ورغم وجود معاهدات واتفاقيات دولية تنص على حماية الصحافيين ومنها القاعدة 34 من القانون الدولي الإنساني العرفي، التي تنص على وجوب احترام وحماية الصحافيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح، ما داموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية، إلا أن الأحداث التي تشهدها المنطقة تؤكد أنه لم يتم احترام مهنة الصحافة وتقديم الحماية اللازمة لهم.
مفهوم حماية الصحافيين
لم ينجح لبنان “المعروف بكونه من البلدان الديموقراطية في المنطقة” في تأمين الحماية الأمنية والسلامة الجسدية للصحافيين، حيث شهدنا العديد من الانتهاكات بحقهم في الأعوام الاخيرة.
وشهد العام 2023 تحديدًا العديد من الاستدعاءات لصحافيين على خلفية قضايا النشر، والخطير في هذه الاستدعاءات انها تمت أمام جهات ومكاتب أمنية، وليست أمام الجهة المخولة النظر في قضايا الصحافة وهي محكمة المطبوعات. ودانت جهات محلية ودولية هذه الاستدعاءات معتبرةً أنها تشكل خرقًا خطيرًا لحرية الرأي والتعبير في لبنان.
قانون الإعلام وحماية الصحافيين
يشير المستشار القانوني لمؤسسة “مهارات”، الدكتور طوني مخايل، إلى أنه “عدا عن تنظيم القطاعات الإعلامية وإرساء مبدأ حرية الصحافة وحق النقد واستقلالية وسائل الإعلام، تهدف قوانين الإعلام أيضاً إلى حماية حرية الصحافة وضمان سلامة الصحافيين أثناء مزاولة مهامهم الصحافية”.
ويتابع: “تشمل الحماية القانونية والحماية الجسدية والأمنية. لذلك، الى جانب دور القانون في حماية حق الوصول إلى المعلومات وحق تغطية الأحداث والحفاظ على مصادر الأخبار، والحد من التدخل الحكومي في عمل الصحافة، من المفترض أن يؤمن أي قانون إعلام جديد حماية قانونية للصحافيين من التهديدات الأمنية وضعف إجراءات الحماية القضائية. ويشمل ذلك تجريم أي أعمال عنف أو تهديدات تستهدف الصحافيين، بسبب عملهم الصحافي من خلال تشديد العقوبة على هذه الأفعال، كما يتوجب على النظام القضائي أن يتحرك بسرعة وفعالية للتحقيق في أي اعتداء أو تهديد يتعرض له الصحافيون”.
وحول حماية الصحافيين خلال التغطيات الميدانية ومواجهة مخاطر الاعتداء في أماكن النزاع واماكن الشغب، يلفت مخايل، إلى أنه يجب أن تتخذ السلطات المولجة بحفظ الأمن إجراءات لحماية الصحافيين في تلك المناطق. ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات توفير حماية أمنية والاستجابة الفورية عند تعرضهم للإعتداء، وتوفير تدريبات للصحافيين حول السلامة الشخصية والحد من المخاطر، وتقديم المعلومات والتوجيهات لتخفيف المخاطر وتجنب الأعمال العدائية تجاههم، وتوفير آلية لتقديم الشكاوى ضمانا لحقوق الصحافيين المذكورة.
ويمكن أن يتضمن قانون الإعلام نصوصاً تكفل حق الصحافيين في تغطية الأحداث والحق في بيئة آمنة توجب على المسؤولين ضمان الأمن والسلامة العامة، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة تحت طائلة اعتبار ذلك إخلال بالواجبات الوظيفية، ويعّرض الأشخاص المعنيين للملاحقة المسلكية والقضائية.
لذلك يمكن أن يتضمن قانون الإعلام جملة من الموجبات الموجهة لقوى حفظ النظام، أبرزها موجب بذل العناية الضرورية لضمان بيئة آمنة للصحافيين وموجب تأمين الحماية لضمان سلامة الصحافيين الجسدية والنفسية تحت طائلة ترتب المسؤولية عن اي اهمال او تقصير.
ويختم مخايل قائلاً: “إن تثبيت حقوق الصحافيين في قوانين وضعية يشكل ضمانة لتلك الحقوق، ويمكّن الصحافيين عملياً من المبادرة الى المطالبة بإنفاذ هذه الحقوق وتكريسها، إلا أن هذا المسار يتطلب استقلالية في العمل القضائي وشفافية في إجراءات المحاسبة وفهمًا لأهمية دور الصحافة في بناء المجتمع والحياة العامة”.
قانون الإعلام
وأشار المغربي إلى أن “القانون الجديد مهم للغاية في حماية الصحافيين في ظل عدم التوازن السياسي الذي تشهده البلاد وفي ظل فائض القوة، وشاهدنا في الآونة الأخيرة الكثير من الاستدعاءات بحق الصحافيين والإعلاميين، وبالتالي مع هذا القانون يمكن تجنب هذه الاستدعاءات التي تمثّل خرقًا واضحًا لمبدأ حريّة الصحافة”.
وختم قائلاً: “اليوم هناك مطالبة بالذهاب نحو التعويض المدني واعتبار الموضوع بمثابة عطل وضرر واستبدال العقوبة الجزائية (التي تكون من خلال سجن الصحافي وتوقيفه ووضع إشارة على سجله العدلي) بالتعويض المدني”.
مضايقات وتهديدات
الدراسة تناولت أيضًا ضرورة تعزيز الحماية القانونية للصحافيين، وتحسين بيئة العمل الإعلامية في لبنان، خصوصاً في سياق التغطية الصحافية للأحداث السياسية والاجتماعية. وأبرزت الدراسة أن قوانين الإعلام الحالية لا توفر الحماية الكافية للصحافيين، وتفتقر إلى التعامل العادل والشفاف في معالجة القضايا المتعلقة بحرية الصحافة وحق الوصول إلى المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، استعرضت الدراسة تأثير البيئة السياسية والقانونية في لبنان، في ممارسة الصحافة، وكيف أن الصحافيين يجدون أنفسهم في مواجهة تهديدات متزايدة وضغوط من جميع الأطراف المعنية.
الحماية بعيون المراسلين والصحافيين
ويشير الصحافي والمراسل الميداني، إدمون ساسين، الى أن الشهداء الثلاثة الذين سقطوا في جنوب لبنان، كان سقوطهم نتيجة استهداف مباشر للطواقم الاعلامية من قبل الجيش الاسرائيلي، وبالتالي مهما كانت التجهيزات والوقاية المعتمدة في تلك اللحظة، فإنها لن تنفع. علمًا أن الشهداء الذين سقطوا يعملون في محطات عالمية تعتمد أعلى معايير السلامة.
ويضيف ساسين أن “الحرب فاجأت الجميع، وبدايةً كانت إمكانات المؤسسات الإعلامية المحلية محدودة، لكن بعدها أقيمت على الفور دورات تدريبية بالتعاون مع المؤسسات الاعلامية المحلية ومنظمات مثل الصليب الأحمر الدولي ومؤسسة سمير قصير”.
واعتبر ساسين أنه “مع نهاية الحرب، هناك حاجة لإعادة قراءة لكل المشهد الإعلامي وتدريب الصحافيين على كيفية معرفة القصة من دون تعريض أنفسهم للخطر، وأرى أن على كل المؤسسات الاعلامية أن يكون لديها أحد الأشخاص المطلعين في مسألة جغرافيا الأرض والمُعطى الأمني،وخصوصًا أننا كنا أمام حرب تتبدل فيها الجبهات”.
ورأى ساسين أن المخاطر الأمنية التي يتعرض لها الصحافي اللبناني، “لا تقتصر على فترات الحروب، فمثلاً إذا كان الصحافي يعمل على تقرير استقصائي قد يتعرّض إلى أذى جسدي، تضييق على حريّته، او قد يتعرّض لملاحقات قانونية وحتى في بعض الأحيان الفرق الإعلامية تدفع الثمن من خلال الاعتداء عليها من قبل أشخاص لا يحبون سياسة المحطة التي يعملون فيها”.
10 اعتداءات بالنيران
ويوضح أن الاستهداف الإسرائيلي للصحافيين، والمثبت بشهادات وتحقيقات مستقلة، يؤكد أن إسرائيل كانت تعرف من تقتل، ما يعزز حقيقة أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للصحافيين في غزة له امتداد في جنوب لبنان. ويضيف شعبان: “من خبرتي الميدانية ومن تجاربي وتجارب الزملاء، لا يمكن بأي شكل الموازنة بين التهديد الإسرائيلي الخطير وأي إشكالات وتضييقات واجهها الزملاء سواءً لاعتبارات سياسية أو عسكرية”.
وفي ما يتعلق بالمسؤوليات الواقعة على وسائل الإعلام، يقول شعبان: “تبدأ من البديهيات، أولًا بالتدريب، والتأمين الصحي الذي يغطي الحروب، وتوفير عدّة الحماية اللازمة. وهنا يُشار إلى أن معظم الزملاء على الجبهة اليوم لا تتوافر له على الأقل واحدة من هذه الأساسيات الثلاثة. أعرف زملاء ترسلهم مؤسساتهم من دون دروع قادرة على الحماية بفعالية، وآخرين لم يحصلوا على أي تدريب، أو لديهم تدريبات لا تتناسب مع تغطية الحروب. وأعرف زملاء اضطروا للتدريب على نفقتهم الخاصة”.
وبحسب شعبان، المؤسسات مسؤولة عن إرسال من يمتلك الخبرة، وهي مجبرة بتزويد فرقها الإعلامية بكافة الاحتياجات التقنية والإسعافات الأولية لحالات الطوارئ، وصولاً إلى تزويد هذه الفرق بمتعاونين إعلاميين (Fixer) يعرفون الأرض وكذلك أصحاب خبرة يمكنهم تقييم الواقع الأمني، إضافة إلى وضع نقاط اتصال وخطط طوارئ جاهزة عند أي خطر والاحتفاظ بتواصل دائم معهم”.
ويختم قائلاً: “تمتد المسؤوليات إلى التعويضات في حالة الإصابة أو الاستشهاد، وهي التي أعرف بحكم التجربة أنها مسؤولية تحاول بعض المؤسسات التملص منها. وعلى كل حال، فإنها غير مضمونة للصحافيين الذين يُرسلون إلى الجبهة في ظل الخلل القانوني في هذا المجال”.
دور النقابات والمؤسسات الإعلامية المحلية
يشرح نقيب المصورين، علي علوش، أن المصورين يواجهون مخاطر كثيرة في ظل وجودهم في منطقة غير آمنة تشهد حروبًا مستمرة. وآخر تجليات هذه المخاطر كان عندما تعرض الصحافيون والمصورون لهجوم همجي من قبل إسرائيل، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهم، ووقوع عدد من الجرحى الذين ما زالوا يعانون جراء هذه الاستهدافات.
يعتبر علوش أن المؤسسات الإعلامية اللبنانية فشلت في تغطية الحرب الدائرة في الجنوب، وأظهرت أنها غير قادرة على تغطية الحرب بالشكل اللازم، أو أن بعضها لا يريد القيام بواجبه تجاه المصورين والصحافيين بضمان سلامتهم وتقديم التأمين اللازم الذي يغطي الحروب. ويلفت إلى أن النقابة تواصلت منذ اليوم الأول للحرب مع الزملاء الموجودين على الجبهة بشكل مباشر، وقامت بتوعيتهم بشأن مسؤولياتهم المهنية وتجنب تعريض أنفسهم للخطر. كما قدمت دورات في الحماية والسلامة الأولية بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي ومؤسسة سمير قصير، ووزعت المعدات الضرورية للإسعافات الأولية.
ويختم علوش قائلاً: “منذ اليوم الأول للحرب، تواصلنا مع المؤسسات الإعلامية وطلبنا منها القيام بدورها في تقديم الحماية اللازمة للمصورين والإعلاميين وتقديم الدعم المادي اللازم لهم. للأسف، انسحبت المؤسسات الإعلامية من الجنوب، وهذا خطأ بحق الوطن لأنها لا تريد أن تدفع ما يكفي من المال لتغطية نقل ما يحصل”.
تعاون مع منظمات حقوقية
وتشير مسؤولة التحرير في موقع جريدة “النهار” الصحافية ديانا سكيني إلى أنه “منذ 17 تشرين الأول وحتى اليوم، كانت المخاطر مستمرة، حيث تعرض عدد من الصحافيين للمضايقات وكما رأينا أن في بعض الأوقات تم منعهم من ممارسة عملهم بحرية في مناطق معينة. كما سقط عدد من الصحافيين الشهداء جراء الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل”.
وعن حماية الصحافيين تقول سكيني: “نعمل على التعاون مع منظمات حقوقية لضمان العدالة في مقتل الصحافيين. في الآونة الأخيرة، برز التنسيق بين الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل لحماية الصحافيين وإظهار أهمية ما يجري على الأرض. للأسف، لا ضمانات من الجانب الإسرائيلي الذي يخرق كل الأعراف والمواثيق الدولية”.
وعن التدريبات للمراسلين، تقول سكيني: “أرسلت العديد من المؤسسات الإعلامية مراسليها إلى تدريبات للحصول على المهارات اللازمة لتغطية الأحداث في الجنوب اللبناني بشكل آمن، وفي جريدة النهار نرى أن لدينا أكثر من دور في ظل ما يحدث في لبنان والأخطار التي يتعرض لها الصحافيون”. وتضيف: “راجعنا القوانين الدولية ووجدنا أنه لا قوانين واضحة تحاسب المعتدين على الصحافيين بشكل قاطع. لذا، عملنا على إعداد عريضة تطالب بإقرار قانون دولي يحمي الصحافيين بطريقة لا لبس فيها. كما نسّقنا مع لجنة الصليب الأحمر الدولية لتقديم دورة تدريبية للصحافيين المهتمين بالتغطية خلال النزاعات. اهتممنا أيضاً بالجانب النفسي والصدمات النفسية التي قد يتعرض لها المراسل والصحافي خلال النزاعات والحروب والأزمات”.