تكثّف الحركة الدبلوماسية تجاه لبنان بالتوازي مع حراك إقليمي يأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة من شأنه أن يترك المنطقة تتنفّس بعض الأوكسيجين. ثمة رهان على الجهود الدبلوماسية ولكن الجولات السابقة، المماثلة، أسقطت كلّ الرهانات وتركت الميدان للحديد والنار. وعليه، يبقى المنحى التشاؤمي هو الغالب على متابعي الشأن الإقليمي.
لبنانياً، أعاد الفرنسيون تزخيم مبادراتهم ليثبتوا أنّهم لم ييأسوا من الملف اللبناني ولا يزالون يعوّلون على إنجاز ما في هذا الملعب، ما يجعل منهم شركاء في التسوية حين يحين أوانها. إلّا أنّه يبدو أنّهم تعلّموا من الجولات السابقة ومن تجاربهم في الحقل اللبناني، حيث يحرصون على التنسيق الدقيق والمفصل مع الأميركيين بعدما وقعوا أكثر من مرة في الفخّ لظنّهم أنّ واشنطن منحتهم ضوءاً أخضر، ليتبيّن أنّه أحمر أو برتقالي حال دون وصول مراكبهم إلى شاطئ الأمان.
الورقة الفرنسية المعدلة صارت في بيروت وقد تسلمها كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تمهيداً لعرضها على «حزب الله»، ولو أنّ الكلّ يتعامل مع هذه الورقة على أنّها إطار شكلي، لا يقدّم ولا يؤخّر، لأنّ النقاش الفعلي يحصل في مكان آخر، وتحديداً مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي لا يزال معتصماً بالصمت حتى مع بعض الدبلوماسيين الأميركيين.
وفق المتابعين، جلّ ما يفعله الفرنسيون هو الضغط من جديد لفصل الملف اللبناني عن ملف غزة وتخفيف حدّة التشنّج على الحدود. هو مسعى محكوم سلفاً بالفشل نظراً لتشدّد «الحزب» في مسألة الربط، إلّا أنّ العمل الدبلوماسي يقتضي المحاولة دائماً، لعلّ وعسى. ولكن في هذه الجولة، ابتعد الفرنسيون عن لغة التهديد والتحذير التي تسلّحوا فيها منذ بدء الحرب، بعدما اقتنعوا أنّها لن تغيّر في سلوك «حزب الله» ولجأوا إلى أسلوب الأوراق المكتوبة لعلّها تحقق ما عجزت عنه «دبلوماسية الوعيد». بالتوازي يعمل الفرنسيون على إقناع القوى اللبنانية بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت، ويضربون موعد حزيران كحدّ أقصى بحجة أنّ الإدارة الأميركية ستقفل أذنيها من بعدها لانغماسها في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض.
ولكن في الواقع، لا شيء يوحي أنّ مبادرة إدارة إيمانويل ماكرون سيُكتب لها النجاح، لأنّ الأحداث دلّت بشكل واضح، وخلافاً لما يعلنه السياسيون والمعنيون، على أنّ لا رئاسة قبل وقف إطلاق النار. وكلّ الحراك الحاصل، سواء من جانب سفراء «اللجنة الخماسية» أو كتلة «الاعتدال الوطني»، هي من باب تحضير الأرضية لا أكثر. وإذا لم تهدأ لغة القصف والقذائف لن يوضع الملف الرئاسي على الطاولة.
أمّا إذا نجحت المفاوضات المكثفة التي تستضيفها القاهرة، والتي تتميّز عن الجولات السابقة، بالضغط الغربي، وتحديداً الأميركي، في إرساء هدنة، ولو موقتة، فمن شأن ذلك أن يطلق دينامية جديدة في لبنان قد تثمر خطوات عملية. وفق المطلعين على موقف «حزب الله»، هو لم يقدّم أو يوثّق أي التزام مباشر أو غير مباشر في ما خصّ الحدود الجنوبية خصوصاً أنّ الحرب لم تضع أوزارها وبالتالي لم تُحسم نتائجها، وذلك ردّاً على ما يُنقل عن هوكشتاين بأنّه «أنجز» شبه اتفاق حدودي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري يشمل النقاط الـ13 والنقطة B1. ومع ذلك، يرى المطلعون أنّ التوصل إلى هدنة في غزة سيطلق مساراً جديداً في لبنان يبدأ باتفاق حدودي وينتهي بإنجاز الرئاسة.
ولكن من يتواصلون مع هوكشتاين ينقلون عنه تفاؤله بشأن إنجاز اتفاق حدوديّ جديد. يرفض الكشف عن التفاصيل أو طبيعة الضمانات التي سيقدّمها لإسرائيل، ويكتفي بالقول إنّ إنجاز هذا الاتفاق ليس صعباً. وفق المتابعين، فإنّ العقدة لا تكمن في كيفية تطبيق القرار 1701 بحدّ ذاته، وإنما بكيفيّة تحقيق مطلب إسرائيل بالحصول على ضمانات تجعلها لا تتعرّض لـ»طوفان من جنوب لبنان». حتى الآن لا إجابات واضحة على هذه الإشكالية. والمفتاح لا يزال في غزة.