فيما لجأ عشرات آلاف الإسرائيليين منذ 200 يوم إلى الفنادق بعيداً عن مستعمراتهم المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان، وأُغلقت الأعمال التجارية والمصانع والمواقع السياحية في «شمال إسرائيل» الذي يئنّ تحت وطأة ضربات حزب الله، ويخشى رؤساء المجالس الاستيطانية على مستقبل الاستيطان في المنطقة، أطلق مستوطنون في الضفة الغربية حملة منفصلة عن الواقع، تدعو إلى الاستيطان في جنوب لبنان.
ففي العاشر من الجاري، عشرات من أتباع التيار الصهيوني الديني، في «الحدث الأول من نوعه» الذي دعوا إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مسيرة سيّارات من كيبوتس«ألونيم» في الجليل الأسفل، وتنظيم وقفة تنادي بـ«إقامة مستوطنات في جنوب لبنان لإعادة الأمن للمستوطنات الشمالية». وكان معظم المشاركين ممّن ينتمون إلى حركة «نحلاه» الاستيطانية التي جمّعت حتى الآن 600 طلب من عائلات يهودية ترغب أيضاً في الاستيطان في قطاع غزة، ونظّمت في القدس المحتلة قبل أشهر مؤتمر «عودة الاستيطان إلى غزة» بحضور وزراء وأعضاء في الكنيست من «الليكود» وكتلة «الصهيونية الدينية».
ومنذ اندلاع الحرب، ظهرت أصوات تنادي بعودة الاستيطان في غزة وجنوب لبنان. ففي مقابلة مع «القناة 13» الإسرائيلية في كانون الثاني الفائت، قالت رئيسة «نحلاه» دانييلا فايس إن «إقامة بلدات (مستوطنات) إسرائيلية في غزة هي أقوى ضربة يمكن توجيهها للعدوّ. إذا طأطأت حماس رأسها، فإن حزب الله سيخفض رأسه أيضاً. وإذا أقدم الأخير على خطوات أكثر خطورة، فسنصل إلى وضع يكون فيه استيطان في لبنان أيضاً».
غير أن المسيرة الأخيرة مرتبطة، كما توضح استمارة الدعوة إليها، بمقتل جندي صهيوني يدعي يسرائيل سوكول مع 23 جندياً آخرين في «مقتلة المغازي»، عندما فجّر مقاومو «حماس» مبنيَين مفخّخين وأجهزوا على من فيهما. إذ إن سوكول هذا «كان يحلم لسنوات بمستوطنة إسرائيلية في جبال لبنان يُعيّن مؤسساً لها. كان يعلم أن هذا اليوم سيأتي، وحان الوقت ليصبح حلمه حقيقة»، وفقاً لما يرويه قريبه وصديقه، إلياهو بن آشر. ولذلك، ذيّلت عائلته شاهد قبره بعبارة «رأيتك غزة، من ظلال أرز لبنان»، وهي «تعبّر عن الطريق الذي آمن به» قبل أن تدفن المقاومة أحلامه معه في مستوطنة «كرني شومرون» في الضفة الغربية المحتلة.
وكتب آشر في موقع «سروغيم» أن «الحرب بالنسبة إلى سوكول لم تكن ضد الإرهاب، أو من أجل البيت، بل حرباً من أجل أرض إسرائيل وقلبها: جبل الهيكل. كان يقاتل لإعادة أراضي إسرائيل إلى أبنائها الحقيقيين». وأضاف: «أرض إسرائيل لا تتوقف عن كونها أرض إسرائيل إذا قررت الدولة الانسحاب منها أو إذا قررنا نسيانها. وستلاحقنا كلمّا حاولنا الفرار منها. هذا ما حدث لنا في غزة، وهذا ما حدث لنا منذ عقدين حيث تطوف الآن روح سوكول في لبنان. وهو دائماً أن النصر يعني سلب الأرض من العدوّ. الأراضي التي هي أرض الوطن: في غزة وفي لبنان وفي جبل الهيكل». وتابع أن جنوب لبنان هو «ببساطة شمال الجليل. والحدود الطبيعية الواضحة بين إسرائيل وجبال لبنان تمرّ عبر نهر الليطاني الذي قال عنه موسى: أرض العيون التي تجري في الوادي والجبل. الحدود الإسرائيلية الحالية مصطنعة تماماً مثل الجدار الذي بنته إسرائيل على طولها في السنوات الأخيرة. فلا يوجد شيء مقدّس في اتفاقيات سايكس بيكو التي خلقت هذه الحدود، كما أن الحدود الفاصلة بين الجبال والوديان، هي محض خطّ على الخريطة». ولذلك، فيما «نقف اليوم على شفا حرب كبرى مع لبنان (…) هذه المرة علينا أن نأتي إلى لبنان بفهم ورؤية واضحين: السيطرة الإسرائيلية الحقيقية على كامل المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، لأن هذا هو مفتاح الأمن الحقيقي».
وفقاً لمخيال آشر وسوكول وغيرهما من الصهاينة الدينيّين، فإنّ جنوب لبنان جزء من «الأرض الموعودة» التي تشمل «أراضي سبطي نفتالي وآشير المكمّلين للأسباط الـ 12 اليهود، وتمتّد حتى ما بعد نهر الليطاني، وصولاً إلى صيدا». غير أن مسيرة «ألونيم» لقيت سخرية من الإسرائيليين أنفسهم الذين علّق بعضهم على الصور والفيديوات المنشورة: «أليس علينا أن نعيد مستوطني الشمال إلى بيوتهم أولاً؟».
بيروت حمود- الأخبار