![](https://lebnewsonline.com/wp-content/uploads/2024/04/535-13-780x470.jpeg)
إذ عدنا إلى منع رقصة التويست في كانون الثاني 1963، نلاحظ مزاجية وغرائبية في تعاطي السلطة، لا أحد يفهمها. في زمانها عنونت جريدة “لسان الحال”: “أزمة وزارية بسبب التويست”، وعنونت صحف أخرى “منع رقص التويست في لبنان وتغريم الراقص عشر ليرات”، و”جنبلاط يقرر تأليف لجنة خاصة لتنفيذ برنامج أخلاقي تتضمن رجال الدين وممثلي الجامعات والمعاهد”.. و”جنبلاط: أخرجنا هوليداي لأن وجوده كان يشكل خطراً على أمن لبنان”. فجأة تحول جنبلاط “التقدمي” و”الإشتراكي” و”العلماني” إلى حارس للأخلاق، ويقف في خندق رجال الدين.
ولم يكتمل المشهد هنا. ففي العام 1973، عاد جوني هوليداي إلى بيروت وأقام حفلتين في الأونيسكو، وكتبت مجلة “الشبكة”: “أخرجه كمال جنبلاط وزير الداخلية العام 1963 من الباب فأعاده صائب سلام عام 1973 من الشباك..”.
غير أن الجهود كلها باءت بالفشل، فالوزير كان مصرّاً على مواقفه، ورقصة التويست التي لم يعرف عنها شيئاً، ولم ير أحداً يرقصها، كانت في نظره رقصة فاجرة يمارسها الفتيان والفتيات بشكل غريزي، وهو يريد أن يكون الرقص عقلانياً. وأشفع الوزير آنذاك تدبيره، بقرار إخراج المغني من الأراضي اللبنانية على الفور. وذكرت الصحف العالمية الحدث تحت عناوين بارزة، خصوصاً بعدما أرسل أحد الصحافيين اللبنانيين إلى الجريدة الفرنسية التي يراسلها، صورة للمغني بدا فيها واقفاً على درج الفندق متظاهراً بالبكاء. وهو بين حاجبَين يرتديان بزتهما الرسمية فاعتقد الجمهور الأوروبي أن الرجلين هما من البوليس، وقد ألقيا القبض على هوليداي واقتاداه تحت الحفظ إلى المطار.. فعلقت الصحافة الأوروبية آنذاك “إن لبنان ما زال يعيش خارج حلبة العصر!”.
وحين عاد هوليداي مرة أخرى إلى لبنان، كانت التويست قد تراجعت، وحلّت محلها عشرات الرقصات. وتنقل مجلة “الشبكة”(12 شباط 1973 عدد 890) أن جوني هوليداي أراد مقابلة كمال جنبلاط، وحين قيل له أن جنبلاط لم يعد وزيراً للداخلية، وبالتالي لم يعد سلطة، قال أعرف ذلك، فألحّت المجلة أن تعرف سبب طلب المقابلة، فأجاب جوني “إذا قبل بمقابلتي تعرفون الهدف”. وسئِل إذ كان يود معرفة سبب منعه من الغناء العام 1963، فنفى ذلك. وألمح الى أن أهداف المقابلة هي فتح حوار فكري فلسفي مع جنبلاط، بعدما عرف أنه مفكر تجمعه به آراء متشابهة و”كان جنبلاط منهمكاً بالأوضاع السياسية القائمة، وقد تناول طعام الغداء عن البطريرك الماروني”. وتلقى متعهد حفلات جوني جواباً بأن اللقاء لن يتم بسبب سفر جنبلاط إلى دمشق يومها، وهكذا.
يكتب الصحافي جان شاهين “وبقيت أسعى لمعرفة موضوع المقابلة. فإذا بي أكتشف أن هوليداي الذي يبدو مجنون غناء على المسرح، هو صاحب نظرة عميقة في الحياة. كما عرفت أن له مبادئ خاصة في الفلسفة والإنسان والمجتمع استمدهما من النظريات الفلسفية الهندية، وقد اراد ان يتحاور بشأنها مع جنبلاط. وقد برهن هوليداي عن إعتناقه لمثل هذه النظريات خلال حفلته، عندما قعد على أرض المسرح على طريقة الفقير الهندي، مستغرقاً في شبه غيبوبه طوال عشرين دقيقة، مستسلماً لأصوات قرع الطبول الهندية، وما كان يعتمل في داخله”. ويكتب صحافي مجلة “الشبكة”: “إنها طريقة من طرائق اليوغا التي يمارسها ليقوى على القيام بغنائه الذي يتطلب منه مجهوداً جسدياً قوياً”…
والحال إن طرائق اليوغا الجنبلاطية المجبولة بالسياسة، قادت الى أسلحة وحروب محلية وتحالفات متقلبة ونزاعات لا طائل منها. بمعنى آخر، رقصة التويست خطر على أمن البلد، أما انتشار السلاح والمقاتلين فهو غصن زيتون.