تعود اللهجة الإسرائيلية إلى التصعيد تجاه لبنان وحزب الله. تكاثرت الدعوات على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين للتركيز العسكري على “الجبهة الشمالية”. وقد أصبحت التصريحات تشبه سوق عكاظ يتبارى فيه الإسرائيليون ضمن حفلة المزايدات التي يخوضونها فيما بينهم، لكنها يمكنها أن تستدرجهم إلى حرب تسعى كل القوى والجهات الدولية والإقليمية إلى تجنّبها. تتوازى التصريحات والمواقف مع خطوات عملانية مثل اتخاذ الاستعدادات اللازمة للجيش وتنفيذ مناورات تحاكي شنّ حرب بريّة، إضافة إلى زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي إلى قاعدة صفد العسكرية وهي الزيارة الثانية التي يجريها مسؤول عسكري أميركي إلى الجبهة مع لبنان.
سعي لتغيير الوقائع
تُعطى الزيارة تفسيرات كثيرة، إذ يذهب بعض مفسّريها إلى اعتبار أنها تنطوي على المزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة، ولكن مع إشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية التي تريد لجم إسرائيل عن الدخول في حرب واسعة، فهي من الناحية العسكرية والتقنية تريد للقتال أن يبقى مضبوطاً من خلال تحديد الأهداف وحصرها بالأهداف العسكرية العائدة لحزب الله والسير وفق المسار القائم من دون توسيع نطاق الجبهة والدخول في حرب مفتوحة. إلا أن كل التفسيرات تركز على أن تل أبيب ستكون ماضية في هذه المواجهات العسكرية إلى حين تغيير الوقائع العسكرية في جنوب لبنان.
لا ينفصل ذلك عن تأكيدات الإسرائيليين بشأن رفض العودة إلى ما قبل أحداث 7 تشرين الأول على الحدود مع لبنان، وهنا لا بد من الإلتفات إلى كل التصريحات الإسرائيلية التي تذيّل بعد التهديد بالحرب والتصعيد، بفتح مجال أمام الحلّ الديبلوماسي. وذلك، بنظر الإسرائيليين هو مناسبة لدفع حزب الله إلى تقديم تنازلات لا يزال الحزب يرفضها، وبالتالي في حال استمرّ الرفض سيلزم الإسرائيليون نفسهم بالتصعيد العسكري أو بشنّ الحرب طالما أن حرب المزايدات مستمرة لديهم، وحينها سيكون من الصعب عليهم أن يتراجعوا.
تستمر المحاولات الأميركية لمنع الوصول إلى انفجار كبير. كذلك لا بد من التوقف عند التقاطع الإيراني الأميركي على منع هذا التصعيد، إلا أن اللعبة الإسرائيلية تبدو مختلفة، بغض النظر عن سوء التقديرات لدى الإسرائيليين أو القدرة على تحقيق ما يريدونه. وإلى جانب الأميركيين ينتظر لبنان حركة ديبلوماسية مستجدة في سبيل البحث بكيفية خفض التصعيد، من خلال زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والذي سيبحث في ملف تطورات الحرب وفي ملفات أخرى لها علاقة بعدم حصول تدهور لعدم تدفق أمواج اللاجئين باتجاه أوروبا. كذلك هناك تحضير فرنسي لزيارة تجريها مسؤولة ملف الشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية آن كلير لوجاندر خلال هذا الشهر، في إطار إيصال المزيد من الرسائل التحذيرية والبحث عن فرص ديبلوماسية لمعالجة الصراع.
لبنان الرسمي دخل على خطّ السعي أيضاً لخفض التصعيد ومنع انفجار الأوضاع، وذلك من خلال الإجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع عدد من السفراء مؤكداً تشديد لبنان على الحلّ الديبلوماسي. في السياق كان لافتاً إعلان وزير الخارجية عبد الله بو حبيب أن الحكومة “تريد وقف النار ووقف الحرب”، كاشفاً أنه “تم إبلاغ معظم المعنيين باستعداد لبنان للقيام بمفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين من أجل ذلك”، قال إن لبنان لم يطلب من مجلس الأمن وقف القتال، بل طلب اجتماعاً استشارياً قد يؤدي إلى ذلك، أو إلى عدم استهداف المدنيين. وزاد بقوله “إننا نتكلم مع كل الدول ومع مجلس الأمن، وفي حال حصول وقف نار يجب أن يكون هناك قرار جديد. مضيفاً أن “أي قرار سيصدر بوقف النار سيكون قراراً جديداً وليس نسخة معدلة من القرار 1701”.
بحثاً عن تسوية
زبدة كلام بو حبيب حول تعديل القرار 1701، تحتوي على نقطة أساسية إذ أن الأميركيين والإسرائيليين يعتبرون أن القرار انتهت مفاعليه، بمجرّد إعلان حزب الله عن امتلاك صواريخ بالستية ودقيقة، وبمجرد الإعلان عن إطلاق مسيّرات ضد أهداف إسرائيلية من البقاع، هذا يعني أن الأفق العسكري للصراع لم يعد محصوراً ضمن نطاق القرار الدولي الذي يشتمل على جنوب نهر الليطاني. بالنسبة إلى الإسرائيليين فإن العودة إلى تطبيق القرار 1701 بصغيته السابقة يُعتبر انتصاراً لحزب الله، وهو ما يحاولون منعه من خلال التصعيد العسكري أو رفع الشروط التفاوضية.
بمجرّد الحديث عن السعي لقرار جديد يعني الحاجة إلى تسوية جديدة، وهي يفترض أن تكون بين منزلتين، إما أن تكون التسوية الحدودية تشتمل على ضمان “أمن إسرائيل” في مقابل مكاسب سياسية واستراتيجية لحزب الله. وإما أن تنجم عنها توازنات جديدة يلخّصها أحد المسؤولين الأميركيين حين يقول: “لبنان في أزمة اقتصادية صعبة جداً. وفي بيروت يوجد كهرباء لساعتين في اليوم. وطائرات إسرائيلية تكسر حاجز الصوت، وهذا يخيف اللبنانيين. ومعظم اللبنانيين لا يريدون حربا وإنما تسوية. ولا شيء في لبنان بسيط. وبالنسبة للبناني العادي، حزب الله لا يبدو مشابها لكيف نراه نحن”. مضيفاً ” “هدفنا من التوصل إلى هذه التسوية هو كسر السيطرة الإيرانية. وينبغي تعزيز المؤسسات في لبنان.” ما يعني الحاجة إلى تسوية شاملة تعيد رسم التوازنات السياسية وذلك بما يتشابه مع المسار الأميركي المتبع تجاه النفوذ الإيراني في العراق وسوريا.