بعد لقاء عين التينة بين الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط، وما صدر عنه من دعوة إلى وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701 وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية.. أطلق «الحزب التقدمي الاشتراكي» جولة من المشاورات الداخلية مع القوى السياسية، في محاولة لتطوير ما تفاهم عليه «اللقاء الثلاثي» إلى توافق عام.
يبدو أنّ «العصف الذهني» الذي أجراه نواب «اللقاء الديموقراطي»، ولا يزالون، مع جهات سياسية ومراجع روحية، بتكليف من وليد وتيمور جنبلاط، إنما يتركّز على محاولة إيجاد أرضية مشتركة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ومن ثم تشكيل حكومة جديدة للملمة الوضع ومواجهة تحدّيات الحرب.
والسيناريو الأمثل بالنسبة إلى «الحزب التقدمي»، في هذه اللحظة، هو أن يدفع الوضع الاستثنائي الذي يمرّ فيه لبنان بفعل الحرب الإسرائيلية، نحو التعجيل في انتخاب رئيس يتولّى هو خوض المفاوضات لوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الاسرائيلي، من موقع المحصّن بأوسع «إسناد» لبناني ممكن، عبر غالبية وازنة يحصل عليها في مجلس النواب.
لكن يبدو أنّ المسرح السياسي لا يزال غير مهيء بعد للتفاعل الإيجابي مع هذا السيناريو، في انتظار تبيان معالم المشهد الاخير من الحرب ومَن سيكون بطله، ليُبنى حينها على الشيء مقتضاه.
ومع ذلك، قرّر الزعيم الجنبلاطي وابنه، جسّ نبض اللاعبين السياسيين على وقع تصاعد الحرب، واختبار إمكان ضبط مسار «الشاردين» منهم على إيقاع بيان عين التينة.
ومع انّ «اللقاء الديموقراطي» كان قد خاض قبل فترة تجربة التجوال على القوى السياسية لحضّها على تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية وعاد صفر اليدين وخالي الوفاض، الّا انّه لم ييأس من تكرار مسعاه، مفترضاً هذه المرّة انّ الظروف تغيّرت وأصبحت اكثر ملاءمة للتجاوب مع طرحه، تحت ضغط مخاطر العدوان الإسرائيلي على لبنان وما تستوجبه، في رأي القيادة الجنبلاطية، من تحسس بالمسؤولية وتبادل للتنازلات من أجل تعبيد الطريق أمام وصول رئيس توافقي إلى بعبدا.
وقد «ترسمل» الحزب التقدمي في حراكه المتجدد بـ«قرض سياسي» من بري، تمثل في المرونة التي أبداها اخيراً لجهة تخلّيه عن شرط إجراء حوار قبل الانتخاب ومناداته برئيس توافقي يحظى بأكبر غطاء وطني ممكن.
وبالنسبة الى جنبلاط الأب والابن، ينبغي على الأفرقاء الآخرين، الذين يستعجلون انتخاب الرئيس، خصوصاً المسيحيين، أن يلاقوا بري في ايجابيته ويتلقفوها للبناء عليها، وذلك على قاعدة خطوة من هنا تقابلها خطوة من هناك، وهكذا يتمّ عبور المسافة الفاصلة عن بعبدا.
وبهذا المعنى، فإنّ حراك «اللقاء الديموقراطي» في مختلف الاتجاهات يرمي إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم لاختصار الوقت الضائع وتحصين الداخل في مواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية، من خلال المسارعة إلى انتخاب رئيس توافقي يعيد الانتظام إلى المؤسسات الدستورية وادوارها.
وقد حرص موفدو القيادة الجنبلاطية على عدم الدخول في الأسماء خلال مشاوراتهم مع الأفرقاء السياسيين والمرجعيات الدينية، بحيث اقتصرت مهمتهم في المرحلة الأولى على السعي الى إقناع المعنيين بوجوب حصول أوسع تفاهم ممكن على هوية الرئيس، لإنجاحه وإحاطته بأكبر شرعية وطنية، حتى يتمكن من النهوض بالمسؤوليات الصعبة التي ستلقى على عاتقه، في حين انّ الرئيس الذي يفوز فقط بـ 65 صوتاً او بأكثرية بسيطة لن يستطيع أن يحكم بأريحية، بل سيبدأ متعثراً وسيجد صعوبة كبيرة في تشكيل أولى حكوماته، الأمر الذي من شأنه أن يستهلك زخم عهده منذ بدايته.
من هنا، ركّزت وفود «اللقاء الديموقراطي» على البحث خلال جولتها عن مساحة مشتركة بين جميع الأطراف، وإيجاد الإرادة السياسية للذهاب نحو الخيار التوافقي.
وتعتبر اوساط مواكِبة لحراك الحزب التقدمي، انّ الكرة باتت الآن في ملعب الآخرين، بعد التسهيلات التي قدّمها بري، مشدّدة على انّ التوازنات الداخلية لم تتغيّر تحت وطأة العدوان الاسرائيلي، ومن يبني حساباته الرئاسية على هذا الأساس انما يرتكب خطأ فادحاً.
وتلفت هذه الأوساط إلى أنّ من يظن انّ في الإمكان كسر طرف داخلي وفرض شروط سياسية عليه، يكون لا يعرف بعد خصوصية لبنان وتركيبته الدقيقة التي لا تتحمّل اي عبث بها. وتحذّر من انّ مثل هذه الاوهام جُرّبت ولم توصل إلى أي مكان، ولذا لا بدّ من التوافق على رئيس يُطمئن جميع المكونات اللبنانية ولا يشكّل استفزازاً لأي منها.
وتشدّد الاوساط على أنّ من كان يركّز في ادبياته مند بداية الأزمة الرئاسية على أنّ ملء الشغور في الموقع الدستوري الأول يشكّل اولويته القصوى، هو الآن امام فرصة لتحقيق ما يريد اذا تحلّى بالواقعية السياسية.
كذلك تلفت الاوساط إلى انّ تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي من بيروت، وموقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي اعتبر انّ الاولوية هي لوقف العدوان وبعدها تُناقش التفاصيل الأخرى، ساهما في إبطاء لف الاندفاعة نحو إيجاد البيئة المناسبة لانتخاب الرئيس على عجل.