اخبار اقتصادية

المنطقة سوق واعدة لمفاعلات نوويّة سلميّة جديدة في خضمّ التوجّه العالمي نحو الطاقة “الآمنة”

كتبت باولا عطية في "النهار " 

 
أصبح التحدي المتمثل في تلبية الطلب العالمي المتزايد بسرعة على الطاقة، مع الحد من الانبعاثات الضارة للغازات الدفيئة، كبيراً للغاية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم سينمو من 7.8 مليارات نسمة في عام 2020 إلى نحو 9.7 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وهو ما دفع باتجاه رفع الطلب على الطاقة النووية المدنية، التي تُعدّ ثاني أكبر مصدر لإنتاج الكهرباء المنخفضة الكربون على مستوى العالم بعد الطاقة الكهرومائية. وفيما تخطط دول مثل الهند والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبولندا لإنشاء محطات نووية جديدة، وسط مخاوف بشأن أمن الطاقة، والتهديد الذي تتعرّض له إمدادات الغاز في أعقاب الحرب في أوكرانيا، حجزت الدول العربية مكاناً لها على خريطة الطاقة النووية العالمية. فما أهمية الاستخدام الآمن للطاقة النووية وكيف تعود بالمنفعة على الدول؟ وما أبرز مشاريع الطاقة النووية التي يجري العمل عليها في الدول العربية؟
بدأ تشغيل أول محطة للطاقة النووية في عام 1954، في الاتحاد السوفياتي. وأثبتت الطاقة الجديدة أنها شكل موثوق ومستقر للغاية من الكهرباء. وبما أن محطات الطاقة النووية لا تُغلق للتزوّد بالوقود إلا كل عامين تقريباً، فإنها توفر إمدادات الطاقة “الأساسية” على مدار الساعة.
وتمتلك الولايات المتحدة أكبر عدد من المفاعلات النووية العاملة على هذا الكوكب ويصل عددها إلى 96 مفاعلاً. وتبلغ قدرتها مجتمعة 97.565 ميغاوات، وشكلت العام الماضي حوالي 20 في المئة من حجم توليد الكهرباء في البلاد. أمّا فرنسا فتمتلك 58 مفاعلاً نووياً تنتج نحو 75% من الكهرباء في البلاد. وتشكّل الصين (48 مفاعلاً) واليابان (37) وروسيا (36) بقية المراكز الخمسة الأولى INFOGRAPHIC.
في حديثه لـ”النهار”، رأى الخبير في مجال الطاقة النووية في الشرق الأوسط، مصطفى الصفطي، أنّ “توليد الطاقة النووية يُعد جزءاً أساسياً من مزيج الكهرباء في العالم ويوفر حوالي 10 في المئة من الكهرباء عالمياً. وهو ثاني أكبر مصدر للطاقة المنخفضة الانبعاثات عموماً ويولد كهرباء تفوق الكمية المولّدة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية مجتمعة. ويعمل حالياً نحو 440 مفاعلاً نووياً في 33 دولة، بينما يجري بناء 60 مفاعلاً آخر في 15 دولة من بينها الصين والهند وروسيا. لذا فإن إجمالي القدرة النووية العالمية آخذ في النموّ، ما يستوجب إنشاء نظام مستدام للطاقة في المستقبل”.
وتشير جميع التقارير تقريباً حول إمدادات الطاقة المستقبلية الصادرة عن المنظمات الكبرى إلى دور موسّع للطاقة النووية.
في حزيران (يونيو) 2022، خلص تقرير وكالة الطاقة الدولية حول الطاقة النووية والتحولات الآمنة للطاقة إلى أن الطاقة النووية يمكن أن “تساعد في جعل رحلة قطاع الطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري أسرع وأكثر أماناً”، مع كون الطاقة النووية “في وضع جيّد للمساعدة في إزالة الكربون من إمدادات الكهرباء”.
وتكمن أهميّة الطاقة النووية السلمية في تخفيف الآثار البيئية الناتجة عن الانبعاثات المرتبطة بالطاقة، حيث شرح الصفطي، أنّه “في عام 2019، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة إلى 33.3 غيغا طن، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وفي عام 2020، وبسبب الاستجابة لوباء فيروس كورونا، انخفض الطلب على الطاقة الأولية بنحو 4 في المئة، وانخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 5.8 في المئة. وفي عام 2021، عادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات ما قبل الوباء، حيث ارتفعت بنسبة 5 في المئة لتصل إلى 33 غيغا طن”.
وإلى ذلك، يحدد هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، الذي صدر في أيّار (مايو) 2021، خريطة طريق محتملة لقطاع الطاقة العالمي تتوقع أنّه “سيرتفع استهلاك الكهرباء من حوالي 20 في المئة اليوم إلى حوالي 50 في المئة بحلول عام 2050، حيث تبرز الحاجة إلى المزيد من محطات الطاقة النووية، بقدرة 30 غيغاوات سنوياً ويجب بناؤها في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي ما سيضاعف كمية الطاقة النووية تقريباً بين عامي 2020 و2050”.
وبناءً على ذلك، تنظر الصناعة النووية إلى الشرق الأوسط باعتباره سوقاً محتملة كبيرة لبناء مفاعلات نووية جديدة، وفي خضمّ هذا التوجه العالمي نحو الطاقة النووية، تبنّت دول عربية عدّة خططاً واستراتيجيات جديدة من أجل رفع وتعزيز قدرات الطاقة النووية لديها.
يوجد حالياً ست دول في المنطقة، وهي مصر، إيران، الأردن، السعودية، تركيا والإمارات لديها برامج طاقة نووية مخطط لها.
وفي هذا الإطار يقول الصفطي “حققت دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازاً بارزاً من خلال بناء محطة براكة للطاقة النووية، وهي محطة رائدة للطاقة النووية في المنطقة تنتج 5.6 غيغاوات من الكهرباء النظيفة وتغطي 25 في المئة من احتياجات الإمارات من الكهرباء، وتمنع إطلاق 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، أي ما يعادل إزالة 4.8 ملايين سيارة من طرقات الدولة كل عام. أمّا مصر، فتابعت إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية التي تتكون من 4 مفاعلات نووية لإنتاج 4.8 غيغاوات من الكهرباء في عام 2028. (تمتلك مصر قدرات عالية من ناحية وجود قاعدة بحثية نووية عريضة، وخطط وُضعت منذ ستينيات القرن الماضي). كما أن السعودية بصدد اتخاذ خطواتها الأولى نحو بناء أول محطة للطاقة النووية تتكون من مفاعلين نوويين”.
وكان الأردن قد أعلن العام الماضي عن دراسة بناء مفاعلات نووية صغيرة للمساهمة في توليد الكهرباء بالبلاد. أمّا مشروع بناء أول محطة طاقة نووية في المغرب فشهد تطورات جديدة خلال عام 2023، وذلك بشراكة مع روسيا.
أمام توجّهات دول الشرق الأوسط إلى إنتاج الطاقة النووية مجموعة من التحديات أبرزها الكلفة الاستثمارية التي تُعطل مسيرة بعض الدول في هذا الاتجاه، بينما تكمن الفرص في العوائد العالية للطاقة النووية، ولا سيما لجهة الآثار البيئية. وتفتح هذه المسألة إشكالية خطورة الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم مع ازدياد الميغاوات النووية وخطورة تدفق المواد الحسّاسة القابلة للاستخدام العسكري مثل اليورانيوم المخصّب ووقود البلوتونيوم والتي ستختلف من بلد إلى آخر طبقاً للجهة التي ستتحكم في نشاط دورة الوقود النووي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى