنظام السياسي وتوزيع السلطة السياسية، ووضع تشريعات لقوننة سلاح الحزب، أسوة بماحصل بالعراق، لابقائه سيفا مسلطا على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وقراراتها السياسية ومقدراتها الاقتصادية، وموقعها ودورها الاقليمي والدولي، وإن كان تنفيذ مثل هذه الاهداف المبيتة، مرفوضا من معظم اللبنانيين، ويضع لبنان كله في مهب مواجهة غير محسوبة.
اللواء