
كتب الاعلامي خليل مرداس في السياسة:
وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، يقف كأيقونة سياسية نادرة في لبنان، يجسد في شخصه عمق الحكمة وذكاء المناورة. إن مسيرته السياسية الطويلة تكشف عن حنكة فذة وقدرة استثنائية على قراءة ما بين السطور في خضم بحر السياسة المتلاطم.
إن حنكة جنبلاط ليست مجرد تكتيك سياسي، بل هي رؤية نابعة من فهم عميق لتاريخ المنطقة وتعقيدات نسيجها الاجتماعي والسياسي. يراقب الأحداث بعين الصقر، لا يغيب عنه خيط واحد في نسيج الأحداث. يتنقل بين الحلفاء والخصوم بخفة، ويعرف متى يجب أن يرفع الصوت ومتى يلتزم الصمت، ليدع الزمن يتكلم بدلاً عنه.
جنبلاط، كفنان ماهر، يعرف كيف يمزج الألوان في لوحته السياسية ليخلق توازنًا دقيقًا بين المتناقضات. ففي عالم السياسة اللبنانية، حيث تتصارع الأطياف المختلفة وتسود الفوضى، يستطيع جنبلاط ببراعة أن يجد لنفسه مكانًا وسط هذا المشهد المتشابك، محافظًا على مكانته ومصلحة حزبه بذكاء نادر.
تكمن قوة جنبلاط في قدرته على استشراف المستقبل، ليس من خلال التنبؤات العشوائية، بل عبر تحليل دقيق ومعمق للوقائع والمعطيات. يرى في الظلال مؤشرات، وفي التفاصيل الصغيرة حقائق خفية. إنه قارئ بارع للغة السياسة غير المكتوبة، يجيد فك رموزها والتنبؤ بتوجهاتها.
في أوج الأزمات، تجد جنبلاط كالسفينة التي تعرف وجهتها وسط العواصف. لم تثنه العواصف السياسية ولا التغيرات الكبرى عن مساره، بل زادته إصرارًا ومرونة. يدرك جيدًا أن السياسة ليست مجرد مواقف ثابتة، بل هي حركة دائمة وتغير مستمر، ومن هنا تأتي قدرته على البقاء والنجاح.
إن وليد جنبلاط، بهذا الذكاء الفطري والتجربة الغنية، يظل مثالاً يُحتذى في عالم السياسة اللبنانية، يعكس صورة القائد الذي يجمع بين الحكمة والجرأة، والتكتيك والاستراتيجية. إنه درس في الفطنة السياسية، يُكتب عنه الكثير، لكن يظل دائمًا هناك المزيد لاكتشافه في رحلته المستمرة.