فيما يواصل المركز التربوي للبحوث والإنماء الدورات التدريبة للجان كتابة مواد المناهج التربوية الجديدة، والتي يفترض أن تنتهي الأسبوع المقبل، تبرز إشكاليات اجتماعية وسياسية تتعلق بالمحتوى أو المنتج الذي سيصدر عن بعض المواد. وبعيداً من أنه قبل إقرار السلم التعليمي بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، لا معنى لكل العمل الحالي، كما يؤكد تربويون ومسؤولون، لأن كتابة المناهج يفترض أن تسبق بوضع الأهداف التي يريد البلد الوصول إليها. وقبل كتابة المواد، تبرز إشكالية تتعلق بمادتي التاريخ والتربية الوطنية.
إدخال الدين وتناسي المساواة
العمل الحالي تعتريه إشكاليات قانونية وتقنية، فالأوراق المساندة للإطار العام للمناهج لم تحدد السلم التعليمي الذي على أساسه توضع المناهج، حتى أنه لا تمييز بين مصطلحي الاختبار والامتحان، بل ثمة مزج في استخدام المصطلحين رغم الفرق الشاسع بينهما: الأول مجرد تشخيص لحالة المتعلم، فيما الثاني له صفة تقريرية تحدد أهلية المتعلم في الانتقال في السلم التعليمي. بيد أن إشكاليات مادتي التربية الوطنية والتاريخ تبقى عقدة العقد.
بما يتعلق بمادة التربية، لا شيء واضحاً في كيفية المقاربة. ففي إحدى وسائط العرض التي حصلت عليها “المدن” من دورات التدريب، يتبين أن تعريف مادة “التربية على المواطنية” في إحدى الحلقات هو “الثقافة الدينية والأخلاقية ومشاغل الخدمة المجتمعية”. أما منهج التربية الذي ما زال يعتمد في لبنان فيختلف كلياً عن هذه التعريفات، لأنه يتناول تعليم الطلاب الحقوق والواجبات والديمقراطية والانتخابات والإعلام وحرية الرأي والتعبير والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتضامن المجتمعي.. ولا ترد الأديان أو الثقافة الدينية إلا في محور واحد من ضمن حرية المعتقد والرأي. أما موضوع المساواة بين الجنسين فكانت من المواضيع الشائكة، ولم تتطرق إليها المادة عندما وضعت المناهج في العام 1997.
في مناهج العام 1997 ألغيت مادة الدين وتركت الحرية للمدارس في تدريسها. وتعلق مصادر تربوية على التعريف الجديد لمادة التربية، بأنها باتت مادة دين وأخلاق، فيما أصل المادة هو الحقوق والثقافة الحقوقية. أي أن ما تم إلغاؤه في مناهج العام 1997 (مادة الدين) الرسمية يعود اليوم من شباك التربية الوطنية. وعوضاً عن تطوير المنهج لمقاربة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ستكون التجربة الحالية في كتابة التربية انتكاسة وعودة إلى الوراء. فدخول الأحزاب والطوائف على خط كتابة المناهج (تقسيم أعضاء اللجان بين الأحزاب والطوائف) لن ينتج أي تطور على مستوى المواضيع الحقوقية الشائكة، بل انتكاسة نحو تعليم الطلاب الثقافة الدينية والأخلاقية، التي يفترض أن تكون ضمن مادة الدين.
الخائن والوطني في التاريخ
بما يتعلق بكتابة مادة التاريخ، سرت شائعات بأن لجنة المادة معطلة بسبب الصراع بين المكونات اللبنانية على تاريخ لبنان. لكن مصادر مطلعة أكدت لـ”المدن” أن لجنة التاريخ تشارك مثل سائر اللجان في الدورات التدريبية التي ينظمها المركز التربوي. لكن بعد الثالث من أيلول سينتقل أعضاء اللجنة، كسائر اللجان، إلى عقد اجتماعات خاصة بكل لجنة لبدء مرحلة كتابة محتويات المواد.
وشرحت المصادر أن دورات التدريب الحالية هي بمثابة بحث بين مختلف اللجان لوضع مقاربة حول كيفية تشبيك المواد مع بعضها، والاطلاع على المصطلحات الجديدة ووضع ملاحظات حول مصفوفة المدى والتتابع ضمن مسار إداري واضح، حيث ترسل ملاحظات ببريد إلكتروني لتكون موثقة ويمكن العودة إليها.
وتلفت المصادر إلى أن مقاربة مادة التاريخ ليست سهلة. ففي أي مادة علمية بالإمكان إجراء تطوير للمناهج من خلال الاطلاع على آخر التطورات. بينما في مادة التاريخ لا يوجد اتفاق بين اللبنانيين على تاريخهم. بل يستحضر التاريخ شياطين الطوائف والأحزاب والحرب الأهلية والصراع على تاريخ لبنان منذ الأمير فخر الدين وصولاً إلى بشير الجميل، كي لا يقال حتى يومنا الحاضر.
وشرحت المصادر أن المناهج المعتمدة في لبنان هي مناهج العام 1968. في العام 1997 تم التوافق على مادة التاريخ وتأخرت كتابة المنهج حتى العام 2000 وصدر مرسوم بالمنهج، لكن لم يطبق في المدارس بسبب الخلاف السياسي على تاريخ لبنان. فجزء من اللبنانيين يعتبرون أن الأمير فخر الدين خائن، فيما الجزء الآخر يعتبره وطنياً ووضع أسس لبنان، وهذا ينطبق أيضاً على بشير جميل.
وتلفت المصادر إلى مقاربة جديدة ستعتمد في كتابة مادة التاريخ، تبتعد عن السرد التاريخي للأحداث، وذلك من خلال طرح مواضيع للنقاش. بمعنى آخر، يتم طرح الوقائع وتاريخها والمسندة بوثائق وشواهد موثّقة، ووجهات النظر المختلفة لتلك الوقائع ويتم مناقشتها مع الطلاب. والطالب يقرر بنفسه من هو الخائن أو الوطني، في كيفية مقاربة المفاصل التاريخية والشخصيات. وقد سبق أن أمنت السفارة الفرنسية في بيروت خبيراً في هذا الشأن ناقش مع اللجنة رؤيتها في كيفية مقاربة مادة التاريخ، وكيف يدرس الطلاب تاريخ الصراع بين فرنسا وألمانيا.
وتؤكد المصادر أنه لا يوجد أي خلاف داخل لجنة التاريخ حول المقاربة التي ستتبع. فاللجنة تضم خبراء مشهود لهم في لبنان والأعضاء يمثلون كل الطيف اللبناني. لكن الخوف يكمن في تكرار تجربة العام 1997، أي توصل اللجنة إلى كتابة كتاب موحّد، ومن ثم تمنع القوى السياسية المتصارعة إقراره.