كتب محمد سلام في هنا لبنان:
لبنان يعاني من تداعيات أربع حروب ليس شريكاً في أي منها مع أنّ إحداها تجري على أرضه.
إسرائيل إغتالت قائد حماس السياسي إسماعيل هنية في طهران، وقائد صواريخ حزب إيران فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، وجمهور الحزب اعتدى على وسائل الإعلام التي حاولت نقل الحقيقة، وأغار سلاح الجو الأميركي على مخازن أسلحة للحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق.
إسرائيل جوّفت القيادة العليا لحركة حماس بشقيها السياسي والعسكري عندما اغتال صاروخ أطلقته فجر الأربعاء هنية في مقر إقامته بطهران بعد مشاركته في إحتفال تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
إغتيال هنية تم بعد 18 يوماً من غارة إسرائيلية على منطقة المواصي بقطاع غزة لإغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.
تجويف قيادات حماس هو “أحد” الأهداف المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبول وقف الحرب في غزة.
حركة حماس لم تؤكد مقتل الضيف كما أنها لم تثبت بقاءه على قيد الحياة، لكن الإنطباع العام هو أنه إما قُتل أو تعرّض لإصابة تحول دون قدرته على القيام بمهام قيادية.
وبدا لافتاً أن الحرس الثوري الإيراني أعلن في بيان نبأ مقتل هنية في طهران، متعهداً بأنّ قيادته ستدرس أبعاد العملية وستعلن عن “نتائج التحقيق لاحقاً”.
وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية أنّ “التحقيق جارٍ” في اغتيال هنية “وسيتم الإعلان عن النتائج قريباً”، ما يطرح سيلاً من التساؤلات والتكهنات حيال ما إذا كانت طهران ستتدخل في تعيين قيادات جديدة لحماس لإفشال محاولة نتنياهو التي تحرم إيران من حلفاء مسلمين سنة يؤمنون تغطية، وإن جزئية، لنفوذها في الأراضي العربية التي تتوزع فيها أذرعها وتتواجد فيها خلايا لحركة الأخوان المسلمين، الأم الروحية لحماس والحليفة العضوية لحزب إيران.
وبدا توجه إيران واضحاً بعد رفع راية الثأر لإغتيال هنية على قبة أحد مساجد مدينة قم المقدسة بعدما كان المرشد الأعلى علي خامنئي قد قال إنّ الكيان الإسرائيلي “المجرم والإرهابي اغتال ضيفنا العزيز في بيتنا، وأفجع قلوبنا، لكنه أعدّ لنفسه أيضاً عقابًا قاسيًا… لكننا نعدّ الثأر لدمه في هذه الحادثة المريرة والصعبة، التي وقعت في حرم الجمهورية الإسلامية، واجبًا علينا”.
وفي تطور متصل بسياق النزاع أعلنت الجماعة الإسلامية، وهو الإسم المحلي في لبنان لتنظيم الأخوان المسلمين، أنها تلقت تهديدات بالعبرية لإذاعة الفجر التي تديرها من مركزها الرئيسي في منطقة عائشة بكار ببيروت، وستقفل المركز احترازياً حتى يوم الأحد المقبل.
متابعو إذاعة الفجر لاحظوا أنّ إرسالها مخترق بتشويش باللغة العبرية منذ الصباح، أما قرار الإقفال الإحترازي وإخلاء المبنى قرب دار الفتوى فقد اتخذ بعد إستلام التهديد الذي لم ينشر نصه، وقد أدى إخلاء المبنى وإنتشار نبأ التهديد إلى إثارة الذعر في المنطقة المكتظة، وسجلت بعض عمليات الإخلاء خوفاً من عملية إسرائيلية تستهدف المنطقة.
وسجلت عمليات إخلاء كثيفة أيضاً من ضاحية بيروت الجنوبية بعد إستهداف مسيّرة إسرائيلية فؤاد شكر، أرفع قائد عسكري في حزب السلاح الإيراني، رداً على قصف بلدة مجدل شمس الدرزية في الجولان المحتل مساء السبت الماضي بصاروخ تسبب بقتل 12 طفلاً في ملعب لكرة القدم وإصابة 40 بجراح.
الهجوم على بلدة غير يهودية عرّض الحكومة الإسرائيلية لإنتقادات شديدة من قبل غير اليهود من حملة جنسيتها الذين طالبوها بالرد السريع والحاسم دفاعاً عنهم كما فعلت بعد عملية حماس ضد اليهود في 7 تشرين الأول الماضي. هذا التذمّر، إذا تصاعدت وتيرته، يمكن أن يشعل نزاعاً أهلياً يهدد وجود إسرائيل.
حزب إيران المسلح كشف في بيان أنّ فؤاد شكر كان في مبنى سكني دمرته الغارة الإسرائيلية بثلاثة صواريخ، وما لبث أن أعلن مقتله لاحقاً.
أما الإعتداء الوحشي الذي نفذه عناصر الحزب على الإعلاميين، وتضمّن تكسير كاميرات، فيوحي بتنفيذ قرار بمنع تصوير عمليات إخلاء المصابين، ربما لأن بينهم كوادر رفيعة في هيكلية الحزب وشخصيات مرموقة في بيئته
يبقى أن الثابت الوحيد الذي أفرزته غارة المسيرة الإسرائيلية على حارة حريك هو عدم صحة كل ما قيل وكتب عن أن إسرائيل لن تقوم بعملية توسّع رقعة الحرب في لبنان. والآن لا خيار أمام الحزب وإيرانه سوى الرد على عملية حارة حريك، لأن عدم الرد سيعني الإقرار بالهزيمة أمام إسرائيل.
أميركا، التي كانت تحليلات الإعلام اللبناني قد توقعت أن تمنع إسرائيل من تنفيذ ضربة توسّع الحرب في لبنان أرسلت أسطولها المتواجد في البحر الأبيض المتوسط بإتجاه الشاطئ اللبناني-الإسرائيلي بعد غارة حارة حريك في خطوة تهدف للتصدي لأي قصف يمكن أن يقوم به حزب إيران ضد أهداف إسرائيلية بحرية وساحلية، وهي المهمة التي تقوم بمثلها أيضاً البحرية الأميركية والبريطانية في الخليج ما يؤمن الحماية لإسرائيل من الجنوب والشمال والغرب. أما الخطر الآتي من الشرق فتتولاه إسرائيل ودول الطوق غير المؤيدة لإيران.
ويستمر العقل العربي المدمن على الهزيمة في الإعتقاد بأنّ أميركا هي حليفة إيران ضد الأمة العربية، علماً بأنّ أميركا لا حليف لها، بإستثناء إسرائيل، بل لديها “شركاء مهمة” تنتهي علاقتها بهم لدى إنتهاء المهمة التي تجمعهما.
العقل العربي الباحث عن مؤامرة يعلّق عليها سبب هزيمته لا يتذكر أنّ أميركا وفرنسا أحضرا الإمام الخميني إلى طهران وضحيا بحليفهما التاريخي الشاه محمد رضا بهلوي فقط للإستفادة من نظام ولاية الفقيه ضد الإتحاد السوفياتي.
العقل العربي المهووس بالمؤامرة نسي أيضاً، والأرجح أنه لم يلاحظ أساساً، أنّ أميركا هي التي رتبت إرسال شيخ المجاهدين العرب الفلسطيني عبد الله عزام للقتال ضد “السوفيات الكفار” في أفغانستان، وعندما إكتملت المهمة وهُزمت موسكو قتل أسامة بن لادن عبد الله عزام، وأسس تنظيم “القاعدة،” الذي انبثقت منه لاحقاً “داعش” خريحة معتقلات نظام الأسد.
قتلت أميركا لاحقاً أسامة بن لادن وما زالت تداعب داعش التي وجدت أساساً لتنفذ مهام بموجب عقود تضمن تجديد تكليفها، فتضرب أهدافاً إيرانية تارة، ويعالج حزب إيران جرحاها في مستشفياته تارة أخرى، تقاتل الجيش اللبناني ويؤمّن حزب إيران سحب مقاتليها من الجرود بحافلات مكيفة لتستكمل مهامها في الصحراء بين سوريا والعراق.
أميركا البراغماتية، ما يعني تحديداً النفعية، هي فقط مؤمنة بالمصلحة ولا وجود لمفردات صداقة أو تحالف أو مبدأ أو عقيدة في قاموسها، هي نفعية-مصلحية، أي إنتهازية بتعريف مؤدب.
وقد ثبت أن فؤاد شكر الذي قضى في غارة حارة حريك هو مطلوب أساساً للقضاء الأميركي منذ العام 1983 لدوره في هندسة الهجوم على ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت ما أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً.
وشكر، المعروف باسمه الحركي “السيد محسن” مطلوب أيضاً لإسرائيل لدوره في هندسة تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صور ما أسفر عن مقتل 75 جندياً إسرائيلياً و 27 سجيناً لبنانياً وفلسطينياً كانت تحتجزهم إسرائيل، إضافة إلى إصابة 27 إسرائيلياً و28 عربياً بجراح وعاهات دائمة.
الغارتان الإسرائيليتان على حارة حريك وطهران واكبتهما غارة جوية أميركية على مخازن سلاح للحشد الشعبي الموالي لإيران في منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل جنوبي بغداد ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل.
والحشد الشعبي هو جزء من القوات الأمنية العراقية الخاضعة نظرياً لسلطة رئيس الوزراء، لكنه يضم فصائل موالية لإيران تتولى الدولة العراقية دفع رواتب عديدها وتأمين تسليحهم وتدريبهم وهم ينفذون عمليات ضد قوات التحالف الدولي تحت عنوان دعم غزة ضد إسرائيل.
على الصعيد الرسمي اللبناني عقدت حكومة تصريف الأعمال برئاسة رئيسها نجيب ميقاتي إجتماع لزوم ما لا يلزم في مقر رئاسة الحكومة بالسراي الكبير وأعلنت أنها ستتقدم بشكوى ضد إسرائيل لدى الأمم المتحدة وستبقى إجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات.
الحكومة تنفذ تكليف أمين عام حزب السلاح الفارسي بأن تتولى المفاوضات المتعلقة بالحرب مع أنها ليست طرفاً في الصراع بين إسرائيل والحزب وأذرعه، ولا دور لها في قرار الحرب والسلم، فهل سيقبل رئيس الحكومة السني بأن يكون وكيلاً لحزب إيران في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية والعربية، علماً بأن وزير الخارجية عبد الله بوحبيب قاطع الجلسة؟