اخبار اقتصاديةثقافة ومجتمع

التّعويض على أهالي الجنوب يتسبّب بشرخ في المجتمع اللبناني: فمن أين التّمويل؟

كتبت باولا عطية في "alsafanews" 

لا تزال مسألة أحقّيّة التعويض على أهالي الجنوب من عدمها، حديث الساعة، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بتخصيص 93 ملياراً لدفع تعويضات لشهداء العدوان الإسرائيلي، وعن الدمار الذي لحق بالمنازل في المنطقة الحدودية، وما صاحب هذا القرار من أصوات معارضة، ذهب بعضها إلى التهديد بالعصيان المدني، في محاولة لتأجيج الرأي العام. كما أثار بعض المعارضين مسألة التعويض لضحايا تفجير مرفأ بيروت مقابل التعويض لأهالي الجنوب، أمّا القسم الثالث فاعتبر أنّ التعويض على أهالي الجنوب يعني التعويض على مقاتلي حزب الله الذين أخذوا قرار الحرب من دون الرجوع إلى الدولة.

وإن غاب عن هذه الأصوات المعارضة شيء، فهو أنّ خطابهم لا يصبّ في خانة التمييز الطائفي وإثارة النعرات، وتجييش الشارع، فحسب، بل هو أيضاً تنميط لفئة مجتمعيّة، وصبغها طائفياً وسياسياً، وحصرها بطائفة وحزب، وبالتالي تهميش فئة أخرى غير منتمية إلى أي حزب ومن دين ومذهب مختلفين، وكتم صوتها وتغييبها.

مسح مجلس الجنوب 

في هذا الإطار، أوضح رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر لـ “الصفا نيوز” أنّ “حجم الخسائر في المنازل والمؤسّسات والممتلكات والسيارات والمواشي، وغيرها، وصل إلى مليار ونصف مليار دولار، تضاف إليها الخسائر في الأراضي الزراعية، بعد حرق 12 مليون متر مربع. والخطورة تكمن في القنابل الفوسفورية التي تسمّم المحصول الزراعي، وتكبّد المزارعين خسائر طويلة الأمد”.

وشرح هاشم أنّ أكثر من 3 آلاف بيت دُمّر كلّياً، و22 ألفاً تضرر، والأضرار الأساسية لا يمكن احتسابها إلّا بعد توقّف العدوان الإسرائيلي، وعندئذ يتمّ اجراء مسح تام، وتظهر الأضرار الفعلية. فالأضرار الكبيرة هي في المناطق غير الآمن الدخول إليها. ونحن متحفّظون عن الأرقام التي ننقلها، لأنها أقلّ من الواقع”.

وشدّد حيدر على أنّ “التعويض على المتضررين هو حقّ، وواجب على الدولة اللبنانية، ونحن نمارسه في مجلس الجنوب منذ الـ1970، أي منذ إنشاء المجلس. والخلاف قد يكون على مصدر التمويل، والجهة المسؤولة عن التعويض. لا أعتقد أنّ أحداً يعتبر أنّه لا ينبغي التعويض على أهالي الجنوب. ونحن لا نقدّم تعويضاً للأهالي على كلّ الخسائر التي تكبّدوها إنّما نعطي مساعدات جزئية بسقوف معينة”.

غياب التمويل
عمليًا، لم تقرّ الحكومة حتّى الآن أيّ آلية لتأمين مصادر تمويل لإعادة الإعمار في القرى الجنوبية المتضررة والتعويض لذوي الضحايا، رغم تشكيلها لجنة طوارئ لمتابعة أوضاع الجنوب والجنوبيين من  مطلع الحرب.

الخسائر بالأرقام
في المقابل، كشفت أرقام أعدّها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، عن فداحة الخسائر في الجنوب، في آخر تقرير صدر في 21 آذار الماضي.

وحسب التقرير، بلغ عدد النازحين في الجنوب 90,491، نحو 52 في المئة منهم من الإناث، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية، ومن بينهم نحو 1452 نازحاً، يتوزعون على نحو 18 مركز إيواء.

كما تجاوز عدد الشهداء اللبنانيين 316، بينهم نحو 54 مدنياً وفق وزارة الصحة. كذلك، بلغت مساحة الأراضي المتضررة في الجنوب أكثر من 790 هكتاراً وفقاً لوزارة الصحة، وهناك نفوق أكثر من 340 ألف حيوان، دواجن وطيور وخلايا نحل، وفقاً لوزارة الزراعة.

كما دمّر القصف الإسرائيلي 9 مرافق للمياه، يرتوي منها حوالى 100 ألف من سكان الجنوب. كذلك خسر نحو 72 في المئة من المزارعين مصدر دخلهم وفقاً لمنظمة الفاو.

في حين أقفلت 6 مراكز رعاية صحّية أوّلية في مرجعيون وبنت جبيل، و72 مدرسة رسمية وخاصّة جزئيًا أو كليًا في القرى الجنوبية المتضررة.

التعويضات المطلوبة  

يقول لـ”الصفا نيوز” حسن فقيه نائب رئيس الاتحاد العمّالي العام ورئيس اتحاد نقابات التبغ في لبنان، إنّ “أحقية أو عدم أحقية التعويض على أهالي الجنوب قرار أخذته الحكومة اللبنانية”، مذكّراً بأنّه “أنشئ مجلس الجنوب للتعويض على الجنوبيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة عليهم، إذ كانت إسرائيل ولا تزال تعتدي على الفلاحين، وتقصف الأراضي، وتقضي على المحاصيل، وتلحق الضرر بالأهالي”.

وأشار إلى أنّ “هناك عمّالاً تشرّدوا ومؤسسات ُدمّرت، عدا الأهالي المهجرين الذين خرجوا من بيوتهم وباتوا غير قادرين على زراعة أراضيهم أو حصد محاصيلهم. فمواسم التبغ خسر أصحابها ثلثي محصولهم، أمّا محصول الزيتون فجزء كبير منه لم يقطف العام الماضي، والحمضيات تأثرت أيضاً، والأراضي تسمّمت بالفوسفور الأبيض وتسلّلت رواسبه إلى المياه الجوفية، وحرق التربة، وهو سيتسبّب بأمراض سرطانية”.

ورأى أنّ “التباين في السياسة يجب أن لا ينعكس على المواطنين، ونحن نرفض الخطاب الذي يتمّ الترويج له، وهو غير محبّب في حقنا كلبنانيين نعيش في وطن واحد”.

وعن حجم التعويضات التي قد ترصد للجنوبيين، قال “يجب التعويض بمبلغ 20 ألف دولار لكلّ أسرة، خصوصاً الأسر التي نزحت من مناطق الشريط الحدودي، فقرى عيتا الشعب، والحي الجنوبي من الخيام، وكفركلا دُمّرت دماراً شاملاً”.

تعويضات حزب الله 

على مقلب آخر، لفتت مصادر جنوبية مطّلعة على ملف المتضرّرين “الصفا نيوز” إلى أنّ “حزب الله يعوّض على كلّ أسرة هُجّرت بسبب الحرب 4 آلاف دولار بدل إيجار بيت لسنة كاملة، و8 آلاف دولار بدل مفروشات. فضلاً عن توفير مبلغ 200 دولار شهرياً. وهذه المساعدات لا تقتصر على طائفة واحدة بل تشمل جميع الطوائف”.

التعويض في انتظار انتهاء الحرب  

 وقال الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد لـ “الصفا نيوز” إنّ “الأصول القانونية والطبيعية، في أي بلد، تنصّ على أنّه عند نشوب حرب أو حدوث كوارث طبيعية يتعيّن على الدولة تغطية الأضرار. وهو ما حصل في لبنان في الـ2006، والـ1996. ولكن الخلاف في لبنان سياسي، إذ يعتبر فريق أنّه ليس على الدولة أن تحمل وزر هذه الحرب، التي لم يكن للبنانيين يد فيها، بل حزب معيّن. في المقابل، هناك فريق يرى أنّه يجب التعويض، على الأقلّ انطلاقاً من مبدأ انساني. والإشكالية اليوم سياسية، وطائفية، ومناطقية”.

وعن الأرقام الكبيرة للتعويضات، والتي وصلت، بحسب تصريح الحكومة الأخير، إلى 5 مليارات دولار، بدل تكلفة خسائر مباشرة،  أى عبد الصمد أنّ “هذا الرقم جاء نتيجة أنّ عدد الشهداء (بغضّ النظر إذا كانوا تابعين لحزب الله أو مدنيين) فاق الـ500، كما فاق عدد المنازل المتضرّرة الـ5000 من ضمنها 700 منزل مدمّر كلياً، بالإضافة إلى الخسائر في الأراضي وتلوّث المياه، وتضرر المستشفيات والمدارس والحقول والأشجار. فيما نزح أكثر من 90 ألف شخص، ويتعيّن على الدولة مساعدتهم وإعالتهم. وهذه التكاليف المباشرة تضاف إلى التكاليف غير المباشرة التي هي أيضاً ضخمة جداً”.

واعتبر أنّ تغطية الدولة لهذه الخسائر أمر صعب جداً، وبالتالي، فإنّ الحلّ هو في المساعدات الخارجية. التي لا يمكن طلبها إلا بعد أن تتوقف الحرب”.

وفي انتظار توقف الحرب وإحصاء حجم الخسائر، يتواصل السجال الداخلي اللبناني ويزداد حدة من دون بوادر تسوية ورؤية وطنية موحدة إلى كل القضايا الخلافية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى